برامج مجانية

تحميلات نداء الابمان تحت الصورة

تحميلات : برنامج الذاكرالقرآن مع الترجمةبرنامج القرآن مع التفسيربرنامج القرآن مع التلاوةبرنامج المكتبة الالكترونية.

*********** 9 مصاحف في الوسط جاهزة جديدة

/ /   /

Translate الترجمة

الجمعة، 9 يوليو 2021

فضل التداوي بالطب النبوي

فضل التداوي بالطب النبوي
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله ُفلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71،70)
أما بعد....
فإن أصدق الحديث كتاب الله ــ تعالى ــ، وخير الهدي، هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
نبض الرسالة
مقدمة: مَمَّا يُشرَعُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمَرِيضُ
1- أن يرقي نفسه بما ثبت في السنة المباركة.
2- الـمـبـادرة بـكـتـابـة الـوصـيـة.
3- أن يستأذن أزواجه أن يمرَّض في بيت إحداهن إذا كان متزوجًا من أكثر من امرأة.
4- ومما يشرع أن يفضي بسرٍّ من أسراره إلى من يحب.
5- التحلل من المظالم أو من له حق عليه.
6- يجوز له التوجع وذكر الوجع للغير، وهذا بخلاف الشكوى فإنها لا تكون إلا لله وحده.
7- التداوي والأخذ بالأسباب.
8- عدم التداوي بشيء محرم.
الأمراض وطرق العلاج
علاج الإصابة بالعين. عــلاج الـسـحــر.
علاج الأمراض النفسية وضيق الصدر. علاج الهم والحزن.
عــلاج الـكــرب. علاج القلق والفزع من النوم.
علاج القلق والاكتئاب. عـــلاج الـغـضــب.
التداوي بألبان الإبل وأبوالها. التداوي بألبـان البقر.
التداوي بالعســــــــل. التداوي بالحبـة السـوداء.
التداوي بالتلبينـة. التداوي بالحِجـــــامة.
الخل وفوائده الصحية. العـلاج بمـاء زمــزم.
التداوي مـن الحُمَّـى. التداوي بالحـِـنـَّــــاء.
التداوي بالإثـمد (الكـُحـل). التداوي مـن القـرح والجـروح.
التداوي مـن لدغة الحيّة والعقـرب. التــداوي بالصــبــر.
التداوي مـن عـرق النَّسَـا. التـــــداوي بالأتـــــرج.
الحـميـة من الجــــذام. التداوي بالقسط البحري (العود الهندي).
العـــلاج بالسَّعُــوط. التداوي بالعجـوة والكـمـأة.
العـــلاج بالسّنــا. فضل وفوائد ختان البنين والبنات.
مقدمة: مَمَّا يُشرَعُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمَرِيضُ
قال ابن القيم-رحمه الله-:" واعلم أنَّ الأدوية الإلهيَّة تنفع من الدَّاء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه، وإن وقع لم يقعْ وقوعًا مضرًّا وإن كان مؤذيًا، والأدوية الطبيعيَّة إنَّما تنفع بعد حصول الدَّاء، فالتعوُّذات والأذكار إمَّا أن تمنع وقوعَ هذه الأسباب، وإمَّا أن تَحُول بينها وبين كمال تأثيرها بحسبِ كمال التعوُّذ وقوَّته وضعفه، فالرُّقى والعُوَذ تسُتعمل لحفظ الصِّحة ولإزالة المرض ". (زاد المعاد :4/182).
1- أن يرقي نفسه بما ثبت في السنة المباركة:
أ- قراءة الفاتحة:
قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا} (الإسراء: 82)
قال ابن القيم -رحمه الله-: "والأظهر أنَّ ﴿مِن﴾ هنا لبيان الجِنس، فالقرآن جميعُه شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين". اهـ. (إغاثة اللهفان: (24/1
فإن كان القرآن جميعُه شفاءٌ من كل داء؛ إلا أنه ورد في فضل فاتحة الكتاب ما يدل على أنها تشفي بإذن الله من الأدواء والأسقام والأوجاع.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري t قال:" انطلق نفرٌ من أصحاب النبي ﷺ في سفرة سافروها، حتَّى نَزَلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأَبَوْا أن يُضيِّفوهم، فُلِدغ سيَّدُ ذلك الحي، فسعَوْا له بكلِّ شيء، لا ينفعه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاءِ الرَّهطَ الذين نَزَلوا، لعلَّهم أن يكون عندَ بعضِهم شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيُّها الرَّهط، إنَّ سيِّدَنَا لُدِغ، وسعينا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفعه، فهل عندَ أحدٍ منكم من شيء؟ فقال بعضُهم: نعم، والله، إنِّي لأرقي، ولكن استضفناكم، فلم تُضيِّفونا، فما أنا براقٍ حتَّى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيعٍ من الغنم، فانطلق يَتْفُل عليه، ويقرأ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، فكأنَّما نُشِطَ مِن عقال، فانطلق يمشي وما بِه قَلَبَة، قال: فأوفَوْهم جُعلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضُهم: اقتسموا، فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا، حتَّى نأتيَ رسول الله ﷺ فنَذْكُر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقَدِموا على رسول الله ﷺ فذكروا له ذلك، فقال: وما يُدريك أنَّها رُقية؟، ثم قال : قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا ".
يقول ابن القيم -رحمه الله- كما في زاد المعاد :4/178"، " والجواب الكافي صـ21":
لقد مر بي وقت في مكة سقمت فيه، ولم أجد طبيبًا ولا دواءً، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأري لها تأثيرًا عجيبًا، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارًا ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا فكان كثير منهم يبرأ سريعًا بإذن الله.
ب - قراءة المعوذات (ثلاث مرات):
والمعوذات هي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها -: أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث. فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها.
- ومعني النفث: أن يجمع كفيه ويقرأ بالمعوذات فيهما، ثم يمسح على بدنه ووجهه، والنفث نفخ لطيف بلا ريق.
- وسئل ابن شهاب-رحمه الله- كيف كان ينفث؟ قال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه. اهـ.
- وقال النووي-رحمه الله-:" وفي هذا الحديث استحبابُ الرُّقية بالقرآن وبالأذكار، وإنَّما رَقَى بالمعوِّذات؛ لأنهنَّ جامعاتٌ للاستعاذة من كلِّ المكروهات جملةً وتفصيلًا، ففيها الاستعاذة من شرِّ ما خلق، فيدخل فيه كلُّ شيء، ومن شرِّ النفَّاثات في العُقد، ومن شر السَّواحر، ومن شرِّ الحاسدين، ومن شرِّ الوسواس الخنَّاس، والله أعلم". (شرح النووي على صحيح مسلم :13/351).
جـ - يضع يده على المكان المؤلم من الجسد، ويقول: بسم الله (ثلاثًا) ثم يقول: أعوذ بعزةِ الله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجدُ وأحَاذِر. (سبعًا)
فقد أخرج الإمام مسلم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي t: أنه شكا إلى رسول الله ﷺ وجعًا، يجده في جسده منذ أسلم. فقال له رسول الله ﷺ:" ضع يدك على الذي تألم من جسدك. وقل: باسم الله (ثلاثًا)، وقل (سبع مرات): أعوذ بعزةِ الله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجدُ وأحَاذِر ".
وفي رواية لأبي داود والترمذي: قال عثمان: فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم. وفي رواية: " امسحه بيمينك سبع مرات ".
- وفي رواية عند الإمام أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح عن كعب بن مالك tأن النبي ﷺ قال: " إذا وجد أحدكم ألمًا فليضع يده حيثُ يجدُ ألمهُ، ويقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء من شرِّ ما أجدُ ". (صحيح الجامع: 820)
وقـفـة:عندما وصف النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص t كيف يعالج نفسه، وذلك بأن يضع يده على مكان الألم ويقول: بسم الله " ثلاثًا " ففعل عثمان بن أبي العاص فأذهب الله عنه ما كان يجد وتم الشفاء، وكيف لا يتم الشفاء بهذا الاسم الذي هو سر الحياة.
يقول ابن القيم -رحمه الله -:" لهذا الاسم الشريف خصائصه المعنوية، فقد قال أعلم الخلق بربه ﷺ: " لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". (مسلم)
وكيف يحصي خصائص اسم لمسماهُ كلُّ كمالٍ على الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناءٍ وكل مجد، وكل جلالٍ وكل كمال، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه، فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثرهُ، ولا عند خوفٍ إلا أزاله، ولا عند كربٍ إلا كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرَّجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا صار غنيًا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيَّده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات، وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه سَعِدَ من عرفه وقام بحقه، وبقي شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبت، وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئًا منه منتهيًا إليه . اهـ.
ثم قال له النبي ﷺ بعد ذلك، ثم قل: " أعوذ بعزة اللهِ وقدرتِهِ من شرِّ ما أجد وأُحاذِر ".
فأمره أن يلتجئ ويحتمي بالله متوسلًا بصفتين من صفات الكمال الإلهي: العزة والقدرة، فاحتماؤه بالعزة يملأ قلبه غنى حتى لا يلتفت قلبه إلى غير الله، فالعزيز لا يغالب، واحتماؤه بالقدرة يملأ قلبه يقينًا وقوةً، لأنه طلب النصرة من القادر على كل شيء الذي بيده ملكوت كل شيء.
د - أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
فقد أخرج الإمام مسلم عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:" من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ".
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال:" جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق – لم تضرك ".
قال النووي - رحمه الله- في شرح مسلم :17/35":" ومعنى قوله:" أعوذ بكلمات الله التامات" قيل: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن.
هـ - أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشرّ عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون.
فقد أخرج الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال:" إذا فزع أحدكم في النوم فليقل:" أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه، وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون فإنها لن تضره ". (حسنه الألباني في الصحيحة: 264)
و- أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.
أخرج البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: كان النبي ﷺ يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، ومن كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة.
ز- أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر، من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن.
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي التياح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله ﷺ حين كادته الشياطين؟ قال: جاءت الشياطين إلى رسول الله ﷺ من الأودية، وتحدَّرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول الله ﷺ قال: فرعب، وجاء جبريل u فقال: يا محمد، قل. قال: ما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر....... ". الحديث فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله U.
(صححه الألباني في تخريج شرح الطحاوية ص191)
حـ- بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. (ثلاث مرات)
فقد أخرج الترمذي وأبو داود عن عثمان t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم - ثلاث مرات - إلا لم يضره شيء ". وفي رواية:" لم تصبه فجأة بلاء ". (صحيح الجامع:5745)
2- الـمـبـادرة بـكـتـابـة الـوصـيـة:
إذا كان على المريض حقوق للناس، أو له حقوق عندهم، أو يرغب في الوصية بشيء من ماله، فعليه أن يبادر بكتابة الوصية، فإن السنة المبادرة بها. وكتابته لها لا تدني من أجله، وعدم كتابته لها لا تباعده منه، والمرء لا يدري متي يَفْجَأْهُ الموت.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال:" ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ".
قال ابن عمر- رضي الله عنهما- كما في صحيح مسلم: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ قال ذلك، إلا وعندي وصيتي.
فهذا الحديث دليل على مشروعية المبادرة بالوصية وكتابتها، خشية مباغتة الموت، فكم من شخص مات في حال صحته أو مرضه عنده أموال طائلة، وله حقوق وعليه حقوق، يريد أن يوصي بشيء من ماله، ليجري له عمله بعد موته، فاخترمته المنية قبل أن يصنع ذلك. ويستحب عدم تأخير الوصية إلى حضور أمارات الموت لقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال:" أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى ولا تُمْهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان". (البخاري ومسلم)
ومعني الحديث أن الشحّ غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وآيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره، فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة و" الشح " رجاء البقاء وخوف الفقر، و" تأمُل الغنى " بضم الميم أي: تطمع به. ومعنى " بلغت الحلقوم " أي: بلغت الروح، والمراد قاربت بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم تصحّ وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء. (شرح صحيح مسلم للنووي:7/129)
ولا يوصي بأكثر من الثلث، لحديث سعد بن أبي وقاص t حيث سأل رسول الله ﷺ: عن الوصية بماله كلّه؟ فقال:" لا " وبالثلثين؟ فقال:" لا "، وبالنصف فقال:" لا "، ثم قال عليه الصلاة والسلام:
" الثلث والثلث كثير ". (البخاري ومسلم)
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال:" لو أن الناس غَضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله ﷺ قال:" الثلث، والثلث كثير".
وفي رواية عند الإمام أحمد بلفظ:" وددت أن الناس غضّوا من الثلث إلى الربع في الوصية ".
- معني " غضّوا ": نقصوا وحطّوا. (فتح الباري:5/370)
فائدة: الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن جابرt أن النبي ﷺ قال:" من مات على وصيةٍ مات على سبيلٍ وسنةٍ، ومات على تقي وشهادةٍ ومات مغفورًا له ". (ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع: 5848)
3- ومما يشرع للمريض أن يستأذن أزواجه أن يمرَّض في بيت إحداهن إذا كان متزوجًا من أكثر من امرأة:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما ثقل رسول الله ﷺ، واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي. فأذنَّ له. فخرج بين رجلين، تخط([1]) رجلاه في الأرض. وكان بين العباس ورجل آخر. قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة. فقال لي: وهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال قلت: لا. قال: هو عليّ بن أبي طالب.
4- ومما يشرع أن يفضي بسرٍّ من أسراره إلى من يحب:
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعا النبي ﷺ فاطمة - عليها السلام - في شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها فضحكت، قالت: فسألتها عن ذلك فقالت: سارني النبي ﷺ أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت ".
5- التحلل من المظالم أو من له حق عليه:
إذا كان لأحد من أقارب المريض أو أصحابه أو غيرهم حق مالي فليبادر برده إليهم أو التحلل منه، وكذا من كانت له عنده مظلمة في عِرْض أو غيره فليتحلل منه ما دام في زمن الإمكان.
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه ".
وفي رواية عند البخاري أيضًا:" من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو ماله فليؤديها إليه قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه وأعطي صاحبه، وإن لم يكن له عمل صالح أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه ".
وقوله: من كانت له مظلمة لأخيه اللام في قوله: (له) بمعنى (على) أي، من كانت عليه مظلمة لأخيه وفي رواية للحديث:" من كانت عنده مظلمة لأخيه ".
- وقوله:" من عرضه أو شيء " أي من الأشياء، وهو من عطف العام على الخاص، فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها.
- وقوله:" قبل ألا يكون دينار ولا درهم ". أي: يوم القيامة.
- وقوله:" أخذ من سيئات صاحبه " أي صاحب المظلمة، " فحمل عليه " أي: على الظالم.
وفي الرواية الثانية:" فطرحت عليه ". (فتح الباري:5/101)
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضِي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".
6- يجوز له التوجع وذكر الوجع للغير، وهذا بخلاف الشكوى فإنها لا تكون إلا لله وحده:
كما قال تعالى على لسان أيوب u: {أَنّيِ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيِنَ }(الأنبياء:83)
وأيوب uلم يخبر مخلوقًا، إنما كان هذا منه لله؛ ليزيل ما نزل به من ضر، ولم يكن على سبيل الشكاية أو الجزع؛ لأن الله قال في حقه: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (سورة ص:44)
قال الثعلبي: سمعت أستاذنا أبا القاسم يقول:" حضرت مجلسًا غاضًّا بالفقهاء والأدباء والسلطان، فسئلت عن هذه الآية بعد إجماعهم على أن قول أيوب شكاية، فقلت: ليست هذه شكاية، وإنما هو دعاء؛ لأن الله تعالى قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} (الأنبياء:84)، والإجابة تعقب الدعاء لا الشكاية، فاستحبوه وارتضوه.
(تفسير القرطبي:11/327)
ويجوز له كذلك التوجع وأن يذكر وجعه كأن يقول: أنا وجع أو محموم أو يقول: أنا متعب أو وارأساه أو نحو ذلك، بشرط ألا يكون ذلك على سبيل الشكاية والتسخط، إنما يكون لبيان الحال كما حدث مع النبي ﷺ. ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة وارأساه، فقال رسول الله ﷺ:" ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت عائشة واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرِّسا ببعض أزواجك، فقال النبي ﷺ: بل أنا وارأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون أو يتمني المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع ويأبى المؤمنون ".
وأخرج ابن إسحاق والحاكم بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: رجع رسول الله ﷺ من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال:" بل أنا والله يا عائشة وارأساه ".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود t قال: دخلت على رسول الله ﷺ وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول إنك لتوعك وعكًا شديدًا، فقال رسول الله ﷺ:" أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم".
وجاء في صحيح البخاري قول سعد بن أبي وقاص t للنبي ﷺ حين قال:" بلغ بي من الوجع ما ترى...... ". الحديث.
قال المروزي-رحمه الله-:" دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وهو مريض، فسألته فتغرغرت عيناه، وجعل يخبرني ما مرّ به في ليلته من العلة. (تسلية أهل المصائب ص 163)
وقال ابن القيم -رحمه الله - كما في عدة الصابرين ص314: وأما إخبار المخلوق بالحال فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته والتوصل إلى زوال ضرره لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به حاله، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه، وقد كان النبي ﷺ إذا دخل على المريض يسأله عن حاله، ويقول: كيف تجدك؟ وهذا استخبار منه واستعلام بحاله. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في" الفتح :10/129" قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب – أي جواز التوجع من عدمه ـ وبث الشكوى والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ماله سبيل إلى تركه: كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج من معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذمومًا حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره الناس على سبيل التضجر.
وقال ابن حجر-رحمه الله- أيضًا في" فتح الباري :10/124": أما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقًا.
لكن ما حكم الأنين (التأوُّه) عند المرض؟
أما أنين المريض ففيه روايتان عن الإمام أحمد: الكراهة وعدمها.
وقال القاضي أبو الحسين: أصح الروايتين الكراهة، لما روى طاووس: أنه كان يكره الأنين في المرض.
وقال مجاهد-رحمه الله-: يُكْتب على ابن آدم مما سطر به، حتى أنينه في مرضه.
وقال جماعة من العلماء: الأنين شكوى بلسان الحال، فينافي الصبر.
وقد أحسن العلامة ابن القيم - رحمه الله- حيث قال كما في عدة الصابرين ص 326:
التحقيق أن الأنين على قسمين: القسم الأول: أنين الشكوى فيكره. القسم الثاني: أنين استراحة وتفريج فلا يكره. والله أعلم
والشكوى إلى الخلق وإن كان فيها راحة إلا إنها تدل على ضعف وخور والصبر عليها دليل قوة وعزم.
جاء في كتاب تسلية أهل المصائب ص 167، 168: أن الأحنف شكي إلى عمه وجعَ ضرسه فكرر عليه، فقال: أتكرر علىّ؟ لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة فما شكوتها إلى أحد.
- ولما نزل في عيني عطاء الماءُ، مكث عشرين سنة لا يعلم به أهله، حتى جاء ابنه يومًا من قبل عينه التي أصيب فيها، فشعر به، فعلم أن الشيخ قد أُصيب.
وكان السلف يكرهون الشكوى إلى الخلق ويجعلون مكان الأنين ذِكْر الله تعالى.
ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو قال: دخلنا على ورقاء بن عمر وهو في الموت، فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله U وجعل الناس يدخلون عليه ويسلمون عليه فيرد عليهم السلام، فلما كثروا عليه، أقبل على ابنه فقال: يا بني أكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ذكر ربي U.
7- التداوي والأخذ بالأسباب:
أيها المريض: مهما كان مرضك، فإن له دواء عَلِمه من علمه، وجَهِله من جهله. وفي العلم بهذا تأنيس لقلبك وتقوية لجانب الرجاء وانتظار الفرج.
أخرج البخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: " ما أنزل الله داءً إلا أَنَزَلَ لهُ شِفَاءً ".
- وفي رواية:" إلا أَنَزَلَ لهُ دواء ".
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر t عن رسول الله ﷺ قال: لِكُلِّ داءٍ دَوَاءُ، فإذا أُصيب دَواءُ الداء بَرَأ بإذن الله U ".
أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن أن النبي ﷺ قال:" تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً؛ - وفي رواية: "شفاء"- غير داءٍ واحدٍ، الهَرَم ". (صحيح الجامع:2930)
وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ :" ما أنزل الله U داءً إلا أنزل له دواء عَلِمهُ من علمهُ، وجهِلهُ من جهلهُ ". (الصحيحة:451)
- وفي رواية:" ما خلق الله U من داءً إلا جعل له شفاء، عَلِمهُ من علمهُ، وجهِلهُ من جهلهُ، إلا السام- يعني الموت ".
يقول ابن حجر-رحمه الله- في" فتح الباري" في شرح هذا الحديث: واعلم أن قوله ﷺ: ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواء " تفويض لله U في ذلك كله، وأنه الخالق له وإنما أنزله الله إلى الناس، بمعني أعلمهم إياه وأذن لهم فيه، كما أعلمهم التداوي، لما في ذلك من المنافع. ثم اعلم أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، لذلك قال رسول الله ﷺ:" عَلِمهُ من علمهُ وجَهِلهُ من جهلهُ " وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجع بذواتها، بل بما قدرهُ الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داءً إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر: " بإذن الله " فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته، فالتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه رفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بطلب العافية ودفع المضار، وغير ذلك. اهـ.
ومما سبق نعلم أن المرض كان بقدر الله، والأخذ بالأسباب لدفع هذا المرض هو أيضًا من قدر الله، فالمريض يدفع قدر الله بقدر الله.
فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم بسند فيه مقال عن أبي خِزامَةَ قال: قلت يا رسول الله: أرأيت رقي نسترقيها، ودواء نتداوى به وتقى نتقيها، أترد من قدر الله U شيئًا؟ قال: إنها من قدر الله U ". (حسنه الألباني في كتاب مشكلة الفقر حديث رقم:11)
وهكذا نجد أن النبي ﷺ قد حث على التداوي وأباحه؛ لأن الإنسان مجبول على صيانة نفسه، والبدن مخلوق من أمشاج مختلفة، وقوام الإنسان وحفظه إنما يكون بتعديل مزاجه، وهذا يكون باستعمال النافع ودفع الضار، وهو غرض الطب والتداوي، والمرض يحلل الرطوبات الأصلية التي منها خلق الآدمي ويعفنها، وصناعة الطب تمنع العفونة وتحفظ الرطوبة عن سرعة التحلل.
قال ابن القيم -رحمه الله - في كتابه الطب النبوي ص 5-11": فكان من هديه ﷺ فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي رضيها الله U مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن مُعطِّلُها أن تركها أقوي في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع اعتماد القلب على الله من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا ولا توكله عجزًا. أهـ. بتصرف واختصار
وخلاصة الأمر... أنه لا حرج في التداوي والأخذ بأسباب الشفاء والبحث عن الطبيب الحاذق الماهر، لكن لابد أن ننتبه أن الدواء مجرد سبب للشفاء، والشافي حقيقة هو الله U، ولهذا فقد يحصل الشفاء باستعمال الدواء، وقد لا يحصل؛ لعدم إرادة الله ذلك، وقد يشفي الله U من غير تقدم سبب.
قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم u: {وَإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء:80)
وفي صحيح مسلم " في قصة أصحاب الأخدود:" كان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما هاهنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا. إنما الشافي هو الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله فشفاه الله ".
وكان جبريل الأمين يرقي النبي ﷺ فيقول له:" بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك ".
وكان النبي ﷺ يقول كما عند البخاري ومسلم:" اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ".
وقال لمن ادعي أنه طبيب:" الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها ".
والحديث أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي رِمْثَهَ t قال: انطلقت مع أبي وأنا غلام إلى النبي ﷺ قال: فقال له أبي- أي للنبي- إني رجل طبيب، فأرني هذه السلْعَةَ التي بظهرك، قال: وما تصنع بها؟ قال: أقطعها، قال: لست بطبيب ولكنك رفيق، طبيبها الذي وضعها ".
- وفي رواية:" بل أنت رجلٌ رفيق، طبيبها الذي خلقها". (الصحيحة:1537)
وقد جاء في بعض الآثار: أن إبراهيم u قال: يا رب ممن الداء؟ قال: مني، قال: فممن الدواء؟
قال: مني، قال: فما بال الطبيب؟ قال: رجل أُرْسِل الدواء على يديه ".
فعليك أخي المريض أن تبذل السبب، ولكن اعتمد بقلبك على الشافي U فلا تعلق قلبك بطبيب مهما علا شأنه ومهما كانت خبرته، فإنه لا يملك لك نفعًا ولا ضرًّا، ولا يجلب لك ما لم يُقدر لك.
وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} (يونس: 107)
وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} (الأنعام: 17)
وفي وصية النبي ﷺ لابن عباس -رضي الله عنهما -:" قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ". (رواه الإمام أحمد)
وقال ﷺ في رواية أخرى:" واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف ". (رواه الإمام أحمد والترمذي وهو في صحيح الجامع:7957)
تنبيه: على أهل المريض أن يمنعوه مما يؤذيه ويضرَّه
فقد أخرج أبو داود عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية-رضي الله عنها- قالت:" دخل عليَّ رسول الله ﷺ ومعه عليٌّ t وعليٌّ ناقِهٌ([2])، ولنا دوالي معلقة([3])، فقام رسول الله ﷺ يأكل منها، وقام علي ليأكل، فطفق([4]) رسول الله ﷺ يقول لعليٍّ t:" مه([5]) إنك ناقهٌ، حتى كف عليٌّ t، قالت: وصنعت شعيرًا وسلقًا فجئت به، فقال رسول الله ﷺ يا عليُّ! أصب من هذا، فهو أنفع لك ". (صحيح أبي داود:3265)
وأخرج الترمذي من حديث قتادة بن النعمان t قال: قال رسول الله ﷺ :" إذا أحبَّ الله عبدًا، حماه الدنيا كما يظلُّ أحدكم يحمي سقيمه الماء ". (صحيح الجامع:282)
وأخرج الإمام أحمد من حديث محمود بن لبيد t قال: قال رسول الله ﷺ :
" إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يُحبهُ، كما تحمُون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه ". (صحيح الجامع:1814)
8- عدم التداوي بشيء محرم:
فلا يحمل طول المرض المريض على أن يطلب الشفاء بالحرام، فإن التداوي بالمحرم أمر قبيح عقلًا وشرعًا.
أما العقـل: فهو أن الله- سبحانه وتعالى - إنما حرمه لخبثه، وتحريمه له حمية وصيـانة عن تناوله، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل.
فإنه وإن أثر في إزالتها، لكنه يعقب سقمًا أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه، وأيضًا فإن إباحة التداوي به ولاسيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة.
وأيضًا فإن في هذا الدواء المحرّم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه الشفاء.
وأما من جهة الشرع: فقد تواترت الأحاديث على أن التداوي بالمحرم لا يجوز.
فقد أخرج الإمام أحمد عن أم سلمة-رضي الله عنها-:" أنها انتبذت، فجاء رسول الله ﷺ والنبيذ يهْدُر، فقال: ما هذا؟ قلت: فلانة، اشتكت فوُصِفَ لها، قالت: فدفعه برجله فكسره وقال: إن الله لم يجعل في حرام شفاءً ".
أخرج الحاكم وابن حبان عن عبد الله بن مسعود t عن النبي ﷺ قال:" فإن الله لا يُدْرَكُ ما عنده إلا بطاعته ". (الصحيحة: 2866)
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال:" من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاءً ".
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة t قال:" نهي رسول الله ﷺ عن الدواء الخبيث". قال وكيع: يعنى السم (صحيح الجامع: 6878)
أخرج الدولابي في الكنى عن أبي الدرداء t قال: قال رسول الله ﷺ :" إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام ". (حسن سنده الألباني في الصحيحة: 1633)
أخرج أبو يعلى عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت، قال رسول الله ﷺ:" إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام ".
وعن ابن مسعود t موقوفًا عليه:" إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ".
(علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم ووصله الطبراني في الكبير)
وعليه فلا يجوز التداوي بمحرم، فإن الله حرّم التداوي به، ولم يجعل شفاء الخلق فيما حرّم عليهم. فلا يجوز للمريض مهما كان حاله أن يلجأ إلى التداوي بما حرمه الله كالخمر مثلًا.
ولهذا لما سأل طارق بن سويد الحضرمي النبي ﷺ عن الخمر؟ نهاه، أو كره أن يصنعها. فقال: إنما أصنعها للدّواء. فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء. (مسلم)
وبوّب عليه النووي – رحمه الله –" باب تحريم التداوي بالخمر". (شرح مسلم:13/162)
وفي رواية عند مسلم أيضًا:" قلت يا رسول الله: إن بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشرب منها؟ قال: لا. فراجعته، قلت: إنا نستقي للمريض، قال: إن ذلك ليس شفاء ولكنه داء ".
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة ما نصه:
ما حكم الشريعة الإسلامية في شرب الخمر عند الضرورة، بأن يكون الدكتور أمر بشربها؟
فأجابت اللجنة: يحرم التداوي بشرب الخمر، وأي شيء مما حرمه من الخبائث عند جمهور العلماء.
فقد أخرج الإمام مسلم عن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي ﷺ:"عن الخمر؟ فنهاه عنها، قال: أنا أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء ". (مسلم)
وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء t قال: قال رسول الله ﷺ:" إن الله تعالى أنزل الداء وأنزل الدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام ".
وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة t قال:" نهي رسول الله ﷺ عن الدواء الخبيث ". قال وكيع:" يعنى السم".
وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن مسعود t قال:" إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ".
(ورواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه مرفوعًا إلى النبي ﷺ)
فهذه النصوص وأمثالها صريحة في النهي عن التداوي بالخبائث مصرحة بتحريم التداوي بالخمر، إذ هي أم الخبائث وجماع الإثم، ومن أباح التداوي بالخمر من علماء الكوفة فقد قاسه على إباحة أكل الميتة والدم للمضطر، وهو مع معارضته للنص ضعيف؛ لأنه قياس مع الفارق، إذ أكل الميتة والدم تزول بها الضرورة ويحفظ الرمق، وقد تعين طريقًا لذلك، أما شرب الخمر فلا يتعين إزالة المرض به بل أخبر ﷺ بأنه داء وليس بدواء، ولم يتعين طريقًا للعلاج، ورحم الله مسلمًا استغنى في علاج مرضه بما أباح الله من الطيبات واكتفي به عما حرمه سبحانه من الخبائث والمحرمات. أهـ.
تنبيهان:
أ- ما ذكرته اللجنة ينطبق على الأدوية المحرمة – كالمورفين والكوكايين وغيرها من المخدرات – كأدوية الكحة حيث يغلب عليها الكحول، فهذه ليست ضرورة، حتى وإن وصفها الطبيب، إذ البدائل الصالحة الخالية من الكحول كثيرة.
ب- إذا كانت غصة في الحلق – مثلًا – ولم تندفع إلا بشرب الخمر، جاز تعاطى القدر الذي ستدفع به الهلكة، بشرط عدم وجود مباح كالماء لدفع الهلكة.
وبعد هذه المقدمة آن لنا الشروع للدخول في الموضوع.
الأمراض وطرق العلاج
مر بنا أن النبي ﷺ أخبر أنه ما من داءٍ إلا جعل اللهُ له شفاء.
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال:" ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ".
لكن قبل الكلام عن الأمراض وكيفية العلاج منها، هناك نصيحة نبوية للوقاية من أي بلاء.
فقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال:" من رأي مبتلي فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا لم يصبه ذلك البلاء ". (صحيح الجامع: 6248)
ومن أراد كذلك أن يقي نفسه من الأمراض والتحصن ضد أي بلاء فعليه أن يبتعد عن المعاصي والذنوب فهي أصل الرزايا والبلايا، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة
وصدق الله تعالى حيث يقول: {وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عن كثير} (الشورى:30)
لكن إذا نزل المرض بالعبد فعليه أن يصبر ويرضى فهذا امتحان واختبار من الله تعالى لعبده، وكذا فهو تكفير للسيئات ورفع في الدرجات. فعلى العبد أن يمتلئ قلبه رضا عن الله تعالى، ولا يلهج لسانه إلا بالشكر. وعلى العبد كذلك أن يسعى في الأخذ بالأسباب المشروعة لرفع هذا البلاء طلبًا للشفاء مع الأخذ في الاعتبار بعدم التعلق والاعتماد على هذه الأسباب – كما مر بنا- بل ينبغي التعلق بمن بيده الشفاء فقد قال تعالى حكاية عن إبراهيم u: {وَإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء:80)
والآن آن الشروع في ذكر بعض الأمراض وكيفية العلاج منها: -
الإصــابة بالـعـيـن
من المعلوم أن العين حق كما أخبر النبي ﷺ:
فقد أخرج الإمام مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-عن النبي ﷺ قال:" العين حقٌ، ولو كان شيءٌ سابقَ القدر، سبَقَتْهُ العينُ، وإذا استُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا ".
قال ابن حجر-رحمه الله- في" الفتح :10/213": قوله:" العين حق " أي: الإصابة بالعين شيء ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه ".
قال المازري -رحمه الله-:" أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معني لأن كل شيء ليس محالًا في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى ".
- وقوله:" ولو كان شيء سابق القدر ". قال المباركفوري -رحمه الله- في" تحفة الأحوذي :6/220": أي: غالبه في السبق " لسبقه العين ": أي لغلبته العين.
وقال الطيبي -رحمه الله-:" إن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عينًا، والعين لا يسبق فكيف بغيرها". اهـ.
ومذهب أهل السنة: أن العين يفسد ويهلك عن نظر العائن بفعل الله تعالى.
· وأمر النبي ﷺ بالرقية من العين فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس t قال:" رخّص رسول الله ﷺ في الرقية من العين والحمة([6]) والنملة([7])".
وعند الترمذي من حديث عمران بن حصين t عن النبي ﷺ قال:" لا رقية إلا من عين أو حمة ".
علاج الإصابة بالعين:
أولًا: كيفية الوقاية من الإصابة بالعين قبل أن تقع:
قبل أن نتكلم عن كيفية العلاج ينبغي أن نتكلم عن طرق وكيفية الوقاية من الإصابة بالعين، فقد قالوا: الوقاية خير من العلاج، ومن طرق الوقاية:
1- التجنب والتحرز ممن عرف عنه الإصابة بالعين:
قال النووي -رحمه الله - في" شرح مسلم :4/399" قال القاضي: وفي حديث سهل بن حنيف من الفقه ما قاله بعض العلماء: إنه ينبغي إذا عرف أحد بالإصابة بالعين أن يتجنب ويتحرز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيرًا رزقه ما يكفيه ويكف أذاه عن الناس، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي ﷺ دخول المسجد لئلا يؤذي المسلمين، ومن ضرر المجزوم.
2- ستر محاسن من يخشى عليه الإصابة بالعين:
قال ابن القيم - رحمه الله - كما في" زاد المعاد :4/173": ومن الاحتراز من الإصابة بالعين: ستر محاسن ما يخاف عليه بالعين بما يردها عنه.
وقد ذكر البغوي في كتاب شرح السنة أن عثمان بن عفان t رأي صبيًا مليحًا فقال: دَسِّمُوا نُونَتَه لئلا تصيبه العين.
قال البغوي-رحمه الله-: ومعني دَسِّمُوا نُونَتَه، أي: سَوِّدُوا نونته.
والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وهي محل الحسن.
3- قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي:
فقد أخرج الديلمي عن عمران بن حصين t أن النبي ﷺ قال:" فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأهما عبد في دار فتصبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن ".
4- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن حبيب قال: قال رسول الله ﷺ:" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ".
5- المحافظة على أذكار الصباح والمساء:
6- الرقية بهذا التعوذ الذي كان يعوذ به النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين:
فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله ﷺ يعوذ الحسن والحسين يقول: أعيذكما بكلمات الله([8]) التامة([9]) من كل شيطان وهامة([10]) ومن كل عين لامة([11])، ويقول: كان أبوكم([12]) إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق ".
7- إذا رأي من نفسه أو ماله أو ولده أو أخيه المسلم ما يعجبه ويخشى أن يصيبه بالعين فليدع بالبركة:
لقول النبي ﷺ في الحديث الذي أخرجه أحمد بسند صحيح:" إذا رأي أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق ".
وكما قال النبي ﷺ لعامر بن ربيعه لما عان سهل بن حنيف:" ألا بركت ": أي قلت: اللهم بارك عليه.
أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله: لقوله تعالى: {ولوْلا إذْ دخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلتَ ما شاء اللهُ لا قوُّةَ إلا بالله} (الكهف: 38)
وروي هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان إذا رأي شيئًا يعجبه أو دخل حائطًا من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله
8- التحصن بتقوى الله:
والتي اختلف العلماء في تعريفها، إلا أنها تدور حول معنى واحد وهو فعل المأمور واجتناب المحذور، فمن كان هذا حاله فهو في حفظ من الله ولا يناله أحدٌ بأذى.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي ﷺ قال لابن عباس -رضي الله عنهما-:" احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجَاهك ". (صحيح الجامع: 7957)
ثانيًا: علاج الإصابة بالعين أو الحسد بعد أن يقع:
ويتم ذلك عن طرق الاغتسال والرقية الشرعية.
1- الاغــتــســـال:
إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خلفه فيبرأ بإذن الله تعالى.
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه بسند صحيح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف- رضي الله عنهما - قال: اغتسل أبي سهل بن حنيف t بالخرّار([13])، فنزع جبَّة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر إليه، قال: وكان سهل رجلًا أبيض، حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيتُ كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء([14])، فوُعِك([15]) سهل مكانه، واشتد وعكه - وفي رواية: - فما لبث أن لبط به([16])، فأُتي رسول الله ﷺ فأخبر أن سهلًا وُعك، فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون أحدًا؟ قالوا: عامر بن ربيعة. فدعاه رسول الله ﷺ فتغيظ عليه، فقال: " علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت؟ اغتسل له ". فغسل عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته ".
وفي رواية أخري عند أحمد أيضًا في مسنده: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفئ القدح وراءه ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس ". (صحيح الجامع:4020)
ما يؤخذ من الحديث:
1- خطورة العين ويظهر ذلك في قول النبي ﷺ:" علام يقتل أحدكم أخاه ". فهذا يدل على أن شر العين عظيم، وربما بلغ بها الجناية حد القتل، فتدخل الرجل القبر كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند حسن عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ:" العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر
2- مشروعية الوضوء أو الاغتسال من العائن للمعين.
فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ: أن النبي ﷺ قال لعامر بن ربيعة:" العين حق توضأ له ".
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا ".
أي إذا طلب من أحدكم أن يغتسل لأخيه المسلم لأنه أصابه بالعين، أو شك أنه أصابه بالعين فليلب طلبه وليغتسل له.
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:" كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ".
وعلى هذا لو طلب منك شخص أن تغتسل له فافعل طلبًا للسنة، ولا تفعل كما يفعل البعض من التغيظ ويقول في غضب وثورة: أنا لم أحسد أحدًا ولم أصبه بعين، ولن أغتسل له، لا. بل الواجب أن تفعل وتغتسل له إن طلب منك ذلك، فإن الرجل يكون صالحًا ويصيب بالعين إذا رأي ما يعجبه ولم يبرك كما كان من عامر بن ربيعة وهو صحابي جليل، بل ربما يحسد ويعين الإنسان نفسه، واعلم أن استجابتك لأخيك يطيب نفسه وخاطره وتدفع عنه الغيبة التي قد تقع منه في حال رفضك.
وفي استجابتك لطلب أخيك برهان للقيام بواجب الأخوة، فالرسول الله ﷺ وصف المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى.
3- يستحب للمسلم إذا رأي شيئًا فأعجبه أن يبرك عليه.
بمعني أن يدعو بالبركة سواء كان هذا الشيء له أولغيره.
لقول النبي ﷺ في حديث سهل بن حنيف:" ألا بركت عليه " أي: ألا دعوت له بالبركة فإن هذا الدعاء يمنع تأثير العين. وعلى هذا كل من يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين أن يقول: اللهم بارك عليه أو اللهم بارك فيه، كما قال النبي ﷺ لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف:" إذا رأي أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق ".
(رواه أحمد بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع:212)
ومما يرفع به أيضًا إصابة العين قول:" ما شاء الله لا قوة إلا بالله ".
فقد روي هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان إذا رأي شيئًا يعجبه أو دخل حائطًا من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وهذا نحو قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} (الكهف:39)
2- الـرقـيـة الـشـرعـيـة:
لقد شرع لنا رسولنا ﷺ الرقية من العين والحسد.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله ﷺ يأمر أن استرق من العين ". - وفي رواية:" أمرني الرسول ﷺ - أو أمر- أن يُسترقى من العين ".
والمعنى: اطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين.
وأخرج البخاري ومسلم عن أم سلمة – رضي الله عنها -: أن رسول الله ﷺ رأي في بيتها جارية وفي وجها سفعة([17]) فقال:" استرقوا لها، فإن بها النظرة([18]) ".
وأخرج الإمام مسلم عن جابر t قال: رخص رسول الله ﷺ لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس:" مالي أري أجسام بني أخي ضارعة([19]) أيصيبهم الحاجةُ؟ قالت: لا. ولكن العين([20]) تسرعُ ([21]) إليهم، فقال: أرقيهم، فعرضت عليه، فقال:" أرقيهم ".
أخرج ابن السني بسند صحيح عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل علينا رسول الله ﷺ وعندنا صبي يشتكي فقال ﷺ: ما لهذا؟ قالوا: نتهم به العين، قال ﷺ: أولا تسترقون له من العين؟ ".
ومن الرقى الشرعية:
1- قراءة سورة الإخلاص، والفلق، والناس.
وكما أن هذه السور واقية من الإصابة بالعين – كما مر بنا – فهي أيضًا شافية بإذن رب البرية.
2- كذلك ترقي المصاب بقولك: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري t:أن جبريل أتي النبي ﷺ فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال:" نعم "، قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك. باسم الله أرقيك.
3- ومن الرقي كذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله ابن مسعود وعائشةَ-رضي الله عنهما- قالا: كان رسول الله ﷺ إذا أتى المريضَ فدعَا له - وفي رواية: يعوِّذ بعضَهم بمسحِه بيمينه - ويقول:" أَذهبِ الْبَاس، ربَّ الناس، واشفِ أنت الشَّافي، لا شفاءَ إلاَّ شفاؤُك، شفاءً لا يغادر سَقَمًا([22]) ".- وفي رواية:" اللهم رب الناس، أذهب الباس، واشفه وأنت الشافي؛ لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا ".
وقال ابن القيم -رحمه الله-:" ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته، وكمال رحمته بالشفاء، وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته ".
(زاد المعاد:4/188).
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في "الفتح": قال ابن بطَّال: في وضْع اليد على المريض تأنيسٌ له، وتعرُّف لشدة مرضه؛ ليدعوَ له بالعافية على حسب ما يبدو له منه، وربَّما رقاه بيده، ومسح على ألَمِه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحًا". (فتح الباري: 10/126).
4- ومن الرقي ما كان النبي ﷺ يرقي بها الحسن والحسين.
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه ﷺ يعوّذ الحسن والحسين فيقول:" أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ، ويقول: كان أبوكُم يُعَوِّذُ بِهما إسماعيل وَإسحاق ".
تنبيه:
الرقية الشرعية لا بد أن يتوافر فيها ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
الثاني: أن تكون باللسان العرب.
الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.
5- لا بأس أن تكتب للمريض آيات من القرآن ثم تُغسل ويشربها.
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في" زاد المعاد :4/170":
ورأي جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها.
قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله، ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة.
ويذكر عن ابن عباس: أنه أمر أن يُكتب لامرأة تعَسَّرَ عليه وِلادُها أثرٌ من القرآن ثم يُغسل وتُسقي.
وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتابًا من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلًا كان به وجع.
ملحوظة:
يستحب أن يقرأ على الماء: الفاتحة، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة،
وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وأدعية الرقية الشرعية
6- الإكثار من الدعاء وخصوصًا في أوقات الإجابة.
قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ } (النمل:62)
7- الـتـوبـة مـن الـذنــوب
لأن التجرؤ على ارتكاب الذنوب سبب من أسباب تسلط الأعداء من الإنس والجن على الإنسان
كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى: 30)
8- تجريد التوحيد وإخلاصه للعزيز الحكيم الذي لا يضر شيء ولا ينفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى
فالتوحيد هو حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين.
9- التوكل على الله تعالى، فمن يتوكل على الله فهو حسبه.
10- المحافظة على الصلوات المفروضة في جماعة في المسجد (بالنسبة للرجال) والإكثار من الاستغفار، وتلاوة القرآن، ونوافل الصلوات، والصيام، والصدقة والإحسان ما أمكن، والإكثار من الأذكار الثابتة عن النبي ﷺ، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء والعين وشر الحاسد، وهذا كله من الأدوية النافعة بمشيئة الله تعالى من الحسد والعين.
عــلاج الـسـحــر([23])
أولًا: كيفية الوقاية من السحر قبل وقوعه:
وقبل الكلام عن العلاج لابد أن نعلم أن هناك نوع من الوقاية يتقى بها السحر قبل وقوعه
وكما هو معلوم فالوقاية خير من العلاج.
ومن طرق الوقاية من السحر:
1- القيام بجميع الواجبات، وترك جميع المحرمات، والتوبة من جميع السيئات.
2- الإكثار من قراءة القرآن الكريم بحيث يجعل له وردًا منه كل يوم.
3- التحصن بالدعوات والتعوذات والأذكار المشروعة ومن ذلك: -
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- والأذكار أدبار الصلوات.
- وأذكار النوم والاستيقاظ منه.
- وأذكار دخول المنزل والخروج منه.
- وأذكار الركوب.
- وأذكار دخول المسجد والخروج منه.
- ودعاء دخول الخلاء والخروج منه.
- ودعاء من رأى مبتلي.
فقد أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من رأي مبتلى فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، لم يصبه ذلك البلاء ".
(صحيح الجامع:6248)
· ومن هذه الأذكار: -
أ - " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم "
(ثلاث مرات في الصباح والمساء)
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عثمان t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساءِ كُل ليلةٍ: بسم اللهِ الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم (ثلاث مرات) فيضره شيءٌ" -وفي رواية:" لم تصبه فجأةُ بلاءٍ". (صحيح الجامع:5745)
ب - وكذلك قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة وعند النوم، وفي الصباح والمساء.
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة t أن الشيطان قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللهُ لا إلهَ إلا هُوَ الحيُّ القيوم... }(البقرة:255) فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وأقره الرسول ﷺ قائلًا: صَدقك وهو كذوبٌ.
جـ - قراءة " قل هو الله أحد "، والمعوذتين " ثلاث مرات في الصباح والمساء وعند النوم
فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن عبد الله بن خُبَيْب t قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله ﷺ ليصلي لنا فأدركناه، فقال: أصليتُمْ؟ فلم أقُلْ شيئًا، فقال: قل. فلم أقُلْ شيئًا، ثم قال: قل. فلم أقُلْ شيئًا، ثم قال: قُلْ. فقلت: يا رسول الله: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ".
د - قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (مائة مرة كل يوم)
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرِ رقاب، وكتبت له مائة حسنةٍ، ومحيت عنه مائةُ سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطانِ يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ".
4- أكل سبع تمرات على الريق صباحًا إذا أمكن:
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال:" من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ".
والأكل أن يكون من تمر المدينة مما بين الحرتين، كما في رواية مسلم.
ويري فضيلة الشيخ ابن باز– رحمه الله – أن جميع تمر المدينة توجد فيه هذه الصفة لقوله ﷺ:
" من أكل سبع تمرات ما بين لابتيها حين يصبح....... ". الحديث.
كما يري – رحمه الله – أن ذلك يرجي لمن أكل سبع تمرات من غير تمر المدينة مطلقًا.
ثانيًا: علاج السحر بعد وقوعه:
ويكون عن طريق:
1- استخراجه وإبطاله إذا علِمَ مكانه بالطرق المباحة شرعًا:
وهذا من أبلغ ما يُعالج به المسحور.
أخرج البخاري عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله ﷺ سُحِرَ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. قال سفيان: وهو أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا، فقال: يا عائشة! أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي. فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب([24]). قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم - رجل من زُرَيق حليفٌ ليهود وكان منافقًا - قال: وفيمَ؟ قال: في مشط ([25]) ومشاطة([26]) قال: وأين؟ قال في جُف([27]) طلْعةٍ ذكر تحت رَعُوفةٍ([28]) في بئر ذَرْوان ". قالت: فأتي النبي ﷺ البئر حتى استخرجه، فقال: هذه البئر التي رأيتها، وكأن ماءها نُقاعة الحِناءِ. وكأن نخلها رءوس الشياطين ". قال: فاستُخرجَ وأُمِر بها فدفنت ". فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال.
2- الرقية الشرعية ومنها: -
أ- يدق سبع ورقات من سدر أخضر بين حجرين أو نحوهما، ثم يصب عليها ما يكفيه للغسل من الماء ويقرأ فيهما ما يأتي: -
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة:255)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الأعراف: 117 – 122)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ. فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ. فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس: 79 – 82)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى. قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإذا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى. قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى. وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}
(طه:65 – 70)
بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ. وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (سورة الكافرون)
بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (سورة الإخلاص)
بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِن شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إذا وَقَبَ. وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذا حَسَدَ} (سورة العلق)
بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الجنّة وَ النَّاسِ} (سورة الناس)
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله تعالى، وإن دعت الحاجة إلى إعادة ذلك مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول المرض، وقد جُرِّب كثيرًا فنفع الله به، وهو جيد كذلك لمن حُبسَ عن زوجته وهو ما يُعرف بالربط([29])
ب - تقرأ سورة الفاتحة، وآيةالكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين " ثلاث مرات أو أكثر " مع النفث ومسح الوجه باليد اليمني.
(فتح الباري:9/ 62، 10/208، ومسلم:4/1723)
جـ- التعوذات والرقى والدعوات الجامعة ومنها:
1- أسأل الله العظيم رب العرش أن يشفيك (سبع مرات)
2- يضع المريض يده على الذي يؤلمه من جسده ويقول: بسم الله (ثلاثًا) ويقول:" أعوذ بِعزةِ اللهِ وقدرتِهِ من شرِّ ما أجد وأُحاذِر ". (سبع مرات) (رواه الإمام مسلم)
3-" اللهم رب الناس. أذهب الباس. واشف أنت الشافي. لا شفاء إلا شفاؤك. شفاء لا يغادر سقمًا ". (رواه البخاري ومسلم)
4-" أعوذ بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة ". (رواه البخاري)
5-" أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق ". (رواه الإمام مسلم)
6-" أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه، وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" (رواه أبو داود والترمذي)
7-" أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجرٌ من شر ما خلق، وبرأ وذرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارقٍ إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن ". (رواه الإمام أحمد)
8-" اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. ربنا ورب كل شيء. فالق الحب والنوى. ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن. أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. اللهم! أنت الأول فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء"
(رواه الإمام مسلم)
9-" باسم الله أرقيك. من كل شيء يؤذيك. ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك. باسم الله أرقيك ". (رواه الإمام مسلم)
10-" باسم الله يبريك. ومن كل داء يشفيك. ومن شر حاسد إذا حسد. وشر كل ذي عين ".
(رواه الإمام مسلم)
11-" بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حَسدِ حاسدٍ ومن كل ذي عين الله يشفيك ".
ملاحظات:
أ- هذه التعوذات، والدعوات، والرقى، يعالج بها من السحر، والعين ومس الجان، وجميع الأمراض، فإنها رقي جامعة نافعة بإذن الله تعالى.
ب - لا يجوز استخدام النشرة وهي من السحر بالسحر:
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر t قال: سُئِل رسول الله ﷺ عن النُّشْرَةِ فقال: هو من عمل الشيطان. (الصحيحة: 2760)
3- من وسائل علاج السحر: الاستفراغ بالحجامة في المحل أو العضو الذي ظهر أثر السحر عليه:
وذلك إن أمكن، وإن لم يمكن فكفى ما سبق ذكره من علاج فهو شافٍ بإذن الله[30].
4- من وسائل علاج السحر: قيام الليل:
فقيام الليل يطرد الداء من الجسد مهما كان هذا الداء، وبهذا أخبر الحبيب النبي ﷺ.
فقد أخرج الترمذي والبيهقي والحاكم عن أبي أمامة الباهلي t قال: قال رسول الله ﷺ:" عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد ". (صحيح الترغيب والترهيب: 624) (صحيح الجامع: 4079)
علاج الأمراض النفسية وضيق الصدر
والعلاج من الأمراض النفسية وضيق الصدر يكون عن طريق:
أولًا: الــقــرآن:
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء: 82)
قال ابن القيم -رحمه الله -: "والأظهر أنَّ ﴿مِن﴾ هنا لبيان الجِنس، فالقرآن جميعُه شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين". (إغاثة اللهفان :1/24).
وقال الشيخ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله-:" فالشِّفاء الذي تضمَّنه القرآن عامٌّ لشِفاء القلوب، ولشفاء الأبدان مِن آلامها وأسقامها ". اهـ. باختصار (تيسير الكريم الرحمن :3/128).
وقال تعالى عن القرآن: {ُقلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} (فصلت:44)
قال الشيخ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله-عند تفسير هذه الآية: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾؛ أي: يَهديهم لطريق الرُّشد، والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامَّة، وشفاء لهم من الأسقام البدنيَّة، والأسقام القلبيَّة؛ لأنَّه يزجر عن مساوئ الأخلاق، وأقبح الأعمال، ويَحُثُّ على التوبة النَّصوح، التي تغسل الذنوب، وتشفي القلب". اهـ باختصار. (تيسير الكريم الرحمن :4/403).
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (يونس:57)
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحِدٍ يُؤَهَّل ولا يوفق للاستشفاء بالقرآن، وإذا أحسن العليل التداوي به، وعالج به مرضه بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء بشروطه، لم يقاومه الداء أبدًا وكيف تقاوِمُ الأدواء كلامَ ربِّ الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصَدَّعَها أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على علاجه، وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا لكتابه، والله U قد ذكر في القرآن أمراض القلوب والأبدان، وطب القلوب والأبدان
كما قال تعالى: {َما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (الأنعام: 38)
يقول ابن القيم -رحمه الله-: فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله، ولو أحسن العبد التداوي بالقرآن لرأى لذلك تأثيرًا عجيبًا في الشفاء العاجل.
ثانيًا: الأخذ بأسباب انشراح الصدر:
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في" زاد المعاد :2/23": فأعظم أسباب شرح الصدر:
1- الـتـوحـيــد.
وعلى حسب كمال وقوة وزيادة التوحيد يكون انشراح الصدر، قال تعالى: {مَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} (الأنعام:125)
فكما أن الهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، كما قال تعالى:
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (الزمر:22)
فالشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، كما قال تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:122)
2- نور الإيمان الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد
قال تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن:11)
فهذا من أسباب انشراح الصدر وفرحه، فإذا فقد هذا النور ضاق قلب العبد وحَرِج، وصار في أضيق سجن وأصعبه.
أخرج الطبري في تفسيره (8/27) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال:
" إذا دخل النورُ القلب انفسح وانشرح، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلودِ والتجافي عن دار الغُرورِ والاستعداد للموت قبل نزوله([31]) ".
فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور.
3- المحافظة على الصلاة ودوام الذكر:
قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:97-99)
فأمر الله U نبيه أن يفزع إلى الصلاة والذكر إذا ضاق صدره بما يقوله أعداء الدين، فإن الذكر والصلاة شرح لصدرك، وتفريج لكربك.
4- الـعـلـم الـنــافـع.
فإنه يشرح الصدر ويوسِّعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، وكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسّع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن رسول الله ﷺ وهو العلم النافع، فأهله أشرحُ الناس صدرًا، وأوسعهم قلوبًا وأحسنهم أخلاقًا وأطيبهم عيشًا.
5- الإنابة إلى الله U ومحبته بكلِّ القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته.
فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك حتى إنه ليقول أحيانًا: إن كنتُ في الجنّة في مثل هذه الحالة، فإني إذا في عيش طيب، وللمحبة تأثيرٌ عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، وكلما كانت المحبة أقوي وأشد كان الصدر أفسحَ وأشرح، ولا يضيق الصدر إلا عند رؤية البطَّالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قَذَى عينه، ومخالطُتهم حُمَّي روحه.
ـ ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى وتعلَّقُ القلب بغيره، والغفلة عن ذكره ومحبة سواه، فإن من أحبَّ شيئًا غير الله عُذِّبَ به، وسُجنَ قلبْه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقي منه، ولا أكسف بالًا ولا أنكد عيشًا، ولا أتعب قلبًا،
فهما محبتان: -
الأولى: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغِذاؤها ودواؤها، بل حياتُها وقُرَّةُ عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب، وانجذابُ قوى الميل، والإرادة، والمحبة كلِّها إليه.
الثانية: هي محبة سبب في عذاب الروح، وغم النفس، وسجنُ القلب، وضيق الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه. (زاد المعاد ص 23-25 بتصرف)
6- دوام ذكر الله على كل حال، وفي كل موطن.
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28)
فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب وانشراحه، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
وكان مكحول – رحمه الله – يقول: ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء.
7- الإحسان إلى الخلق بأنواع الإحسان والنفع لهم بما يمكن.
فإن الكريم المحسنَ أشرح الناس صدرًا وأطيبهم نفسًا وأنعمهم قلبًا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدرًا وأنكدهم عيشًا وأعظمهم همًا وغمًّا.
وقد ضرب رسول الله ﷺ في الصحيح مثلًا للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُنَّتَانِ من حديد، كلما هَمَّ المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت حتى يجُرَّ ثيابه ويُعفي أثرهُ، وكلما هَمَّ البخيل بالصدقة لزمت كلّ حلقةٍ مكانها ولم تتسع عليه، فهذا مَثَلُ انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيقِ صدر البخيل وانحصار قلبه.
8- الـشـجــاعـة.
فإن الشجاع منشرح الصدر، متسع القلب، والجبانُ أضيق الناس صدرًا، وهو محروم من سرور الروح ولذتها ونعيمها وانبهاجها، كما حُرم منها كل بخيل، وكل مُعرض عن الله تعالى غافل عن ذكره جاهل بالله وبأسمائه وصفاته، جاهل بدينه متعلق القلب بغير الله.
9- إخراج دَغَلِ القلب من الصفات المذمومة.
ودَغَلِ الشيء عيب فيه يفسده، فعلى الإنسان أن يخرج من قلبه الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه: كالحسد، والبغضاء، والغل، والعداوة، والشحناء، والبغي.
وقد ثبت في سنن ابن ماجه بسند صحيح: أن النبي ﷺ سُئل عن أفضل الناس؟ فقال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، فقالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقيُّ، النقيُ، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد ".
10- ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم.
فإن هذه الفضول تتحول آلامًا وغمومًا وهمومًا في القلب، ويتعذب بها صاحبها، بل هي غالب عذاب الدنيا والآخرة.
يقول ابن القيم -رحمه الله -:
ولا إله إلا الله، ما أنعم عيشَ من ضرب في كل خصلةٍ من تلك الخصال المحمودة بسهم فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار: 13)، وبين هذا وذاك مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى. اهـ بتصرف
ويضيف العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – في كتابه (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) جملة من أسباب انشراح الصدر ومنها: -
11- الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة.
فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه.
12- الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي.
فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده ويستعينه على ذلك، فإن ذلك يُسلي عن الهم والحزن.
13- النظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك في العافية وتوابعها، والرزق وتوابعه، وثمرة ذلك الرضا والقناعة، وهذا يؤدي إلى طيب العيش وراحة البال وانشراح الصدر.
إن القناعة من يحلل بساحتها لم يلق في ظلها همًّا يؤرقه
14- نسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها فلا يفكر فيها مطلقًا.
15- عدم التحسر على ما مضى وعدم اللوم بكلمة: " لو".
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله – كما في فتاوي العقيدة ص 535:
وإن كان يراد بـ " لو" التحسر على ما مضى، فهذه منهي عنها لأنها لا تفيد شيئًا، وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذا يقول رسول الله ﷺ كما في صحيح مسلم: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف- وفي كل خير- احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام؛ لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه، ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يرى، فكلمة " لو" في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهى عنها النبي ﷺ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهمومًا، بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر، وأن يكون مسرورًا طليق الوجه، ونبه الله تعالى المؤمنين لهذه النقطة بقوله:
{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (المجادلة: 10)
وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه، فإن الرسول ﷺ أرشد المرء إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرِّها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب على الجانب الآخر وألا يحدث بها أحدًا لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله وقال: " فإن ذلك لا يَضرُّه ".
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح؛ ليكون متقبلًا لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يُلقى عليه من أوامر الشرع وغيرها.
16- إذا حصل للعبد نكبة من النكبات فعليه السعي في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويدافعها بحسب مقدوره.
17- مهما حل به من مصائب أو نكبات فليحمد الله أنها لم تكن في الدين أو أنها لم تكن أعظم من ذلك، ومما يدفع عنه ضيق صدره ويجلب له انشراح الصدر أنه يعلم أن الله تعالى يأجره عليها. فهذا يدفعه إلى الصبر والرضا كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157)
18- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، وعدم الغضب، ولا يتوقع زوال المحاب وحدوث المكاره.
بل يكل الأمر إلى الله U مع القيام بالأسباب النافعة، وسؤال الله العفو والعافية.
19- اعتماد القلب على الله، والتوكل عليه، وحسن الظن به - سبحانه وتعالى
فإن المتوكل على الله لا تؤثر فيه الأوهام.
20- العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جدًا،
فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة.
21- إذا أصابه مكروه أو خاف منه، فعليه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه. فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها، فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه.
22- يعرف أن أذية الناس لا تضره خصوصًا في الأقوال الخبيثة بل تضرهم، فلا يضع لها بالًا ولا فكرًا حتى لا تضره.
23- يجعل أفكاره فيما يعود عليه نفعه في الدين والدنيا.
24- ألا يطلب العبدُ الشكر على المعروف الذي بذله وأحسن به إلا من الله.
ويعلم أن هذا معاملة منه مع الله، فلا يبالي بشكر من أنعم عليه، كما قال تعالى:
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (الإنسان: 9)
25- يجعل الأمور النافعة نصب عينيه ويعمل على تحقيقها، ولا يلتفت إلى الأمور الضارة فلا يشغل بها ذهنه ولا فكره.
26- حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل، حتى يأتي للأعمال المستقبلة بقوة تفكير وعمل.
27- يتخير من الأعمال النافعة والعلوم النافعة الأهم فالأهم.
وخاصة ما تشتد الرغبة فيه، ويستعين على ذلك بالله ثم بالمشاورة إذا تحققت المصلحة وعزم توكل على الله.
28- التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة.
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ويحث العبد على الشكر.
29- إذا وجد من الزوجة أو القريب أو كل من يتعامل معه عيبًا، فلينظر إلى الجانب المشرق منه ويتذكر ماله من محاسن.
فبملاحظة ذلك تدوم الصحبة وينشرح الصدر، كما جاء في الصحيح الذي أخرجه مسلم:" لا يَفْرَك([32]) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر ".
30- الرضا وعدم التسخط
الساخط إنسان دائم الحزن، دائم الكآبة، ضيق الصدر.
يقول الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن ص 256:
لأن السخط باب الهم والغم والحزن، وشتات القلب وضيق الصدر وكسف البال، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله، والرضا يخلِّصه من ذلك كلِّه، ويفتح له باب جنة الدنيا قبل الآخرة، فإن ارتياح النفس لا يتم بمعاكسة الأقدار ومضادة القضاء، بل بالتسليم والإذعان والقبول؛ لأن مدبر الأمر حكيم لا يتَّهم في قضائه وقدره. اهـ.
فالتسخط داء عضال يعيث في القلب والجسد فسادًا ويجعل صاحبه في شقاء دائم.
فعلى الإنسان أن يرضى بما قسمه الله له؛ ليكن أغني الناس، ويسكن القلب، وتهدأ الأنفاس، وينشرح الصدر؛ لأنه لا يتَّهم الله تعالى في عدله وحكمته.
أخرج الإمام مسلم أن النبي ﷺ قال:" عجبا لأمر المؤمن: إن أمره كله خير- وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن- إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرًا له ".
31- تـرك الـمـعــاصـي.
يقول ابن عباس-رضي الله عنهما-: " إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق ".
وقال عبد الله بن المبارك:
رأيت الذنوبَ تميتُ القلوبَ وقد يـورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوبِ حيـاة القلوب وخيرٌ لنفسكِ عصيـانُها
وهل أفْسدَ الدين إلا الملـوكُ وأحبارُ سوءٍ ورهبـانُها
32- الدعاء بصلاح الأمور كلها فقد كان النبي ﷺ يعلمنا ذلك.
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي ﷺ قال:" اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، ودنياي التي فيها معاشي، وآخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر ".
وأخرج أبو داود وأحمد أن النبي ﷺ كان يقول:" اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ".
وبعد: فهذه جملة من أسباب انشراح الصدر، وعلاج للأمراض النفسية، والقلق النفسي لمن تدبرها وعمل بها بصدق وإخلاص، وقد عالج بها بعض العلماء كثيرًا من الحالات والأمراض النفسية فنفع الله بها نفعًا عظيمًا.
علاج الهم والحزن
أعاذنا الله وإياك من الهموم ونجانا من الغموم، فإنها عدو قوي، وداء دوي وهي تخترم الجسيم، وتمرض الجسم السليم، وتكدر البال، وتكسف الحال، غير أنها تزول بالدواء، وتذهب بالدعاء بإذن رب الأرض والسماء، فعليك بدعوة ذي النون، واعلم أن ما قضي سوف يكون، فلا تذهب نفسك على ما مضى حسرات فما فات مات، ولا تبتئس من كلام الحُساد، فما يُعادَى إلا مَنْ ساد، ولا تتوقع الحوادث، ولا تنتظر الكوارث، بل ثق بالجليل وقل: حسبنا الله ونعم الوكيل، ونظف ثيابك، وعش يومك وأرض بالكفاف، ولو أنه رغيف جاف، واقرأ المثاني وتدبر المعاني، واطلب العلوم، واحذر أن تكون كالبلعوم (لا يحتفظ بشيء)، وتهيأ للرحيل، فما أبطأك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وملك كِسري يغني عنه كسرة، وكثرة المال حسرة ولا تخش المكاره، فربما خير لك وأنت كاره، والزم المنزل فحق للقلب أن يعزل والقرآن ينزل، واجعل لنفسك من العبادة غذاءها، ودعها فإن معها حذاءها، وتقلل فإن الموت قريب وكُن في الدنيا كأنك غريب، وإذا رأيت أهل الدنيا وهم فيها مغرقون فقل: أيتها العير إنكم لسارقون، وإذا وعظت القلب فأبى، فقل: جئتك من سبأ بنبأ، وقل لمن نهب وما وهب وتشاغل بالذهب، تبت يدا أبي لهب، وإن دهمك همٌّ يهد الجبال، فصح أرحنا بالصلاة يا بلال. (كتاب حدائق ذات بهجة صـ251)
فالحزن ليس مطلوبًا ولا مقصودًا أصلًا، فإنه يعطل العبد عن سيره.
ولذلك كان النبي ﷺ يستعيذ بالله منه فكان يقول:" اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن ".
فالحزن قرين الهم، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما يستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مُضعف للقلب عن السيرِ مُفَتِّر للعزم. والحزن من أحب الأشياء إلى الشيطان فهو يُحزن العبد ليوقفه أو يعطله عن سيره قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (المجادلة: 10) فإذا نزل الحزن بالإنسان ولم يكن له حيلة في ذلك، فعليه أن يدفعه قدر استطاعته بالدعاء وغيره وليعلم أنه مأجور على ذلك؛ لأن الحزن ينغص على الإنسان عيشه ويكدر عليه حياته، ويصيب نفسه بالسآمة والفتور، فإذا صبر واحتسب وحاول دفعه بالوسائل الشرعية كان مأجورًا
ودفع الهم والحزن يكون عن طريق:
أولًا: الأدعية التي تدفع الهم والحزن ومنها:
ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال:" ما أصاب أحدًا قطٌّ همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا، فقيل يا رسول الله! ألا نتعلمها؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ". (السلسلة الصحيحة:199)
وأخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك t: قال:" كنت أسمع النبي ﷺ كان يكثر من قول: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزَنِ، والعجزِ والكسلِ، والجبن والبخل، وَضَلَعِ الدِّين وغلبة الرجال ".
وأخرج الحاكم عن أنس بن مالك t قال: كان النبي ﷺ إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ قال: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث.
ثانيًا: تقوي الله - عز وجل -:
قال ابن الجوزي – رحمه الله – كما في صيد الخاطر ص 204: ضاق بي أمر أوجب غمًّا لازمًا دائمًا، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقًا للخلاص، فعرضت لي هذه الآية {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (الطلاق: 2) فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج. فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى وامتثال أمره، فإن ذلك سبب لفتح كل مُرتج، ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله U كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب فقد قال تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3).
ثالثًا: كثرة الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم -:
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن الطفيل بن أبيِّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال:" يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبيُّ: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تُكْفَى همك ويغفر لك ذنبُك ". (حسنه الألباني في المشكاة:929)
رابعًا: أن يعلم المحزون أن الدنيا دار امتحان وابتلاء واختبار، وليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر:
كما قال بعضهم:
صفوًا من الآلام والأكدار جلبت على كدر وأنت تريدها
وقال بعض السلف:
رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجًا يزيد على الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود سوى العدم.
كما قال القائل:
على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة وميت ومولود وبشر وأحزان
فهكذا الدنيا..... جلبت على الكدر فإن أضحكت يومًا أبكت أيامًا، وإن سرت شهرًا أحزنت دهرًا، فليسع الإنسان لطلب الجنّة حيث السعادة الأبدية والنعيم المقيم والسرور السرمدي، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} (فاطر: 34)
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ أَبْشِرْ بخيرٍ فــــإنَّ الفـــــــارجَ اللهُ
اليأسُ يَقْطَـــــعُ أحيانًا بصاحِبِـــــهِ لا تَيْئَسَنَّ فـــــــــإنَّ الكـــــــافــيَ اللهُ
اللهُ يُحْدِثُ بعـــــــدَ العُسرِ مَيْسَرَةً لا تَجْــــــزَعَنَّ فــــــــإنَّ القــــاسمَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بــهِ إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِــــن أحــدٍ فحَسْبُك اللهُ فــــــي كــــــلٍّ لكَ اللهُ
خامسًا: التلبينة:
قال الأصمعي -رحمه الله-: والتلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيها عسل، وقال غيره أو لبن.
أخرج البخاري عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض، والمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول:" إن التلبينة تجم فؤاد المريض([33]) وتذهب ببعض الحزن([34]) ".
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في" زاد المعاد :5/120": وهذا الأمر وإن استغربه بعض الناس لكنه حق وصدق، ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم ﷺ والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها، وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور من الأغذية المفرجة. والله أعلم.
وأخرج الترمذي من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسَوْا منه، وكان يقول: إنه ليرتق - وفي رواية أحمد وابن ماجه:" إنه ليرتو([35]) فؤاد الحزين، ويسرو([36]) عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها ".
وأما عن طريقة طبخه لمريض الجسد أو لمحزون القلب.
يقول ابن حجر -رحمه الله- كما في فتح الباري: ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحًا، وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحونًا، والله أعلم. اهـ.
عــلاج الـكــرب
يقول ابن القيم -رحمه الله- كما في كتابه" الفوائد ص145، 146":
أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فتشكره عليها‏.‏ وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك‏.‏ وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شر فأصله خذُلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يُخلي بينك وبين نفسك، ولهذا كان من دعاء المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلا نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله. لا إله إلا أنت. فإذا كان خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتي أضلَّه عن المفتاح، بقي باب الخير مغلقًا دونه، ولهذا كان أمير المؤمنين عمر t يقول: إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه.
فالله سبحانه أحكم الحاكمين، واعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به، وهو العليم الحكيم. وما أوتي من أُتي إلا من قبل إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء ولا ظفر من ظفر – بمشيئة الله وعونه – إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء.
فدفع الكرب وزواله يكون عن طريق الدعاء، فقد علمنا النبي ﷺ جملة من الأدعية التي يرفع الله بها الكرب ويزيل بها الهم ومنها: -
1- ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي بكرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" دعواتُ المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت ". (صحيح الجامع:3388)
2- وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السمواتِ وربُّ الأرض وَرَبُّ العرش الكريم ". - وفي رواية عند مسلم: " كان إذا أحزبه أمر قال ذلك ".
قال النووي -رحمه الله- كما في الأذكار صـ164 قوله:" حزبه أمر " أي: نزل به أمر مهم، أو أصابه غم. وقال في موضع آخر تعليقاً على هذا الحديث: هو حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة. قال الطبري: كان السلف يدعون به، ويسمونه دعاء الكرب. (شرح مسلم :17/51)
3- وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أسماء بنت عُمَيْس-رضي الله عنها- قالت:
قال لي رسول الله ﷺ: ألا أُعَلِّمُكِ كلمات تَقُولِينَهُنّ عند الكرب- أو في الكرب-: اللهُ، اللهُ ربي، لا أشرك به شيئًا ". (صحيح الجامع:2623)
وفي لفظ:" من أصابه همّ أو غمّ، أو سقم، أو شدّة، فقال: الله ربي، لا شريك له؛ كشف ذلك عنه ". (هذا اللفظ للطبراني في الكبير وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 6040)
4- وأخرج الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة عن عبد الله بن جعفر عن عليٍّ - رضي الله عنهما- قال:" لقنني رسول الله ﷺ هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كِرْب أو شدّة أن أقولها: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين ".
(عمل اليوم والليلة للنسائي صــ 406) (الأذكار صــ 165)
أخرج ابن السني في اليوم والليلة عن عبد الله بن جعفر:" أنه دخل على ابن له مريض يُقال له صالحٌ فقال له: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم، اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم تجاوز عني، اللهم اعف عني فإنك غفور رحيم، ثم قال: هؤلاء الكلمات علمنيهن عمِّى وذكر أن رسول الله ﷺ علمُهنَّ إيَّاه ".
4- وأخرج البخاري ومسلم عن أنس t قال:" كنت أخدم رسول الله ﷺ، فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلَع الدَّين وغلبة الرجال ".
5- وأخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:" حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم حين أُلقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173)
6- وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما أصاب أحداً قط همٌ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاءَ حزني، وذهاب همّي، إلا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً " - وفي رواية:" فرحًا - قال، فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلّمها ؟ فقال:" بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ". (السلسة الصحيحة: 199)
5- أخرج الترمذي عن أنس عن مالكt قال: كان النبي ﷺ إذا كَرَبه أمرٌ قال:" يا حيُّ يا قيوم برحمتك استغيث ". (صحيح الجامع: 4777) (صحيح الترمذي: 2796)
وفي مستدرك الحاكم عن ابن مسعودt بلفظ:" كان إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ قال:" يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث ".
6- أخرج ابن أبي الدنيا من حديث سعد بن أبي وقاص t قال: قال رسول الله ﷺ:" ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كربٌ، أو بلاءٌ، من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ". (الصحيحة:2605)
- وفي رواية عند الإمام أحمد والترمذي عن سعد t قال: قال رسول الله ﷺ:" دعوة ذي النّون([37]) إذ دَعَا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب الله له ". (صحيح الجامع: 3383) (صحيح الترمذي:3052)
وقد قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء:87، 88)
قال القرطبي-رحمه الله - في تفسير هذه الآية:" وفي الخبر في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه وينجيه كما أنجاه، وهو قوله: {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء:88). أهـ.
(الجامع لأحكام القرآن:11/334)
وقال ابن كثير-رحمه الله-: {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا، ولاسيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء، فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الأنبياء.
(تفسير ابن كثير: 5/336)
- أخرج ابن أبي الدنيا في الفرج بسند صحيح أن النبي ﷺ قال:" كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم ".
(صحيح الجامع:4571)
دعـــــاء:
عن أبي غسَّانَ -رحمه الله- قال:" حُممت بنيسابور، فأطبقت عليّ الحمى، فدعوت بهذا الدعاء: اللهم كلما أنعمتَ علىّ نعمة قل عندها شكري، وكلما ابتليتني ببلية قل عندها صبري، فيا مَنْ قل شكري عند نعمته فلم يخذلني، ويا من قل عند بلائه صبري فلم يعاقبني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، اكشف ضري، قال: فذهب عني ".
علاج القلق والفزع من النوم
1- أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامّة (التامّات) من غضبه (وعقابه) وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون "- وفي رواية: جاء رجل إلى النبي ﷺ فشكا أنه يفزع في منامه، فقال رسول الله ﷺ:" إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامّة من غضبه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فقالها فذهب عنه ".
2- وأخرج ابن ماجه بسند صحيح أن النبي ﷺ قال:" الرؤيا الصالحةُ من الله، والحُلمُ من الشيطانِ، فإذا رأى أحدُكم شيئًا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من شَرِّها ثلاث مراتٍ، فإنها لا تضره، وليتحول عن جانبه الذي كان عليه ".
3- المحافظة على أذكار ما قبل النوم:
- أخرج البخاري ومسلم عن حذيفة t قال: كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام قال:" باسمك اللهم أموت وأحيا ". وإذا استيقظ من منامه قال:" الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ".
- وأخرج البخاري عن عائشة-رضي الله عنها-: أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيها، فقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، ﴿قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، ﴿قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".
- وجاء في حديث أبي هريرة t: أن الشيطان قال له:" إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿اللهُ لا إلهَ إلا هُوَ الحيُّ القيوم﴾ (البقرة:255) حتى تختمها، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي ﷺ: " صَدقك وهو كذوبٌ، ذلك شيطان ". (رواه البخاري)
- أخرج البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري t أن النبي ﷺ قال:" من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ".
- أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه فلينْفضهُ بصنفة إزاره ([38]) ثلاث مرات، فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، فإذا استيقظ فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردّ عليّ روحي، وأذن لي بذكره ".
- أخرج البخاري ومسلم عن عليّ t: أن فاطمة -رضي الله عنها- أتت النبي ﷺ تسأله خادمًا، فلم تجده، ووجدت عائشة فأخبرتها، قال عليّ، فجاءنا النبي ﷺ وقد أخذنا مضجعنا فقال:" ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدَا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم ".
- أخرج أبو داود والترمذي عن حفصة أم المؤمنين - رضي الله عنها -: أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خدِّه، ثم يقول:" اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك " ثلاث مرات ".
- أخرج الإمام مسلم عن أنس t: أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه، قال:" الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا([39])، فكم ممَّن لا كافي له ولا مؤوي ".
- أخرج الإمام مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنه أمر رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقول:
" اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، وإن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهم إنِّي أسألك العافية ". قال ابن عمر-رضي الله عنهما-: سمعته من رسول الله ﷺ.
- أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t أن النبي ﷺ كان يقول إذا أوى إلى فراشه:" اللهم رب السَّماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنَّوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنّا الدين، وأغننا من الفقر ".
- أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب t قال: قال لي رسول الله ﷺ:" إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل:" اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متَّ من ليلتك متَّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول ".
الإصابة بالقلق والاكتئاب
القلق لغة: الانزعاج.
والقلق عند علماء النفس هو: الخوف من خطر أو ألم يحتمل أن يحدث، ولكنه غير مؤكد الحدوث، وهو انفعال مركب من مشاعر الخوف والألم وتوقع الشر. ولم يعد القلق مقتصرًا على طائفة معينة من الناس أو شريحة معينة من البشر، مثل شريحة الفقراء الذين يعانون في حياتهم لتوفير ما هو ضروري بالنسبة لهم، أو مثل طائفة رجال الأعمال الذين يعانون من ضغوط العمل المتواصل الذي لا يترك لهم مجالًا للراحة والاسترخاء. إن القلق يصيب كل شرائح المجتمع الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والأصحاء والمرضى، الرجال والنساء، الصغار والكبار، المتعلمين وغير المتعلمين. فالقلق ملازم للإنسان، والتخلص منه نهائيًا أمر يخالف فطرة الإنسان.
فأصدق الأسماء كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي وهب الجشمي عن النبي ﷺ أنه قال:" أصدق الأسماء حارث وهمام ".
لأن الإنسان كثير الحرث والهم وهذا بالطبع يدعو إلى القلق، والصالحون من عباد الله كذلك يقلقون بسبب خوفهم من الرد وعدم القبول. لكن على الإنسان أن يجعل قلقه من النمط الإيجابي الذي يدعو لإيجاد الحلول للمشكلات الطارئة، ولا يقعد بصاحبه عن أي عمل مثمر وفكر جاد.
إن قلق الطلاب من الامتحان يجعلهم يطلعون ويقرأون في يوم أو يومين ما يعجزوا عن مطالعته طوال العام، فهم حولوا هذا القلق إلى طاقة عظيمة ساعدتهم على استدراك كثير مما فاتهم أثناء الدراسة.
ـ أما القلق السلبي فهو الذي يدعو إلى اليأس والكسل والخمول بحيث يستسلم الإنسان للمخاوف والأوهام، ويصبح فريسة للأفكار السوداء فيفقد السيطرة على نفسه ويدخل في دوامة الأمراض النفسية المختلفة.
إن القلق السلبي هو بوابة الهموم والغموم والأحزان، وهو القاسم المشترك لمختلف الاضطرابات النفسية: كحالات الاكتئاب النفسي، والوسواس القهري، والخوف المرضي، والهستريا، وتوهم المرض والهوس، والفصام العقلي، وجنون العظمة (البارانويا). فكل هؤلاء كانوا يعانون من القلق ثم تطورت حالاتهم إلى ما هو أخطر وأشد.
علاج القلق والاكتئاب
1- الإيمان بالله تعالى؛ لأن الإيمان يدعو إلى الرضا والثبات والهدوء والسكينة.
2- تقوي الله، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق: 4)
3- ذكر الله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)
4- الصلاة الخاشعة: قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (المعارج:19-23)
فقد أخرج أبو داود عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال:" يا بلال! أقم الصلاة، أرحنا بها ".
(صحيح الجامع:7892)
5- تلاوة القرآن: قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء:82)
6- الدعاء واللجوء إلى الله: قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (النمل: 62)
7- التوكل على الله: قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)
8- الصبر، فإنه مفتاح الفرج.
9- القناعة والرضا بالقليل.
10- التذرع بالأمل وعدم الاستسلام لليأس.
11- الاستفادة من تجارب الآخرين.
12- التدرب على العفو والحلم والرحمة وسلامة الصدر.
13- الاسترخاء والتنزه في الأماكن الواسعة حيث الخضرة والهواء النقي.
14- التحلي بروح المرح المباح والتفاؤل ولين الجانب والموضوعية.
15- التفكر في مخلوقات الله الذي يؤدي إلى الصفاء الروحي.
16- عدم الاستسلام لضغوط الحياة وكثرة العمل.
17- اكتشاف أسباب القلق، ومعالجتها بأسلوب هادئ. اهـ. (القلق آفة العصر، بتصرف)
18- عش دقائق يومك وساعاته واستمتع بذلك، ولا يؤرقك الماضي، ولا تقلق على المستقبل وسلم كل أمورك لله.
19- تذكر عواقب القلق الوخيمة.
20- الشعور بالسعادة طالما أنك مسلم وتحمل شهادة التوحيد فلا يضرك ما وراء ذلك.
21- الاشتغال بالعلوم الشرعية والمادة العلمية الهادفة.
22- لا تهتم بالأشياء التافهة ولا تغضب لأجلها.
23- فكر جيدًا قبل الإقدام على الفعل، ثم عليك بصلاة الاستخارة، وسارع بالتنفيذ مستعينًا بالله ولا تقلق بشأن العواقب.
24- لا تكلف نفسك فوق طاقتك.
25- لا تكثر من الشكوى والتأوه، وانظر إلى الحياة بتفاؤل وإيجابية، وركز في إيجابيات الحياة دون سلبياتها.
26- تذكر نعم الله عليك لتشكره عليها وتستمتع بها.
عـــلاج الـغـضــب
الغضب غليان دمُ القلب لطلب الانتقام، وهو شعلة من نار، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثورانًا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعلى البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، والغضب داء عضال.
ولكن الحبيب ﷺ أخبرنا كما عند البخاري:" ما أنزل الله بلاء إلا وأنزل له شفاء ".
فمن الأدوية لعلاج داء الغضب:
1- ترك الغضب ومجانبته طاعةً للرسول -صلى الله عليه وسلم- وعملًا بوصيته:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي ﷺ: أن رجلًا قال للنبي ﷺ: أخبرني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر عليّ فأنسى. قال:" اجتنب الغضب"، ثم أعاد عليه، فقال:" اجتنب الغضب ". (السلسلة الصحيحة:884)
وأخرج البخاري عن أبي هريرة t: أن رجلًا قال للنبي ﷺ: أوصني، قال:" لا تغضب "، فردد مرارًا، قال: " لا تغضب ".
2- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
أخرج البخاري عن سليمان بن صرد t قال: كنت جالسًا مع النبي ﷺ ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي ﷺ:" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد". فقالوا له: إن النبي ﷺ قال: تَعَوَّذ بالله من الشيطان. فقال: وهل بي جنون". - وفي رواية: أمجنونًا تراني؟ ".
3- الالتزام بالهدي النبوي وذلك عن طريق تغيير الهيئة والحال:
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ذر t أن رسول الله ﷺ قال:" إذ غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ".
4- ترك المخاصمة والسكوت:
فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال:" علموا وبشروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت ".
قال ابن رجب -رحمه الله- كما في جامع العلوم والحكم: وهذا أيضًا (أي السكوت وترك المخاصمة) دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يصدر منه حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرًا، من السباب وغيره مما يعظم ضرره فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده، وما أحسن قول مورق العجلي -رحمه الله -: ما امتلأت غضبًا قط، ولا تكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت. أهـ
5- الــوضــوء:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند فيه مقال عن عطية السعدي قال: قال رسول الله ﷺ:" إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".
(ضعيف الجامع:1510).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي بسند في مقال أيضًا عن أبي سعيد الخدري t أن النبي ﷺ قال:" ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء من ذلك فليلصقه وضوء ".
6- استحضار الأجر العظيم لمن كظم الغيظ ومنها: -
أ- الـفـوز بمـحـبـة الله.
قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(آل عمران: 134)
ومرتبة الإحسان هي أعلى مراتب الدين.
أخرج الحاكم والبيهقي وضعفه عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" ثلاثة من كن فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: من إذا أعطي شكر، وإذا قَدِر غفر، وإذا غضب فتر".
ب - سبب لدخول الجنّة.
أخرج الطبراني في الاوسط عن أبي الدرداء t قال:" قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنّة، قال:" لا تغضب ولك الجنّة ".
جـ - المباهاة على رءوس الخلائق والفوز بالحور العين.
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن عن معاذ t أن النبي ﷺ قال:" من كظم غيظًا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله U على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيِّرْهُ الله من الحور العين ما شاء ". (صحيح الجامع: 6522)
د - النجاة من غضب الله تعالى.
أخرج ابن حبان عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قلت يا رسول الله: ما يمنعني من غضب الله؟ قال:" لا تغضب ".
وأخرج الإمام مسلم عن أبي مسعود البدري t قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط فسمعت صوتًا من خلفي " اعلم أبا مسعود "، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله ﷺ فإذا هو يقول:" اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام "، قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. - وفي رواية: فقلت: يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله، فقال:" أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار ".
هـ - زيــادة الإيــمـــان.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ﷺ قال:
" ما من جرعة أحب إليّ من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانًا "
و - كظم الغيظ من أفضل الأعمال.
أخرج الإمام أحمد عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله ".
7- أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ وردِّه:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو شجاع ولا شديد.
8- معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة:
يقول ابن القيم -رحمه الله-:ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة، وكان نهاية قوة الغضب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنا، جمع الله تعالى بين القتل والزنا، وجعلهما قرينين كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (الفرقان:69،68) والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي: الغضب والشهوة، من الصلاة والاستعاذة.
التداوي بألبان الإبل وأبوالها
أخرج البخاري عن أنس بن مالك t: " أن ناسًا كان لهم سَقَمٌ، قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وَخِمة، فأنزلهم الحرَّة في ذود له، فقال: اشربوا من ألبانها، فلما صحوا قتلوا راعي النبي ﷺ واستاقوا ذوده، فبعث في آثارهم فقطع أيديَهم وأرجلَهم وسَمَرَ أعينهم، فرأيت الرجل يكدم الأرض بلسانه حتى يموت ".
وفي رواية أخرى عند البخاري أيضًا:" أن ناسًا اجْتَوَوْا في المدينة، فأمرهم النبي ﷺ أن يلحقوا براعيه - يعنى الإبل- فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه، فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم، فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ النبي ﷺ فبعث في طلبهم فجئ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمرَ أعينهم ".
وفي رواية أخرى عند البخاري عن أنس t قال:" قدم أناسٌ من عُكْلٍ أو عُرَينَة فاجْتَوَوْا المدينة، فأمرهم النبي ﷺ بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي ﷺ واستاقوا النَّعم ".
التداوي بألبـان البقر
أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال:" تداووا بألبان البقر، فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاءً، فإنها تأكل من كل الشجر". (صحيح الجامع:2929) (الصحيحة: 518)
وعند الحاكم بلفظ:" عليكم بألبان البقر، فإنها تَرُمُّ من كل الشجر، وهو شفاء من كل داء ".
(صحيح الجامع:4059)
وأخرج أبو نعيم والحاكم عن عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال:" عليكم بألبان البقر، فإنها دواءٌ، وأسمانها فإنها شفاءٌ، وإياكم ولحومها، فإن لحومها داءٌ ". (صحيح الجامع:4060)
وفي رواية أخرى عن أبى نعيم من حديث صهيب t أن النبي ﷺ :" عليكم بألبان البقر، فإنها شفاءٌ، وسمنها دواءٌ، ولحمها داءٌ ". (السلسلة الصحيحة: 1533)
قال الألباني في السلسلة الصحيحة :4/47- ح1533": وقد ضحى النبي ﷺ عن نسائه بالبقر، وكأنه لبيان الجواز، أو لعدم تيسير غيره، وإلا فهو لا يتقرب إلى الله تعالى بالداء، وقال الحليمي:" لحمها داء " وذلك لِيُبْس الحجاز ويبوسة لحم البقر منه، ورطوبة ألبانها وسمنها.
وقال ابن القيم -رحمه الله - كما في زاد المعاد: لحم البقر باردٌ يابسٌ عسر الانهضام بطيء الانحدار، يولد دمًا سوداويًا لا يصلح إلا لأهل الكدّ والتّعب الشّديد، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية كالبَهَقِ والجرب والقوباء والجُذام وداء الفيل والسرطان والوسواس وحمّى الرَّبْعِ وكثيرٍ من الأورام، وهذا لمن لم يعتده أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثّوم والدارصينى والزّنْجبيل ونحوه، وذكره أقل برودةً وأنثاه أقل يبسًا. ولحم العجل ولاسيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها، وهو حارّ رطبٌ، وإذا انهضم غذّى غذاءً قويًا.
التداوي بالعســــــــل
قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:68-69)
فالله تعالى سخر النحل ليمتص الرحيق من شتى الأزهار ومن بين النباتات المختلفة؛ ليجمع لنا منه العناصر النادرة التي يحتاجها الجسم ويركزها في العسل، وبذلك يجمع العسل مع كونه طعامًا إلا أنه فيه شفاء، فسبحان الوهاب.
وأخرج البخاري ومسلم واللفظ له من حديث أبي سعيد الخدري t قال:" جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ ﷺ فَقالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: إنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ له ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَقالَ: لقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ". فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.
- وفي رواية:" أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلًا، ثم أتاه الثانية، فقال: اسقه عسلًا، ثم أتاه الثالثة فقال: اسقه عسلًا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلًا، فسقاه فبرأ ".
فالعسل يحتوي على عناصر مهمة وهي: عنصر اليود وهو لازم لتكوين هرمون الغدة الدرقية، وعنصر الزنك: والذي يساعد على تكوين مادة قاتلة للميكروبات في غدة البروستاتا للرجل كما أن العسل يفيد في أمراض الكبد، ومرض البول السكري، ويساعد على منع الالتهابات، وفي علاج الحروق والجروح، ويجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل خمل المعدة، ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ. (انظر زاد المعاد:4/ 50-62)
وأخرج الطبراني عن أبى الأحوص:" أن رجلًا أتى عبد الله فقال: إن أخي مريض اشتكى بطنه، وأنه يُفتَى له الخمر أفأسقيه؟ قال عبد الله: سبحان الله! ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور ". (صححه الألباني في الصحيحة: 1633)
- وأخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال:" الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطةٍ محجم، وَكيَّة نار، وأنهى أمتي عن الكي ".
تنبيه: نهى النبي ﷺ في هذا الحديث عن الكي لأنه ينافي كمال التوكل.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي ﷺ قال:" من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل ".
(الصحيحة: 244)
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال في وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب:
" هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون ".
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن عمران بن حصين t قال:" أن رسول الله ﷺ نهي عن الكي، قال: فابتلينا فاكتوينا، فما أفلحنا ولا أنجحنا، وكان عمران يسمع تسليم الملائكة، فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه ".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " إن كان في شيء من أدويتكم - أو يكون في شيء من أدويتكم - خيرٌ ففي شرطة محجم، أو شربة عسلٍ، أو لذعةٍ ([40]) بنارٍ توافق الداء، وما أحب أن أكتوي ".
فعُلم بهذا أن الكي من الأدوية المكروهة ولكنه مرخصٌ فيه.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أنس t:" أن النبي ﷺ كوى أسْعَدَ بن زُرارَة من الشوكة ".
التداوي بالحبـة السـوداء
والحبة السوداء هي حبة البركة، وهي تسمى الشُّونِيزُ بلغة الفرس، وتسمى الكمون الهندي، ومنافعها جمة، ولذلك شاع استخدامها من كل داء.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" ما من داءٍ إلا في الحبّة السوداء فيه شفاء إلا السّام " - وفي رواية أخرى عن البخاري:" في الحبة السوداء شفاءٌ من كل داءٍ إلا السّام".
قال ابن شهاب: السّام: الموت. اهـ.
وجاءت بعض الأحاديث تفسر صراحة المقصود بالسام.
ففي صحيح البخاري عن خالد بن سعيد t قال:" خرجنا ومعنا غالب بن أبجر، فمرض في الطريق، فقدمْنَا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبى عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحُبَيْبَة السوداء، فخذوا منها خمسًا أو سبعًا فاسحقوها ثم اقْطُروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة - رضي الله عنها – حدثتني أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السّام، قلت: وما السّام؟ قال: الموت ".
وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال:" عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاءً من كل داءٍ، إلا السَّامَّ وهو الموت ". (صحيح الجامع: 4083)
وأخرج أبو نعيم في "الطب" من حديث بريدة t قال: قال رسول الله ﷺ :" الحبَّة السَّوداء فيها شِفاءٌ منْ كلِّ داءٍ؛ إلا الموتَ ". (صحيح الجامع:3168) (الصحيحة:1819)
وقول النبي ﷺ:" شفاء من كل داء ". مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (الأحقاف:25)
أي كل شيء يقبل التدمير ونظائره. (زاد المعاد:4/297)
التداوي بالتلبينـة
قال الأصمعي -رحمه الله-: والتلبينة هي حساء يعمل من دقيق ونخالة، ويُجعل فيها عسل، أو لبن.
(انظر الآداب الشرعية لابن مفلح:2/363)
وقال الهروي -رحمه الله-: سميت تلبينة لأنها تشبه اللبن في بياضها ورقتها.
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-: وعلى قول من قال: يخلط فيها لبن، سميت بذلك لمخالطة اللبن لها.
وقال أبو نعيم -رحمه الله- في" الطب": هي دقيق بحت، وقال قوم: فيه شحم.
والتلبينة لها خصائص مفيدة، وفوائد وفضائل عديدة منها:
ما أخرج البخاري عن عائشة -رضي الله عنها-:" أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض، وللمحزون على الهالك، وكانت تقولُ: إني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إن التَّلبينة تُجِمُّ فؤادَ المريضِ، وتذهبُ ببعض الحُزنِ ".
قال ابن القيم -رحمه الله- كما في زاد المعاد:" وهذا الأمر إن استغربه بعض الناس لكنه حق وصدق مادام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم ﷺ والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها، وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور من الأغذية المفرحة والله أعلم ". (زاد المعاد لابن القيم:5/120)
ويقول ابن القيم - رحمه الله - أيضًا كما في زاد المعاد:" وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينه وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا، والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيرًا في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونًا لا صحاحًا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلًا، وأعظم جلاءً، وإنما اتخذه أطباء المدن صحاحًا؛ ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها.
والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخًا صحاحًا ينفذ سريعًا، ويجلو جلاء ظاهرًا، ويغذى غذاء لطيفًا، وإذا شرب حارًا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق.
- وقوله ﷺ فيها: " مجمة لفؤاد المريض ":
يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي: تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة، فالتلبينة تريح فؤاد المريض وتزيل عنه الهم وتنشطه.
- وقوله:" تذهب ببعض الحزن ". هذا – والله أعلم – لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوى الحرارة الغريزية بزيادة مادتها: فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.
وقد يقال - وهو الأقرب-: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية... والله أعلم.
وقد يقال: إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، وهذا الحساء يرطبها، ويقويها، ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك في المعدة ويسروه ويحدره، ويميعه، ويعدل كيفيته، ويكسر سورته فيريحها، ولاسيما لمن عادته الاغتذاء بخبز الشعير، وهي عادة أهل المدينة إذ ذاك، وكان هو غالب قوتهم، وكانت الحنطة عزيزة عندهم... والله أعلم.
ثم قال ابن القيم - رحمه الله -:
فإنه من أنفع الأغذية للناقه، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه، ولاسيما إذا طبخ بأصول السلق، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه.
وأخرج الترمذي من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:" كان رسول الله ﷺ إذا أخذَ أهلَهُ الوعَكُ أمر بالحَساء فصُنع، ثم أمرهم فَحَسَوا منه، وكان يقول: إنه ليرتق- وفي رواية أحمد وابن ماجه:" إنه لَيْرتُو- فؤادَ الحزينِ، ويَسْرُو عن فؤادِ السَّقيم، كما تسُرو إحداكُنَّ الوسَخ بالماء عن وجهها ".
(صحيح الجامع:4646)
وقد تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي، وهو أكثر غذاءً من سويقه، وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدرٌّ للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل.
وصفتــــــه:
أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض ([41]) مقدار، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله، ويغلى في قدر نظيف، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه ويصفى، ويستعمل منه مقدار الحاجة محلًّا. اهـ.
(من كلام ابن القيم كما في زاد المعاد)
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي ﷺ:" أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن-إلا أهلها وخاصتها - أمرت ببُرْمةٍ من تلبينةٍ فطبخت، ثم صنع ثريد ([42]) فصبَّت التلبينة عليها، ثم قالت: كُلْن منها، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: التلبينة مُجمَّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن ".
ـ ثريد: خبز يفتت ثم يبل بمرق.
وأما عن طريقة طبخه لمريض الجسد أو لمحزون القلب:
يقول ابن حجر- رحمه الله – كما في" فتح الباري :147":
ولعل اللائق بالمريض، ماء الشعير إذا طبخ صحيحًا، وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحونًا. والله أعلم. اهـ.
أهمية الشعير (التلبينة) في علاج كثير من الأمراض:
قال الموفق البغدادي كما في" الفتح :10/155":
إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير، ولاسيما إذا كان نخالة، فإنه يجلو وينفذ بسرعة، ويغذى غذاءً لطيفًا، وإذا شرب حارًا كان أحلى وأقوى وأنمى للحرارة الغريزية. أهـ.
أهمية الشعير في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية:
فالشعير له أهمية كبرى في علاج أمراض القلب وضغط الدم والكوليسترول، ولكن قبل الكلام عن أهمية الشعير لأمراض القلب وضغط الدم هناك سؤال يتردد في أذهان البعض ما هو الكوليسترول؟
الكوليسترول: هو ذلك الدهن الحيواني الذي نتناوله في طعامنا ويجرى في دمائنا وله حد طبيعي ونسبة طبيعية في الجسم، إذا زادت هذه النسبة فإن جزءًا من هذه الزيادة يلتصق ويترسب على جدار الشرايين فإذا استمرت الترسيبات على جدار الشرايين تصبح مجاري الشرايين ضيقة تدريجيًّا، وتحد من حرية وسرعة جريان الدم الواصل من الشرايين إلى عضلة القلب، فإذا حدث انسداد للشرايين تكون نتيجة ذلك جلطة في القلب فزيادة الكوليسترول يؤدي للإصابة بمرض القلب، ويتميز الشعير بفاعليته الفائقة في تقليل مستويات الكوليسترول في الدم بما يحتويه من مركبات كيميائية كمادة البيتاجلوكان، ومشابهات فيتامين(ه)، لذلك يعتبر الشعير علاجًا لأمراض القلب.
الشعير وأمراض ضغط الدم:
أكدت الأبحاث أن تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر البوتاسيوم تقي من الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، ويحتوي الشعير على عنصر البوتاسيوم، حيث إن البوتاسيوم يخلق توازنًا بين الملح والمياه داخل الخلية. وكذلك فإن الشعير له خاصية في إدرار البول، حتى إن هناك أدوية تعمل على إدرار البول وهي أشهر الأدوية المستعملة لمرضي ضغط الدم. ورضي الله عن عائشة: فقد كانت تأمر بالتلبينة وتقول:
" هو البغيض النافع " أي ربما يبغضه المريض وهي نافعة له.
ثانيًا: علاقة الشعير بالحزن (الاكتئاب خلل كيميائي):
1- البوتاسيوم والاكتئاب
في حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبية. وتشير الدراسات العلمية أن المعادن مثل: البوتاسيوم والماغنسيوم لها تأثير على الموصلات العصبية التي تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وتحتوي حبة الشعير على عنصر البوتاسيوم والماغنسيوم.
2- فيتامين " B " والاكتئاب:
تقول أحد التقارير العلمية: يشعر الإنسان بالميل للاكتئاب، وقد يكون أحد مسببات أعراض الاكتئاب هو تأخر في العملية الفسيولوجية لتوصيل نبضات الأعصاب الكهربية، وهذا يسبب نقص فيتامين " B " ولذلك يجب مراعاة زيادة الكمية المأخوذة من بعض المنتجات، وأشار التقرير العلمي إلى أن الشعير ضمن هذه المنتجات.
مضادات الأكسدة والاكتئاب والشيخوخة:
إن إعطاء جرعات مكثفة من مجموعة معينة من العقاقير التي باسم مضادات الأكسدة (فيتامينA،E)، تساعد في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح من شهر إلى شهرين، وتمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة، مثل (فيتامين E , A).
الشعير والميلاتونين:
أولًا: تعريف الميلاتونين: هو هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، وأعلى معدل للإفراز يكون أثناء الليل، ويقل إفراز الميلاتونين كلما تقدم الإنسان في العمر.
وترجع أهمية الميلاتونين للإنسان إنها تقيه من أمراض القلب، وتخفض نسبة الكوليسترول في الدم، وتعمل على خفض ضغط الدم، ولها علاقة أيضًا بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، وتزيد مناعة الجسم، وتقي الإنسان من اضطرابات النوم، والسرطان، وتعالج حالات الاكتئاب، وتعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة... إلخ.
وقد حبانا الله U بعض الأغذية الطبيعية بتوفير الميلاتونين الطبيعي غير الضار، وعلى رأسها الشعير.
ومن هديه ﷺ في أكل الخبز: ما رواه الإمـام أحـمـد عن عـروة عن عـائشة-رضي الله عنها- أنها قالت: ".. ولا أكل خبزًا منخولًا منذ بعثه الله إلى أن قبض ".
وروى الترمذي بسند عن سليم بن عامر سمعه أبو أمامة يقول:" ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله ﷺ خبز الشعير ".
ويستخدم دقيق الشعير في صناعة الخبز والفطائر والحلوى والكيك بمفرده، أو بخلطه مع دقيق القمح.
أما بالنسبة لبرغل الشعير فهو يستخدم في إنجلترا واسكندنافيا بكثرة في صناعات عديدة مثل: اللدائن والحلوى والفطائر.
كما يستخدم رقائق الشعير في وجبات الإفطار، وهي منتشرة في أوروبا بكثرة، وأيضًا يستخدم كغذاء للأطفال الرضع، ويستخدم الشعير اللؤلؤي في كثير من الأطباق الرئيسية بجانب استخدامه في الفطائر، ويدخل أيضًا في صناعة الحلوى.
وفي الولايات المتحدة يوجد كثير من الوصفات المختلفة التي يدخل في صناعتها محصول الشعير، وعليها إقبال شديد من المواطنين كوجبات رئيسية نتيجة للقيمة الغذائية والصحية العالية كما ذكرنا من قبل، بالإضافة إلى مذاقه المثير لدى الذوق الأوروبي والأمريكي.
وأظهرت نتائج البحوث: الفوائد الصحية العديدة مثل خفض الكوليسترول وتقليل الإصابة بسرطان القولون، وتقليل الإصابة بأمراض القلب.
الأبحاث التي قام بها معهد البحوث الزراعية بجامعة ألبرتا. كندا.
عنوان البحث: أهمية الأغذية المحتوية على منتجات الشعير على صحة مرضي السكر
NIDDM)) " النوع الثاني غير الوراثي ".
هدف البحث: تحديد أهمية استخدام منتجات الشعير المحتوية على نسبة عالية من الألياف وتأثيرها على نسبة السكر والدهون في الدم على المدى البعيد.
نتائج البحث: لوحظ أيضًا نقص في الشعور بالجوع عند منتصف النهار ومنتصف الليل عند مرضي السكر خلال فترة الدراسة. ويمكن الاستفادة من هذا في علاج البدانة أو الوزن الزائد لدى مرضى السكر بتنظيم الطاقة والسعرات الحرارية المطلوبة للجسم، دون التعرض للبدانة من خلال غذاء الشعير.
والنتيجة النهائية: من هذا البحث توضح أهمية غذاء الشعير كوسيلة لزيادة كمية الألياف المطلوبة للجسم القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، وبالتالي الاستفادة من القيم الغذائية والفوائد الموضحة سابقًا على المدى البعيد، وهي المتحكم في نسبة السكر في الدم، وضغط الدم، ونسبة الدهون في الدم، ومعنى هذا أن خبز الشعير ومنتجات الشعير مهمة لصحة مرضي السكر. (انتهت الترجمة).
الأبحاث التي قام بها معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية (Food Quality 99)
أظهرت الاختبارات البيولوجية أن الخبز المضاف 20% شعير، 5 % دقيق صويا مع دقيق القمح المدعم بمركز الفيتامينات والحديد؛ يؤدى لنقص معنوي لمستوى الجلوكوز والكوليسترول الكلى والجلسريدات الثلاثية والليبيدات، وكلًا من وظائف الكبد G.OT , G.P.T) ) ووظائف الكلى (Uric Acid & blood urea) بالدم.
ومن فوائد الشعير الأخرى: أنه مقوٍّ عام للأعصاب، ومدر للبول، وملين وملطف ومرطب، ومنشط للكبد، ومكافح للإسهال.
ويوصف الشعير لأمراض الصدر (السل، الرشح المستعصي)، ولأمراض الضعف العام، وبطء النمو (عند الأطفال)، وضعف المعدة والأمعاء، وضعف الكبد، وضعف إفراز الصفراء، كما يوصف لالتهاب الأمعاء، وكذلك أمراض التيفويد والإمساك المزمن، وأمراض التهابات المجاري البولية (التهاب المثانة، التهاب الكلى)، والحميات، وارتفاع ضغط الدم كما أن مغلي الشعير يستعمل (غرغرة).
طريقـة الاستعمـال:
كوب ماء كبير وملعقة كبيرة من التلبينة ثم يقلب جيدًا ثم يوضع على النار حتى يغلى جيدًا، ثم يصفى ويحلى بالسكر، ويفضل أن يحلى بالعسل الأبيض لما فيه من الفضل والشفاء ففي صحيح البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال:" الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي ".
وقدم النبي ﷺ العسل على الحجامة وعلى الكي؛ نظرًا لسرعة هضمه وسريانه في الدم، وكذلك سرعة تأثر الدم به، ويفضل أيضًا لبن البقر لما فيه من الشفاء والفوائد الجمة.
يقول ابن القيم " الطب النبوي": لبن البقر يغزو البدن ويخصبه ويطلق البطن باعتدال، وهو من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضأن ولبن الماعز في الرقة والغلظ والدسم.
وفي السنن من حديث عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ:" عليكم بألبان البقر فإنها تَرُمُّ [تأكل] من كل الشجر ". (ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني)
فهذا يدل على كثرة فوائد لبن البقر خاصة لما دل عليه الحديث الشريف والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
الخل وفوائده الصحية:
ثبت أن النبي ﷺ أكل الخل، ووصفه له بأنه إدام، وأثنى عليه.
- فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال:" نِعْمَ الإِدامُ الخَلُّ ".
وروى مسلم أيضا من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- قال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ، فَقَالَ: مَا مِنْ أُدُمٍ؟ فَقَالُوا: لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ. قَالَ: فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدُمُ. قَالَ جَابِرٌt: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ ﷺ.
- وكان عمر t في عام الرمادة يأكل الزيت والخل.
- وأخرج الترمذي عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنها- قَالَت: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: لَا، إِلَّا كِسَرٌ يَابِسَةٌ وَخَلٌّ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَرِّبِيهِ، فَمَا أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدْمٍ فِيهِ خَلٌّ ." (حسنه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي " الصحيحة " :2220)
قال النووي -رحمه الله-:" وأما معنى الحديث فقال الخطابي والقاضي عياض، معناه الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه.
والخل غذاء ودواء قديم قال عنه ابن القيم -رحمه الله-:" والخل ينفع من المعدة الملتهبة ويقمع الصفراء ويدفع ضرر الأدوية القتالة ويحلل اللبن والدم وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويعين الهضم ويلطف الأغذية الغليظة ويرق الدم.. وإذا تمضمض به مسخناً نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة ". اهـ.
وقال الرازي -رحمه الله-: الخل يلطف الأخلاط الغليظة وييبس البطن ويقطع العطش وهو بارد يطفئ حرق النار أسرع من كل شيء، وهو مولد للرياح منهض لشهوة الطعام معين على الهضم ومضاد للبلغم.
ويقلل الخل من احتمالية الإصابة بتصلب الشرايين أو يقي منها تمامًا، لأنه يحول الزائد من الدهون إلى المركب الأوسط وهو الأسيتوأسيتاتAcetoacetate الذي يدخل في التمثيل الغذائي.
يقول الدكتور محمد نزار الدقر: وقد وصف الخل في الطب الحديث بأنه مرطب ومنعش، ومدر للبول والعرق ومنبه للمعدة وحلل لألياف اللحم والخضراوات الخشنة. كما أنه يعطي كترياق للتسمم بالقلويات. ويطبق ظاهراً كعلاج للثعلبة والقرعة. وقد رأيت فائدته الكبرى في معالجة قمل الرأس وتلاف الصئبان ويطلى به الرأس علاجاً للصلع وقد يضاف إليه النشاء ويطلى الجلد كدواء للحكة. ويغسل به القروح والجروح الجلدية، ويدلك به جلد الصدر والبطن بعد تمديده كمنشط عام، ويمسح به جبين المريض المصاب بالحمى تخفيفاً للصداع. وقد ينشق عن طريق الأنف لإنعاش المريض المصاب بالغشي، ويغرغر به الفم والبلعوم لشد اللثة وقطع نزيفها وتطهير الفم.
وقد أثنى الدكتور جارفيس على خل التفاح فقال: إنه إذا شرب مع الماء كان أحسن علاج للبرد وكان ينصح زبائنه أنة يتناولوا صباح كل يوم على الريق، كأساً من الماء مع ملعقة صغيرة من الخل وأخرى من العسل، وذلك لتطهير جهازهم الهضمي من كل سوء ويحصلوا على عناصر مفيدة ومغذية ومطهرة. وشاهد بنفسه أن أطفال الفلاحين الذين يشربون الماء مع الخل كانت أجسامهم قوية وصحتهم جيدة.
ويقول الدكتور جارفيس أيضًا: والأطباء متفقون على أنة تناول مقدار قليل من الخل مفيد، والإكثار منه مضر ويستثنى من ذلك خل التفاح ويستعمل طبيًا لتحضير الخل العطر النافع من الصداع والدوار والمناعة من الأوبئة وله أهمية في جعل خلايا الجسم بحالة جيدة وفي تعزيز مقاومة الجسم للكثير من الأسواء التي تهدده لأن تركيبه غني بالعناصر التي يحتاج إليها الجسم لتأمين التوازن بين خلاياه وفي طليعتها الفسفور والحديد والكلور والصوديوم والكالسيوم والمنجنيز والسيلكوم والفلور.
ويقول الدكتور جارفيس أيضًا في كتابه "الطب الشعبي":" الخلُّ مطهر للأمعاء من الجراثيم كما أنه مطهر لالتهابات حوض الكلى والمثانة... ويُذكر أن الخل يقضي على الصديد الموجود بالبول ".
(انظر الموسوعة الذهبية ص1004)
التداوي بالحِجـــــامة
فقد كان النبي ﷺ يتداوى بالحجامة
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -:" أن النبي ﷺ احتجم، وأعطى الحجّام أجره "
وعند البخاري أيضًا من حديث أنس t أنه قال:" كان النبي ﷺ يحتجم ولم يكن يظلم أحدًا أجره ".
وأخرج ابن ماجه عن جابر t:" أن رسول الله ﷺ احتجم على وركه من وَثْءٍ ([43]) كان به ".
(صحيح ابن ماجه:907)
وأخرج ابن ماجه أيضًا عن أبى كبشة الأنْمَارِي t: أن النبي ﷺ كان يحتجم على هامته، وبين كتفيه، ويقول: من أهرَاقَ منه هذه الدماء فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء ". (صحيح الجامع: 4926)
بل كان النبي ﷺ يأذن لأهل بيته أن يتداوى بالحجامة.
فقد أخرج الإمام مسلم أن أم سلمة - رضي الله عنها - استأذنت رسول الله ﷺ في الحجامة، فأمر النبي ﷺ أبا طيبة أن يحجمها ".
فكان النبي ﷺ يحتجم ويوصي بالحجامة لأنها خير ما نتداوى به.
فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح من حديث سمرة t أن النبي ﷺ قال:" خير ما تداويتم به الحجامة ". (صحيح الجامع:3323) (الصحيحة: 1053)
وفي لفظ آخر عند أحمد أيضًا:" أن خير ما تداوى به الناس الحَجْمَ " (الصحيحة:1176)
أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة t أن النبي ﷺ قال:" إن أفضل ما تدوايتم به الحجامةُ، أو هو من أمثل دوائكم ".
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث سلمى- رضي الله عنها- امرأة أبى رافع خادم رسول الله ﷺ قالت:" ما كان أحدٌ يشتكي إلى رسول الله وجعًا في رأسه إلا قال: "احتجم"، ولا وجعًا في رجليه إلا قال:" اخضبهما ". (صحيح الترغيب والترهيب:3461)
وأخرج البخاري من حديث أنس t أنه سئل عن أجر الحجام فقال:" احتجم رسول الله ﷺ ، حجمه أبو طَيْبة وأعطاه صاعين من طعام، وكلَّم مواليه فخفَّفُوا عنه، وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة، والقسط([44]) البحري ". وقال:" لا تعذبوا صبيانكم بالغمز([45]) من العُذرةِ ".
وفي رواية أخرى عند أحمد بسند صحيح عن أنسt أن النبي ﷺ قال:" خير ما تداويتم به الحجامة والقُسْط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العُذرة ". (صحيح الجامع:3324) (السلسلة الصحيحة:1054)
وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرةt قال: قال رسول الله ﷺ :" إن كان شيء مما تداويتم به خير فالحجامة ". (صحيح أبو داود:1850) (صحيح ابن ماجه:2800)
وأخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي ﷺ قال:" الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكَيَّة بنار، وأنهى أمتي عن الكي ".
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في" الفتح :10/170":
ولم يُرد النبي ﷺ الحصر في ثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج، وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية.
وشفاء الدموية بإخراج الدم، وإما الامتلاء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل، أما الكي فإنه يقع آخرًا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات.
وفي حديث آخر عند البخاري ومسلم عن جابر t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:" إن كان في شيء من أدويتكم – أو يكون في شيء من أدويتكم – خير ففي شرطة مِحجم أو شربة عسل، أو لَذْعةٍ بنارٍ، وما أحب أن أكتوى ".
وبهذا يُعلم أن الحجامة خير ما يتداوى بها الإنسان، بل وصل من فضلها وعظيم قدرها أن الملائكة كانت توصي بها النبي ﷺ أن يأمر أمته بها وذلك في رحلة المعراج.
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن ابن مسعودٍ t قال:" حدَّث رسول الله ﷺ عن ليلة أسري به أنه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا أمروه: أن مُرْ أمتك بالحجامة ". (صحيح ابن ماجه: 2802)
- وفي رواية:" ما مررتُ ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا: يا محمد مُرْ أمتك بالحجامة ".
(صحيح الجامع:5671)
- وفي رواية:" ما مررتُ ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلُّهم يقول لي: عليك يا محمد بالحجامة"
(صحيح الجامع: 5672) (صحيح الترغيب والترهيب:3463)
تنبيـه:
الحجامة تكون يوم الاثنين أو الثلاثاء أو الخميس، ويستحب كذلك أن تكون في اليوم السابع عشر أو التاسع عشر أو إحدى وعشرين.
وأخرج الترمذي والحاكم بسند صحيح عن أنسٍ t قال:" كان رسول الله ﷺ يحتجم في الأخدعين ([46]) والكاهل([47])، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين ".(صحيح الجامع:4927)
وعند أحمد والحاكم بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال:" إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة، وتسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين، وما مررتُ بملأٍ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد ".
(صحيح الجامع:3332) (الصحيحة:1847) (صحيح الترغيب والترهيب:2019-3463)
- وفي رواية:" إن رسول الله ﷺ حيث عرج به ما مر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: عليك بالحجامة، وقال: إن خير ما تحتجمون فيه يومٍ سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين ".
(صحيح الترغيب والترهيب:2015)
- وأخرج أبو داود والحاكم عن أبى هريرة t أن النبي ﷺ قال:" من احتجم لسبع عشرة من الشهر، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، كان له شفاءً من كل داءٍ ". (صحيح الجامع:5968) (الصحيحة:622)
- وأخرج ابن ماجه والحاكم بسند صحيح عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال:" الحجامة على الريق أمثل، وهي تزيد في العقل، وتزيد في الحفظ، وتزيد الحافظ حفظًا فمن كان محتجمًا فيوم الخميس على اسم الله، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، فإنه اليوم الذي أصيبَ فيه أيوب بالبلاء، وما يبدو جذامٌ ولا برصٌ إلا في يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء ". (صحيح ابن ماجه: 2810)
وفي رواية أخرى قال ﷺ:" الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، فإنه اليوم الذي أصيبت فيه أيوب، وما يبدو جذامٌ ولا برصٌ إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء ".
(صحيح الجامع:3169) (صحيح ابن ماجه:2810)
العـلاج بمـاء زمــزم
- أخرج الترمذي بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة-رضي الله عنها-:" أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله ﷺ كان يحمل ماء زمزم في الأوادي والقِرب، وكان يصب على المرضي ويسقيهم ". (السلسلة الصحيحة:883)
- وأخرج الإمام مسلم أن النبي ﷺ قال في ماء زمزم: " إنها مباركة إنها طعامُ طَعمٍ [وشفاء سقمٍ] "
وما بين المعكوفتين عند البزار والبيهقي والطبراني بسند صحيح.
- وأخرج ابن حبان والطبراني في الكبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:
" خيرُ ماءٍ على وجه الأرض ماءُ زمزم، فيه طعامٌ من الطُّعْمِ، وشفاءٌ من السُّقْمِ ". (صحيح الجامع:3322) (الصحيحة:1056)
- وفي لفظ آخر عند البزار عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال:" زمزم طعامُ طعمٍ وشفاء سقمٍ ".
(صحيح الجامع:3572)
فإذا شربت ماء زمزم تستشفي به شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمأك قطعه الله، وإن شربته مستعيذًا أعاذك الله.
- لذا جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الدارقطني بسند حسن أن النبي ﷺ قال: " ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله، وإن شربته يقطع ظمأك قطعه الله، وهي هَزَمَةُ جبرائيل u وسقيا الله إسماعيل u ".
- لذا كان ابن عباس – رضي الله عنهما – إذا شرب زمزم قال:" اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء ". (أخرجه الحاكم)
- يقول عباد بن عبد الله بن الزبير:" لما حج معاوية حججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: انزع لي منها دلوًا يا غلام، قال: فنزع له دلوًا، فأتى به فشرب، وصب على رأسه ووجهه وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له ".
(قال الحافظ ابن حجر: اسناده حسن مع كونه موقفا)
يقول ابن القيم -رحمه الله - كما في" زاد المعاد :4/393": وقد جربت أنا وغيري في الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله.
وقــفـــة:
جاء في كتاب العائدون إلى الله لمحمد بن عبد العزيز المسند ص 93-97 قصة ملخصها:
أن امرأة مغربية تدعى " ليلى الحلو " أصيبت بالسرطان، وفي وقت كانت فيه غافلة عن الله تعالى، فكرت في الهروب لكن إلى أين؟ فالمرض معها أينما ذهبت، فكرت في الانتحار لكنها لم تقدم على ذلك، ليس خوفًا من الله لكن ألمًا على فراق الزوج والأولاد، ووصلت إلى بلجيكا مع الزوج طلبًا للعلاج، ولكن الأطباء قالوا للزوج: لابد من إزالة الثدي واستعمال الكيماوي، وسيؤدي ذلك إلى سقوط شعر الرأس والرموش والحاجبين ويسقط الأظافر والأسنان، فرفضت ليلى العلاج ورجعت إلى بلدها المغرب، وبعد ستة أشهر ازدادت الآلام ونقص الوزن وتغير اللون، ونصح الأطباء زوجها بالذهاب إلى بلجيكا مرة أخرى، ففعل، وكانت هناك المفاجأة!! حيث أخبره الأطباء أن الورم انتشر حتى وصل إلى الرئتين، ونصحه الأطباء أن يأخذ زوجته ويرجع إلى بلده حتى تموت هناك، لكن بدلًا من الذهاب إلى بلد المغرب ذهب إلى فرنسا لاستئصال الثدي واستخدام الكيماوي بعدما كان هناك رفض شديد لهذا، لكن لم يفلح الزوج في إدخال زوجته المستشفى، وهنا انقطعت السبل وفشلت الحيل، لكن قد يبتلى العبد ببلاء هو عن عافيته، حيث انقطع الرجاء في الخلق فلم يبق إلا الإقبال على الخالق وحده فيقبل العبد على الله تعالى بالتوبة والأوبة. وهذا ما كان من الزوجين حيث قرر الزوج الذهاب إلى بيت الله الحرام.
تقول الزوجة: خرجنا من باريس ونحن نهلِّل ونكبِّر، وفرحت كثيرًا لأنني لأول مرة سأدخل بيت الله الحرام وأرى الكعبة "، فلما دخلت ورأت الكعبة بكت بكاءً شديدًا وقالت: يا رب لقد استعصى علاجي على الأطباء، وأنت منك الداء ومنك الدواء، وقد أغلقت في وجهي جميع الأبواب وليس لي إلا بابك فلا تغلقه في وجهي، ثم طافت حول البيت وهي تسأل الله كثيرًا، وطلبت من زوجها أن يسمح لها بالبقاء في الحرم وعدم الرجوع إلى الفندق، فقد شعرت براحة عجيبة ولذة حرمت منها كثيرًا فأذن لها الزوج.
فجلست تذكر الله وتدعوه وهي تبكي، وكان بجوارها بعض الأخوات المصريات والتركيات فلما سألوها عن سبب بكائها؟ أخبرتهم عن سبب ذلك أنها كانت في غفلة عن الله، والحمد لله أن رجعت إليه قبل أن يقبضها وهي عاصية ثم أخبرتهم بمرضها.
فأشارت إليها الأخوات أن تشرب من ماء زمزم كثيرًا وتتضلع منه، فالنبي ﷺ أخبر وهو الصادق فقال:
" ماء زمزم لما شرب له " وأشرن عليها أنك إن شربتيه بنية الشفاء شفاك الله، فأخبرتهن:" أن هناك كويرات وأورام بدأت تنتشر في جسدي وهذه علامة على انتشار المرض "، لكن أخذت بنصيحتهن وشربت وتضلعت وغسلت جسدها وفعلت هذا مرارًا وتكرارًا وهنا حدث أمرٌ عجيب.
حيث ذهبت كل الكويرات وذهب الورم ولم تشعر بألم، فاندهشت في أول الأمر فأدخلت يدها في قميصها فلم تجد تلك الأورام فارتعشت، ولكن تذكرت أن الله على كل شيء قدير.
تقول الزوجة: فطلبت من إحدى رفيقاتي أن تلمس جسدي وأن تبحث عن هذه الكويرات، فصحن كلهن دون شعور: الله أكبر الله أكبر.
فانطلقت لأخبر زوجي ودخلت الفندق، فلما وقفت أمامه صرخت وقلت: انظر رحمة الله، وأخبرته بما حدث، فلم يصدق ذلك وأخذ يبكي ويصيح بصوت عالٍ، ويقول: لقد أقسم لي الأطباء أنك ستموتين بعد ثلاثة أسابيع فقط.
قالت: إن الآجال بيد الله تعالى ولا يعلم الغيب إلا الله، ومكثت هذه الزوجة في بيت الله أسبوعًا كاملًا، ثم زارت المسجد النبوي مع زوجها، ورجعا إلى فرنسا وهناك حار الأطباء وصاروا يسألونها أنت فلانة؟ فقالت: نعم.
فالوا: إن حالتك غريبة وإن الأورام قد زالت، فلابد من إعادة الفحص، فأعادوا الفحص مرة ثانية وثالثة ورابعة فلم يجدوا شيئًا، ثم قالت: وبعد ذلك كنت أبحث عن سيرة النبي ﷺ وعن سيرة أصحابه – رضي الله عنهم – وأبكي كثيرًا، كنت أبكي ندمًا على ما فاتني من حب الله ورسوله ﷺ وعلى تلك الأيام التي قضيتها بعيدة عن الله U. وأسأل الله أن يقبلني وأن يتوب علىّ وعلى زوجي وعلى جميع المسلمين. اهـ.
التداوي مـن الحُمَّـى
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قال:" الحُمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء ".
وعند البخاري ومسلم عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:" إن الحمى فور من فور جهنم، فأبردوها بالماء ".
وعند الترمذي بسند صحيح عن رافع بن خديج عن النبي ﷺ قال:" الحمّى فورٌ من النار، فأبردوها بالماء ".
وعند البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ:" إن الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها عنكم بماء زمزم ".
وعند البخاري أيضًا عن أسماء بنت أبى بكر- رضي الله عنهما-: " أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول: إن رسول الله ﷺ قال: أبردوها بالماء وإنها من فيح جهنم ".
والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنبعث منه وسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، ومنها ما يسخن البدن كله، وقد أمرنا رسولنا الكريم ﷺ بإبرادها بالماء.
والطب الحديث يأمرنا بكمّادات الماء البارد وأنها أسرع وأفضل الطرق لمعالجة الحمى (ارتفاع درجة الحرارة) وتوضع تلك الكمادات على الجبهة والأطراف، ويُنصح أيضًا في هذه الحالات بتناول كميات كبيرة من السوائل الباردة عن طريق الفم.
التداوي بالحـِـنـَّــــاء
أخرج الترمذي عن علىٍّ بن عبيد الله t عن جدته سلمى-رضي الله عنها- وكانت تخدم النبي ﷺ قالت: " ما كان يكون برسول الله ﷺ قرْحةٌ ولا نكبةٌ إلا أمرني رسول الله ﷺ أن أضع عليها الحناء ".
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث سلمى- رضي الله عنها- امرأة أبى رافع خادم رسول الله ﷺ قالت:" ما كان أحدٌ يشتكي إلى رسول الله وجعًا في رأسه إلا قال: "احتجم"، ولا وجعًا في رجليه إلا قال:" اخضبهما ". (صحيح الترغيب والترهيب:3461)
وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح عن سلمة t قال:" كان رسول الله ﷺ لا يصيبه قرحةٌ ولا شوكة إلا وضع عليها الحنّاء ".
ملحـوظة:
خضب اليدين والرجلين بالنسبة للرجال لا يجوز إلا للضرورة كالتداوي
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبى هريرة t قال:" أتى النبي ﷺ بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي ﷺ: ما بال هذا؟ فقيل: يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى البقيع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال:" إني نهيت عن قتل المصلين ".
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في" فتح الباري :10/376":
وأما خضب اليدين والرجلين، فلا يجوز للرجال إلا في التداوي. اهـ.
التداوي بالإثـمد (الكـُحـل)
الإثمد: هو الكحل الأسود، وقيل: الأصفهاني، إذ يؤتى به من أصفهان، يُكتحَل به فيؤدى إلى نفع العين بتقوية أعصابها، وتنقية أوساخها ويذهب القروح ويدملها.
وقد قيل: إن الإثمد ينبت الهدب، ويحسن العيون، ويحبب إلى القلوب.
فقد أخرج الإمام وأحمد وأبو داود والترمذي أن النبي ﷺ قال:" البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر".
وأخرج أبو داود والحاكم في مستدركه أن النبي ﷺ قال:" عليكم بالثياب البياض يلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم، وعليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر ".
وفي رواية أخرى عند الطبراني وابن ماجه:" خير ثيابكم البياض، فكفنوا فيها موتاكم وألبسوها أحياءكم، وخير أكحالكم الإثمد، ينبت الشعر، ويجلو البصر ". (صحيح الجامع:3305)
وأخرج ابن ماجه والحاكم في مستدركه أن النبي ﷺ قال:" عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر ". (صحيح الجامع: 4054)
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال:" اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصرَ، وينبت الشعر ". (صحيح الترغيب والترهيب:2104)
وعند النسائي وابن حبان بلفظ:" إن خير أكحالكم الإثمد، أنه يجلو البصر، ويُنْبت الشعر ".
(المصدر السابق)
وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط من حديث عليٍّ t قال: قال رسول الله ﷺ:" عليكم بالإثمد، فإنه منبتةٌ للشَّعر، مذهبةٌ للقَذَى، مصفاةٌ للبصر ". (صحيح الجامع:4055) (صحيح الترغيب والترهيب:2106)
ملحـوظة:
جاء في مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر t قال:
" كان رسول الله ﷺ إذا اكتحل اكتحل وترًا ([48])، وإذا استجمر استجمر وترًا ".
التداوي مـن القـرح والجـروح
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها -:" أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قُرحةٌ أو جُرحٌ، قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا - ووضع سفيان ابن عيينة الراوي سبّابته بالأرض، ثم رفعها - وقال: " بسم الله تربة أرضنا بريقه بعضنا يُشْفَى سقيمنا بإذن ربنا ".
قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا: جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة خاصة لبركتها.. والريقة أقل من الريق..
ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح.
(انظر شرح الترمذي على صحيح مسلم:14/184، وفتح الباري:10/208، وزاد المعاد:4/186).
ويكون التداوي أيضًا بالرقية:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك t قال:" رخَّص رسول الله ﷺ في الرقية من العين والحُمَّة والنّملة ".
- النملة: قروح تخرج من الجنبين، وهو داء معروف، وسمي نملة؛ لأن صاحبها يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضّه. (الطب النبوي لابن القيم صـ249، النهاية لابن الأثير)
وأخرج أبو داود والحاكم وابن أبى شيبة عن الشفاء ابنة عبد الله قالت:" دخل علينا رسول الله ﷺ وأنا قاعدة عند حفصة بنت عمر، فقال لي: ما تمنعك أن تعلمي هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ".
(صححه الألباني في سنن أبى داود)
التداوي مـن لدغة الحيّة والعقـرب
والتداوي من ذات السموم عن طريق الرقية الشرعية:
فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصينt عن النبي ﷺ قال:
" لا رقية إلا من عينٍ أو حمةٍ ". (صححه الألباني في صحيح الترمذي)
الحُمَّة: كل لدغة فيها سم من ذوات السموم، كلدغة الحية والعقرب وغيرهما.
ملحـوظة:
لم يرد بالحديث نفي الرقية في غيرها، بل المراد لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمة.
(أفاده ابن القيم – رحمه الله – كما في الطب النبوي ص119)
وأخرج البخاري عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: " سألت عائشة - رضي الله عنها- عن الرقية من الحُمَّة قالت: رخّص النبي ﷺ الرقية من كل ذي حمةٍ ".
وأخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- قال:" أرخص النبي ﷺ في رقية الحية لبنى عمرو، ثم قال: لدغت رجلًا منا عقربٌ ونحن جلوسٌ مع رسول الله ﷺ، فقال رجل: يا رسول الله أرْقى؟ قال ﷺ: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ".
· ولعلاج اللسعة واللدغة:
تقرأ فاتحة الكتاب مع جمع البزاق وتفله على اللدغة أو اللسعة.
فقد أخرج البخاري عن أبى سعيد الخدري t:" أن ناسًا من أصحاب النبي ﷺ أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ ([49])سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا([50])، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن([51]) ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي ﷺ فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم ". - وفي رواية الترمذي: " أنه قرأ الفاتحة سبع مرات ".
يمسح على مكان اللدغة واللسعة بماءٍ وملح، مع قراءة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، والمعوذتين.
كما ذكر هذا عند الطبراني في المعجم الصغير بسند حسن.
الرقية الوقائية من العقرب والحية:
أخرج أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن أبى هريرة t قال:" لدغت عقربٌ رجلًا فلم ينم ليلته فقيل للنبي ﷺ: إن فلانًا لدغته عقربٌ فلم ينم ليلته، فقال ﷺ: أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، ما ضرّه لدغ عقربٍ حتى يصبح ". (حسن الألباني في صحيح سنن أبي داود)
وأخرج الإمام مسلم عن خولة بنت حكيم السّلميّة-رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
" من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ".
التــداوي بالصــبــر
أخرج الإمام مسلم وغيره عن عثمان بن عفانt :" أن النبي ﷺ قال لرجل يشتكي عينيه وهو مُحْرم: ضمدها([52]) بالصبر ".
ـ الصبر: نبت مر، يحصد ويعصر، ويترك حتى يجف، وأجود ما يجلب من ساحل اليمن، يدفع ضرر الأدوية إذا خلط معها، وينفع في ورم الجفن ويفتح سدد الكبد، وينفع في الصداع إذا طلي على الجبهة والصداغ ومعه دهن الورد، ويستخرج من أوراق بعض أنواعه مادة جلوكوسيد يطلق عليها اسم صبارين، وهي تستعمل طبيًا كمسهل إذ تدخل في تركيب معظم الحبوب المسهلة.
التداوي مـن عـرق النَّسَـا
وعرق النَّسا هو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ ويقال: العصب الوركي، ويحدث نتيجة للفتق، أو الانفصال الغضروفي في العمود الفقري، أو الالتهاب الروماتيزمي للمفصل
أعــراضه: وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ.
وقد أمر النبي ﷺ من أصيب بهذا المرض بألية الشاة الأعرابية؛ لأن مرعاها أعشاب برية حارة كالشيح والقيصوم وغيرها مما تتغذى عليه الحيوانات.
1- أخرج الحاكم في المستدرك أن النبي ﷺ قال:" في عرق النَّسا يأخذ ألية كبشٍ عربيٍ ليست بأعظمها ولا أصغرها، فيتعطقها صغارًا، ثم يذيبها فيجيد إذابتها ويجعلها ثلاثة أجزاء، فيشرب كل يوم جزءًا على ريق النفس ".
قال أنس بن سيرين – رحمه الله -: فلقد أمرت بذلك ناسًا – ذكر عددًا كثيرًا – كلهم يبرأ بإذن الله
2- وأخرج ابن ماجه عن أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:" شفاء عرق النسا ألْيَةُ شاةٍ أعرابية، تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزءٌ ". (صحيح ابن ماجه: 2788)
3- وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أنس بن مالك t عن رسول الله ﷺ:" أنه كان يصف للذي به عرق النَّسا أن يأخذ ألْيَةَ شاةٍ أعرابية تذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء ".
التـــــداوي بالأتـــــرج
الأترج: شجر ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار وكالبرتقال، وهو ذهبي اللون، وهو يجمع بين طيب الرائحة والطعم.
كما قال عنه النبي ﷺ في صحيح البخاري ومسلم:" مثل المؤمن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ".
فرائحة الأترج تصلح الوباء وفساد الهواء، وقشره يعمل منه معجون الأترج، الذي ينفع القولنج ويقوى الشهوة. أما الثمرة فيعمل منها شراب الحماض الذي ينفع المعدة الحارة، ويقوى القلب ويفرحه، ويشهي الطعام ويسكن العطش، ويقطع الإسهال، والخفقان ويزيل الغم، وأما الحمض فيزيل الكلف من الوجه وينفع العصب والصدر.
الحـميـة من الجــــذام
الجذام: هو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فتفسد مزاج الأعضاء، وربما أفسد في آخر إيصالها حتى يتآكل، وسمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها.
والوقاية والحمية من هذا المرض هو عدم الاقتراب من المجذوم والفرار منه.
فقد أخرج البخاري أن النبي ﷺ قال:" لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفِر من المجذوم كما تفر من الأسد ".
وعند البخاري من حديث أبى هريرة t أن النبي ﷺ قال:" لا توردوا الممرض على المصح ".
الحمية من الأمراض والوقاية منها:
وذلك عن طريق تغطية الأواني، وعدم تركها مكشوفة.
فقد قال النبي ﷺ كما في صحيح مسلم:" غطوا الإناء وأوكئوا السِّقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء لم يغط، ولم يُوكأ، إلا وقع فيه من ذلك الوباء ".
التداوي بالقسط البحري (العود الهندي- أو عود القسط Costus)
أخرج البخاري ومسلم عن أم قيسٍ بنت محصنٍ -رضي الله عنهما- قالت:" دخلتُ بابن لي على رسول الله ﷺ، وقد أعلقت عنه من العُذْرَةِ، فقال: علام تَدْغَرْن ([53]) أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفيهٍ، يستعط به من العُذْرَةِ، ويُلَدُّ به من ذات الجنب ". (صحيح الجامع:4082)
وفي الصحيحين أيضًا أن رسول الله ﷺ قال:" إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ".
وعند أحمد من حديث أنسt قال: قال رسول الله ﷺ :" خير ما تداويتم به الحجامة والقُسْط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز([54]) من العُذرة ". (صحيح الجامع:3324) (السلسلة الصحيحة:1054)
- والقسط البحري هو العود الهندي: وهو من الأعشاب يؤتى به من بلاد الهند، وهو خشب طيب الرائحة، قابض فيه مرارة يسيرة، وقشره كأنه جلد مَوَشَّى ([55]).
ولا شك أن هذه الكلمة الجامعة والحكمة المختصرة في هذا الحديث تعني مثالية القسط البحري كدواء لكل داء بدون الأضرار الكيميائية والآثار الجانبية. ويحتوي القسط البحري على مادة الهيلينين وحمض البنزوات، وكلاهما من المواد القاتلة للجراثيم ويحتوي أيضًا على الكثير من المواد الفعالة الأخرى. ولذا يفضل عدم تحليته بالسكر لاستخدام الكلور في تبييض السكر.
والقسط البحري (العود الهندي) له فوائد جمة منها: أنه يستعمل كمقوٍّ ومنبه وينفع في حالة حمى الدّور، وكذا في حالة ضعف الكبد والمعدة، فهو يحبس البطن ويقوى الأعضاء الباطنة، ويطرد الريح، ويفتح السّدد، ويذهب فضل الرطوبة، ويستعمل بعد دقه وجعله ناعمًا على هيئة سعوط يفتح سدد الأنف، ويساعد على الإفرازات المتراكمة في الجيوب الأنفية، وإذا طلي به الوجه بعد عجنه بالعسل أقلع الكلف.
وقد أمر النبي ﷺ باستخدامه لعلاج " ذات الجنب ": وهو ورم جار يعرض في الغشاء المستبطن في الأضلاع. وقيل: هو التهاب غلاف الرئة، فيحدث منه سعال وحمى، ونخس في الجنب يزداد عند التنفس
وتعالج به " العُذْرَةُ ": وهي دم يهيج في حلق الإنسان يسبب الوجع، وتتأذى منه اللحمتان اللتان يسمها الأطباء " اللوزتين " في أعلى الحلق، وقيل: هي قرحة تخرج بين الأنف والحلق، والنساء تسميها نبات الأذن، يعالجنها بالأصابع لترتفع إلى مكانها. وقد مر بنا في الحديث الذي أخرجه البخاري أن الحبيب النبي ﷺ قال:" إنّ أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال:" لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط ".
طـرق الاسـتـعـمــال:
من مجموع الأحاديث التي ذكرناها والأحاديث الأخرى، قال صاحب فتح الباري:" إن السبعة أشفيه هي سبعة أصول، صفة التداوي بها إما شرب أو لدود أو سعوط أو طلاء أو تبخير أو تكميد أو تنطيل ".
1- الشرب: وذلك بطحنه وخلطه مع الماء والشرب منه على قدر المستطاع، وهذا لكافة الأمراض كأصل مشترك هو واللدود مع الأصول الأخرى، ونذكر هنا ما ذكر من إذابته للجلطة وفائدته للإخصاب ومشاكل الطمث ولإدرار البول وأمراض الكلى والكبد وسائر أعضاء الجهاز الهضمي ولسرطان الفم والكوليرا وللرعشة ولاسترخاء الأعصاب وعرق النسا ولتليين الطباع، وجيد للدماغ ومحرك للشهوة ومنشط للجسم وللاستسقاء وقتل ديدان الأمعاء ودفع السم، وللحمى وتقوية المعدة وللأورام ولتقوية جهاز المناعة ولمعالجة نقص المناعة المكتسبة وللنفساء ولمعالجة الإمساك والإسهال وفاتح للشهية ولإبطال السحر.
2- اللدود: وهو وضع جزء مطحون منه أو شربه من أحد شقي الفم، وهذا لأمراض الجنب كالتهاب الغشاء البلوري وأمراض الرئة عامة.
3- السعوط: وهو استنشاق جزء مطحون منه عن طريق الأنف (يستعطى)، وهذا لأمراض الجهاز التنفسي عامة كالربو والسل ونزلات البرد والتهاب اللوز (العذرة) والتهاب الحلق والبلعوم وللسعال والحمى.
4- الطلاء (الدهان): ويحول القسط البحري إلى دهان كالآتي:
تقطع عيدان القسط البحري قطع صغيرة ثم توضع في زيت زيتون فلسسطيني لمدة 15 يومًا ثم يرفع منه ويترك ليجف لمدة بسيطة، ثم يعصر لاستخراج الزيت، وسيكون محملًا بخلاصة محتوياته وفوائده، حتى الزيت الذي نقع فيه لا يخلو أيضًا من فوائد القسط البحري. ويتم دهن المكان المصاب بعد ذلك كأماكن الروماتيزم وآلام الظهر والمفاصل وللثعلبة والأكزيما وسائر الأمراض الجلدية.
5- التبخير: ذكر الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن عدم حداد المرأة فوق ثلاث إلا على زوجها. قول رسول الله ﷺ:" لا تمس طيبًا إلا أدنى طهرها إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار". فبخور القسط البحري ذو رائحة هادئة طيبة ومطهرة ومعطرة للبدن أيضًا، لذا سماه الرسول ﷺ:" طيبًا "، ولا مانع أن يتبخر به الرجال والأطفال أيضًا ما دام من صنف الطيب، وقد وردت أحاديث أخرى تفيد ذلك.
6- التكميد: وهو طحنه وخلط قدر مطحون منه مع قليل من الماء والعسل (لبخة)، ثم وضعه على أماكن الحروق والجروح والبثور والدمامل وذلك ككماد، ويوضع أيضًا على أماكن الكلف فيزيله بإذن الله.
7- التنطيل: والتنطيل جاء من " النطل " وهو رش أو غسل الجسم بالماء، وإن كان هذا الماء مشوب بالقسط فإنه سيكون مفيدًا لقتل الجراثيم والبكتيريا العالقة بجسم الإنسان، وخاصة أماكن الإبطين وبين الفخذين وفروة الرأس وسائر البدن، وكذلك يستخدم كمطهر بصفة عامة.
العـــلاج بالسَّعُــوط
والسعوط: ما يجعل في الأنف مما يتداوى به.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-:" أن النبي ﷺ احتجم وأعطى الحجام أجره، واستعط ".
ـ أستعط: أي استعمل السعوط وهو أن يستلقي على ظهره، ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه، ويقطر في أنفه ماء أو دهنًا فيه دواء مفرد أو مركب؛ ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس.
وجـاء فـي فضل التـداوي بالسَّعـوط
ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال:" إن خير ما تداويتم به السّعوط ". (ضعيف، ضعفه الألباني في المشكاة)
وفي رواية أخرى عند الترمذي بسند صحيح:" إن خير ما تداويتم به السّعوط واللّدود والحجامة والمشي"
التداوي بالعجـوة والكـمـأة
أولًا: العــلاج بالعجــوة:
العجوة نوع من تمر المدينة يضرب إلى سواد، ويعمل على تقوية العضلات المعوية، ومهدئ للأعصاب، وملين للطبع، وأكله على الريق يقتل الدود في البطن، ومنقوعه مدر للبول، وكذا التمر مقو للكبد.
- وفي صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال:
" إن في عجوة([56]) العالية([57]) شفاء، أو انها ترياق([58])، أول البكرة([59]) ".
· وتنفع العجوة كذلك لمن أصيب بالسم أو السحر.
- وأخرج الإمام مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سمٌ حتى يمسي ".
- وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص t قال: قال رسول الله ﷺ:" من تصبَّح بسبعِ تمراتٍ عجوة لم يضرُّه في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌّ - وفي رواية عند الإمام أحمد:" من أكل سبع تمرات عجوة مما بين لابتي المدينة على الريق، لم يضره يومه ذلك شيءٌ حتى يمسي، وأظنه قال:" وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح ".
- وأخرج أبو داود عن سعد بن أبي وقاص t قال: مرضتُ مرضًا، أتاني رسول الله ﷺ يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال:" إنك رجل مفؤود([60])، ائت الحارث بن كَلَدَة أخا ثقيف، فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فَلْيَجَأهن بنواهن، ثم ليَلُدَّك بهن ".
- وكانت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- تأمر من الدُّوام أو الدُّوار([61]) بسبع تمرات عجوة في سبع غدواتٍ على الطريق ".
وأخرج الإمام أحمد من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال:" في عجوة العالية أوَّل البُكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سُمٍّ ". (الصحيحة:2000)
تنبيه: خير التمر هو البرْنِيِّ.
فقد أخرج البيهقي في الشعب عن بريدة بن الحصيب أن النبي ﷺ قال: " خير تمراتكم البرنِي، يخرج الداء ولا داء فيه ". (الصحيحة: 1844)
قال الإمام النووي - رحمه الله -: في هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها.
ثانيًا: العــلاج بالكمـأة:
- وأخرج النسائي وأبو داود من حديث سعيد بن زيد t قال: قال رسول الله ﷺ:" الكمأة ([62]) من المنّ([63])، وماؤها شفاءٌ للعين([64])، والعجوة من الجنة ".
وعند الإمام أحمد بلفظ: "واعلموا أن الكمأة دواء العين، وأن العجوة من فاكهة الجنة ".
وأخرجه الترمذي بسند صحيح من حديث أبى هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ :" العجوة من الجَنَّة، وفيها شفاءٌ من السُّم، والكمأة من المنِّ، وماؤها شفاءٌ للعين ". (صحيح الجامع:4126)
قال الإمام النووي -رحمه الله -:
وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عمى وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا، فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادًا في الحديث وتبركًا به..... والله أعلم
العـــلاج بالسّنــا
ـ السَّنا والسنوت: قيل السّنا: نبات معروف من الأدوية له حمل إذا يبس وحركته الريح سمعت له زجلًا، الواحدة سناة، وقيل: هوائيات كأنه الحناء حبه مفرطح. وقيل السَّنُوت: العسل، وقال ابن أبى عبلة: السَّنُوت: الشبت. وقال آخرون: بل هو العسل الذي يكون في رقاق السمن.
والشبت: نبات كالشمرة يقال له رز الدجاج. والسنا شفاء من داء إلا الموت.
وأخرج ابن ماجه بسند صحيح عن إبراهيم بن أبى عبلة t قال:" سمعت أبا أُبَىّ بن أمّ حَرَام t يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: عليكم بالسّنا والسّنوت، فإن فيهما شفاءً من كل داء إلا السّام. قيل: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت ". (صحيح ابن ماجه: 27840)
ملحوظة:
هذا النبات مأمون الغائلة ويزرع في مكة المكرمة وبعض الأماكن الأخرى، وأفضله الذي يزرع بمكة المكرمة؛ ولذلك اختاره الأطباء قديمًا وحديثًا ويسمى " سنامكي " ويحضر منه الأدوية الحديثة مثل: Pursenid حبوب وشراب، Sennakot وغيرهما.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن أم حرام قال: قال رسول الله ﷺ:" عليكم بالسَّنا والسَّنُوت، فإن فيهما شفاء من كل داء، إلا السام، وهو الموت ". (صحيح الجامع:4067)
وفي رواية أخرى عند الحاكم أيضًا من حديث أسماء -رضي الله عنها-:" أن رسول الله ﷺ دخل عليها ذات يوم وعندها شبرم تدقه فقال: ما تصنعين بهذا؟ فقالت: يشربه فلان، فقال: لو أن شيئًا ينفع من الموت نفع السَّنا ". (قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد من حديث البصريين عن أسماء)
وفي لفظ آخر عند الحاكم أيضًا من حديث أسماء بنت عميسٍ -رضي الله عنها- قالت:" قال لي رسول الله ﷺ:" بماذا كنت تستشفين؟ قالت: بالشبرم، قال:" حارٌّ حارّ ٌ"، [قالت:] ثم استشفيتُ بالسّنا، قال:" لو كان شيء يشفي من الموت كان السّنا، أو السّنا شفاءٌ من الموت ".
وفي رواية عند الترمذي بسند فيها مقال:" لو أن شيئًا كان فيه شفاءٌ من الموت لكان في السّنا ".
ـ الشُّبرم: حب يشبه الحمص يطبخ ويُشرب ماؤه للتداوى، وقيل: إنه نوع من الشيح.
وأخرج الحاكم أيضًا والإمام أحمد والترمذي بسند فيه مقال عن أسماء- رضي الله عنها- عن النبي ﷺ قال:" لو أن شيئًا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا ". (ضعيف الجامع:4807)
وأخرج النسائي في السنن الكبرى بسند صحيح عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ:" ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام: السَّنا والسنوت ". (صحيح الجامع:3034)
قال الإمام المناوي - رحمه الله - في شرحه لحديث أنسt : السنا نبت معروف شريف مأمون الغائلة قريب الاعتدال يسهل الصفراء والسوداء ويقوى القلب، وقال: وخاصيته النفع من الوسواس السودوي ومن شقائق الأطراف وتشنج العضو وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والحكة، وإذا طبخ في زيت وشرب نفع من أوجاع الظهر والوركين وهو يكون بمكة كثيرًا وأفضله ما يكون هناك.
وقال عند شرحه لحديث عبد الله بن أم حرام: " منافعه لا تحصى ".
وقال الدكتور/ محمد الباز في كتابه الاستشفاء بالسنا والسنوت كلامًا طويلًا:
نختصر منه بعض هذه الفوائد:
- يذهب البواسير. - ينقى الدماغ من الصداع.
- يفيد في حالات النقرس. - يفيد في حالات الصرع.
- يفيد في حالات عرق النَّسا. - يفيد في حالات وجع المفاصل.
- طارد للبلغم. - يستخدم لعلاج البرد والتهاب الحلق والربو.
- يغوص في عمق المفاصل. - علاج مهمٌ للإمساك.
- يستعمل على شكل غرغرة لأمراض الحلق.
- يمنع سقوط الشعر ويطوِّله ويسوِّده.
وقال أيضًا: لا يؤثر على الجنين ولا المرضع – وياللعجب حين ذكر – أن السنا مضاد للفيروسات فهذه لا مثيل لها إلا نادرًا، وذكر أيضًا: أنه مضاد لنمو الفطريات وكذا الميكروبات، وكما تقول الموسوعة الصيدلانية Martinhile، فإن الأم المرضع تستطيع استعماله لأنه لا يفرز في لبنها من خلال الثدي، ويستخدم السنا في الهند كمحلول مائي مركز لتنقية الدم.
طريقـــة استعمال السنا:
بداية ينصح بمشاورة أهل الخبرة في ذلك كي يختاروا لك الطريقة المناسبة لسنك وجسمك وحالتك المرضية.
الطريقة الأولى: يدق (يطحن) من 3 جرامات إلى 10 جرامات، ويؤخذ عن طريق الفم.
الطريقة الثانية: يطبخ (يغلى) من 21 جرامًا إلى 33 جرامًا في ماء ويشرب.
الطريقة الثالثة: يطبخ من 21 جرامًا إلى 33 جرامًا في زيت ويشرب.
الطريقة الرابعة: يدق كما في الطريقة الأولى، ويضاف إليه مقدار 40 جرامًا من عسل النحل مع 40 جرامًا سمن بقر، ويلعق مرة واحدة.
تنبيهات وفـوائد:
1- هذا الطب النبوي والعلاج الرباني من أخذه على سبيل التجربة فإنه لا يجدي معه نفعًا، فلابد أن يفعله بيقين لا يخالجه شك.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى سعيدٍ الخدري t:" أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال ﷺ: اسقه عسلًا ثم أتى الثانية فقال: اسقه عسلًا ثم أتى الثالثة فقال: اسقه عسلًا ثم أتاه فقال: فعلت فقال ﷺ صدق الله، وكذب بطن أخيك اسقه عسلًا فسقاه فبرأ ".
فانظر أخي الحبيب.... إلى يقين النبي ﷺ في كلام الله تعالى، وهو القائل سبحانه وتعالى عن العسل:
{فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (النحل: 69)
فهل يعقل أن يقول الله تعالى: ﴿فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾ ويأتي أحدهم ويقول: إنه لم يُجْدِ. ولذلك قال النبي ﷺ لهذا الرجل:" صدق الله وكذب بطن أخيك " فهذا المريض لم ينتفع بالدواء الذي وصفه رسول الله ﷺ له إلا بعد أن أيقن بصدق الله – سبحانه وتعالى – وكذّب بطنه. فكأن رسول الله ﷺ وصف له دواءين:
أولهما: روحي وهو اليقين بصدق الله ورسوله.
وثانيهما: مادي وهو العسل فمن أغفل أحدهما دام مرضه واستحال شفاؤه.
قال الإمام النووي -رحمه الله- كما في الطب النبوي ص32،31: ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسًا ومرضًا إلى مرضهم. اهـ.
وصدق الإمام النووي–رحمه الله – فهناك العديد من الناس ممن يتداوى بالطب النبوي فلا تجدي معه ولا يتم الشفاء لأنه فعل هذا الأمر على سبيل التجربة ولم يفعله بيقين.
2- في الآيات والأذكار والدعوات والتعوذات التي مرت بنا والتي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعى قبول المريض – كما مر بنا – للعلاج وكذلك قوة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف أو عدم قبول أحدهما، ولذلك فإن العلاج بالرقى لا يفيد إلا إذا توفر فيه أمران:
الأمــر الأول: مـن جـهـة المـريـض:
يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى الله تعالى، واعتقاده الجازم بأن القرآن شفاءٌ ورحمة للمؤمنين، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصار على عدوه إلا بأمرين: أحدهما: أن يكون السلاح صحيحًا في نفسه جيدًا. والثاني: أن يكون الساعد قويًا.
فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عُدِم الأمران جميعًا؟ يكون الإنسان خرابًا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، وهو بمثابة مَنْ لا سلاح له.
الأمـر الثاني: مـن جهة المعالج بالقرآن أو التعـوذات والـرقى:
فينبغي أن يتوافر فيه هذان الأمران أيضًا أي يكون صحيحًا وقويًّا.
لهذا كان ابن القيم - رحمه الله - يقول:" الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى ".
3- تكرار العلاج النبوي سواء كان ذِكْرًا أو دعاءً أو دواءً يكون أنجح وأبلغ، كتكرار الدواء الطبيعي، لاستقصاء واستخراج المادة الضارة بالجسم، ومع الصبر والاستسلام بقضاء الله والأخذ بأسباب الشفاء بإذن الله تعالى.
4- يراعى في العلاج تشخيص الداء تشخيصًا دقيقًا واختيار الدواء المناسب له
فقد أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:" لَدَدْنا النبي ﷺ في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدُّونى؟ فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال:" ألم أنهكم أن تلدّونى؟ قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال:" لا يبقى في البيت أحدٌ إلا لُدَّ، وأنا [وأنا أنظر] إلا العباس، فإنه لم يشهدكم ".
لَدَدْناه: أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، وهذا هو اللَّدود.
فأما ما يصبّ في الحلق فيقال له: الوُجُور.
وما حدث أنهم أذابوا قِسْطًا – أي بزيتٍ – فلدُّوه به، وإنما أنكر التداوي؛ لأنه كان غير ملائم لدائه، لأنهم ظنّوا أنّ به ذات الجنب فدواؤه بما يلائمها، ولم يكن به ذلك.
5- سؤال يبحث عن إجابة: كيف يمكن الجمع بين قول النبي ﷺ:" لا عدوى ولا طيرة " (البخاري ومسلم)
وبين قوله ﷺ:" وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " (البخاري)
وكذلك قول النبي ﷺ: " لا توردوا الممرض على المصحّ " (البخاري ومسلم)
ففي هذه الأحاديث يظهر لبعض الناس أن ظاهرها التعارض حيث يقول النبي في حديث " لا عدوى " وفي حديثٍ آخر يحثنا على عدم الاقتراب ومجالسة من به مرض معدي.
وفي الحقيقة أنه ليس بينهما تعارض حيث يمكن الجمع بينهما. فيكون " لا عدوى " إلا بإذن الله فلا تنتقل بذاتها كما قال تعالى: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} (البقرة: 102)
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال:" لا عدوى ولا صَفَرَ ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله. فما بال إبلي تكون في الرّمل كأنها الظّباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينهما فيجربها؟ فقال: فمن أعدى الأول ".
فالعدوى لا تنتقل بذاتها كما كان يعتقد أهل الجاهلية، فأبطل النبي ﷺ هذا الاعتقاد وبيَّن لهم أن العدوى تكون بقدر الله وبإذنه، وأكد النبي على هذا المعنى فأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، لكن نهي النبي ﷺ من الدنو والاقتراب من أصحاب الأمراض المعدية حتى لا يقع الإنسان في حرج إذا ما انتقل إليه المرض وأصيب به فيقول: " فلان نقل إلىّ المرض وعداني " ، وقد علمنا أنه لا عدوى إلا بإذن الله، ولهذا حث الشرع كل مكلف عن الابتعاد عن كل ما يثير الريبة ويقدح في اليقين والتوكل.
ومن هذا ما أخرجه البخاري ومسلم:" أنه لما خرج عمر بن الخطاب t إلى الشام حتى إذا كان يسرع لقيه أمير أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام،
قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين: فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ﷺ ولا نرى أن تُقْدِمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعونهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقْدِمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مُصَبِّحٌ على ظهرٍ فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر الله؟
فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه. قال: فحمد الله عمر ثم انصرف ".
وأخيرًا: عليك أخي المريض بالدعاء
المرض نازل بالعبد بقدر من الله - سبحانه وتعالى- كما تقدّم بيانه، وهو القادر على رفعه، فمنه البلاء ومنه العافية - جل وعلا - قال تعالى حكاية عن إبراهيم u:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء: 80)
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري أن الحبيب النبي ﷺ كان يقول:" اللهم ربَّ الناس مُذهب البأس اشفِ أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقماً "
فعلى المريض أن يتوجه بكُليته إلى من بيده الشفاء ورفع البلاء (مع الأخذ بالأسباب)
فعليك أخي المريض بالدعاء والتضرع إلى الله U في أن يشفيك ويرفع ما أنزل بك، وهو سبحانه قريب مجيب، يحب من عباده أن يسألوه، ويثيبهم على سؤالهم بالإجابة وبالثواب العظيم. قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186)
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:60) (الفرج بعد الشدة لابن أي الدنيا )
وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (الأنبياء: 84-83 )
وقال سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (النمل: 62)
وجاء في السنة أحاديث كثيرة تدلّ على أن الله تعالى قريب مُجيب، حيي كريم، يجيب دعاء الداعين، وينفِّس كرب المكروبين. ويرفع البلاء عن المبتلين، لكن هناك مقصداً آخر من الدعاء هو الخضوع والتذلل لله تعالى، فهو عبادة وترك الدعاء من جنس ترك الأعمال الصالحة اتكالاً على ما قُدَّرَ، فيلزم ترك العمل جُملة.
واعلم أخي المريض أن رد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس([65])، وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يترَس من رُمِيَ السهم
واعلم أخي المريض أن الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله.
أخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ:" الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم-عباد الله- بالدعاء". (حسنه الألباني في صحيح الجامع:3409، وصحيح الترمذي: 2813)
أخرج الترمذي عن سلمان t قال: قال رسول الله ﷺ :" لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ". (حسنه الألباني في صحيح الجامع: 7687)
وأخرج أحمد وابن ماجه والحاكم عن ثوبان t قال: قال رسول الله ﷺ:" لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يردّ القدر إلا الدعاء، وإن الرجل لَيُحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
قال الغزالي -رحمه الله - كما في إحياء علوم الدين: 1/328":
فإن قلت: ما فائدة الدعاء، والقضاء لا مردّ له؟ فاعلم أن من القضاء ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة، كما أن التُرس سبب لردّ السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أُمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق... والله أعلم (الفتاوى: 8/193)
ومما يدل على أن الدعاء يرفع الوباء والبلاء ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال النبي ﷺ: " اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وانقل حمها إلى الجحفة، اللهم بارك مُدِّنا وصاعنا ([66]) ".
قال الخطابي وغيره: كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهوداً.
وقال ابن القيم- رحمه الله - كما في كتابه" الجواب الكافي صــ 17":" والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يُخفّفه وإن كان ضعيفاً. الثالث: أنم يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه ".
أخرج الحاكم بسند حسن عن عائشة أن النبي ﷺ قال:" لا يُغني حذرٌ من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزلُ فيتلقاهُ الدعاء فيعتلجان ([67]) إلى يوم القيامة " (صحيح الجامع: 7739 )
ملحوظة: عبارة: " الدعاء سلاح المؤمن " وردت في حديث ضعيف رواه أبو يعلى، وهي مأثورة عن الفضيل بن عياض
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" يُستَجَابُ لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوتُ ربي فلم يستَجِبْ لي ".
وفي رواية عند مسلم:" لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ـ ما لم يستعجل ـ قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فَيَسْتَحْسِر عند ذلك ويَدَع الدعاء ".
- قوله: " يقول دعوت فلم يستجب لي " قال ابن بطال -رحمه الله -: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء، فيكون كالمانّ بدعائه. (فتح الباري: 11/140)
وقال ابن حجر - رحمه الله - كما في فتح الباري: " معنى "يستحسر": ينقطع
وفي الحديث أدب من آداب العلماء، وهو أن يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار.
وقال ابن القيم -رحمه الله- كما في الجواب الكافي صــ 19: ومن الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فَيَسْتَحْسِر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
فالمؤمن الحق ربما يبالغ في الدعاء ويُكثر منه، لكن لا يرى له أثراً، ومع هذا لا يتغير أمله ورجاؤه ويلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة، والمطلوب هو الصبر والتسليم في جميع الأحوال، فربما لم يستجب الله له لينظر كيف صبره، أو أنه يريد منه أن يكثر التضرع واللجوء إليه ومناجاته، فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل، فذاك ضعيف الإيمان، يرى أن له حقاً على ربه، وربما يترك الدعاء إذا تأخرت الإجابة فيكون كالمنان على ربه.
فها هو يعقوب u: بقى سنين في البلاء ورجاؤه لا يتغير، فقد يوسف وبعد سنين يفقد بنيامين ومع ذلك لم يتغير أمله ورجاؤه في الله، فقال: { عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (يوسف: 83)
فلا تيأس أيها المريض من روح الله وإن طال البلاء، وعليك بملازمة الصبر وكثرة الدعاء. والله اسأل أن يزيل همك ويكشف كربك ويشفيك شفاء لا يغادر سقماً، آمين ..... يا أرحم الراحمين.
وأخرج الترمذي عن عبادة بن الصامت t أن رسول الله ﷺ قال:" ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إيّاه، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذن نكثر!! قال: الله أكثر". يعني أكثر إجابة.
وأخرج الإمام أحمد والحاكم عن أبي سعيد t أن النبي ﷺ قال:" ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذن نكثر !! قال: الله أكثر ".
قال ابن حجر - رحمه الله - كما في" فتح الباري: 11/95 ": كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه " ثم ذكر هذين الحديثين.
وقال ابن الجوزي -رحمه الله -:" اعلم أن دعاء المؤمن لا يردّ، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوّض بما هو أولى له عاجلاً أو آجلاً ". (فتح الباري: 11/141)
وكان عمر t يقول:" إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكن أحمل همّ الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ". (فتاوى ابن تيمية: 8/193)
قال ابن القيم -رحمه الله -: وأخذ الشاعر هذا المعنى فنظمه فقال:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما عوّدتني الطلبا
فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة. أهـ (الجواب الكافي صــ 27)
وأخرج أبو داود والترمذي عن سلمان الفارسي t عن النبي ﷺ قال:" إن ربّكم حييّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صِفْراً ([68]) خائبتين ". (حسنه الألباني في صحيح الجامع: 2070)
فعليك أخي الكريم بالإكثار من الدعاء وسؤال الشفاء والإلحاح على الله في ذلك، وكن على يقين بالإجابة، فإنّ هذا أحرى للقبول، كما قال ﷺ:" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ". (الترمذي من حديث أبي هريرة وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 245)
وعليك بالمداومة على الدعاء مهما تأخرت الإجابة، فليس للعبد ملجأ ولا مفرّ إلا إلى مولاه U
قال السري السقطي - رحمه الله -: كن مثل الصبي إذا اشتهي على أبويه شهوة فلم يمكناه قعد يبكي لهما، فكن أنت مثله، فإذا سألت ربّك ولم يعطك فاقعد فابك له. (شعب الإيمان للبيهقي: 3/246)
وقال أبو الدرداء t: من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له (المصدر السابق)
وقال الثعالبي المفسِّر:
وإني لأدعو الله والأمر ضيّق علـيّ فمــــــــا ينفـــــــــــــكّ أن يتفرّجــــــــا
وربّ فتى سُدّت عليه وجوهــه أصاب له في دعوة الله مخرجا (طبقات السبكي: 58/9 )
وقال ابن القيم - رحمه الله - كما في الجواب الكافي صـ 19-20مبيناً آداب الدعاء:
وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستّة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر
وصادف خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب وذلاً له وتضرعاً ورقّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله ﷺ، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألحّ عليه في المسألة، وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة ـ فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً، ولاسيما إذا صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظّنة الإجابة، أو أنها متضمّنة للاسم الأعظم. فهذه جملة من آداب الدعاء ذكرها ابن القيم والتي بها لا يرد الدعاء إن شاء الله فاحرص على تحقيقها.
ملحق: فضل وفوائد ختان البنين والبنات:
أولًا: فضل وفوائد الختان للبنين
بداية لابد أن نعلم أن الختان من سنن الإسلام:
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله يقول:" الفطرة خمسٌ: الختانُ، والاستحدادُ، وقصُّ الشاربِ، وتقليم الأظفارِ، ونتفُ الآبَاطِ ".
والختان له فوائد عظيمة، وفضائل كثيرة، ومنها:
1- الانقياد لشرع الله تعالى والاستجابة لأمره:
إن لم يكن فى الختان إلا الانقياد لشرع الله تعالى والاستجابة لأمره لكفى، فهو شرع الله الذي شرعه الله للناس؛ ليكمل به فطرتهم، وشعارًا للعهد الذي عاهد الله به إبراهيم الخليل، وجعله علامة بينه وبين نسله وعلم للدخول فى ملة إبراهيم.
2- الختان يمنع احتباس البول وخاصة فى الأطفال حديثي الولادة:
فالختان يمنع من تجمع نقط بولية والتي تسبب التهابات فى عضو التذكير، وقد يتحول هذا الالتهاب إلى ما يسمى بـ(سرطان القضيب) لأن سببه وجود قطرات البول بين الجلدة والحشفة. (رسالة يا قلفاء اختتني).
3- ذكر الخطابي أن الختان من شعائر الدين وبه يعرف المسلم من الكافر:
إذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين ُصُلى عليه ودفن فى مقابر المسلمين.
4- بقطع القلفة يتخلص من الإفرازات الدهنية والسيلان الشحمي المقزز للنفس، ويحول دون إمكان حدوث نتن ورائحة كريهة:
وهذا ما ذكره الدكتور صبري القباني فى كتابه (حياتنا الجنسية) من فوائد الختان
5- بقطع القلفة يتخلص المرء من انحباس الحشفة أثناء التمدد.
6- يقلل الختان إمكان الإصابة بالسرطان:
وقد ثبت أن هذا السرطان كثير الحدوث فى الأشخاص المتضيقة قلفتهم (غير مختونين).
7- الإسراع فى ختان الطفل يجنبه الإصابة بسلس البول الليلي.
8- يخفف الختان خطر الإكثار من استعمال العادة السرية.
9- الختان له تأثير غير مباشر على القوة الجنسية:
حيث تبين إن مدة الجماع عند المختونين تطول قبل القذف؛ ولذلك فهم أكثر استمتاعا باللذة وأكثر إمتاعًا للمرأة، وإرضاء بخلاف الغير مختونين.
10- الختان يقي الإنسان من أمراض كثيرة وذلك بشهادة أهل الطب منها: ـ
أ- الوقاية من سرطان الرحم: جاء فى مجلد طبيبك الخاص عدد 177 صـ104:
لقد دلت نسبة الإحصاءات على أن سرطان الرحم عند زوجات المسلمين (المختونين) أقل بكثير من نسبتها عند زوجات غير المختونين.
وقد أكد د/ هاندلى: أن الختان عند الرجال يقي نساءهم من الإصابة بسرطان عنق الرحم، وذكر أن الحالة الصحية للقضيب والتهاباته تشكل خطرًا على المرأة يفوق الخطر الذي يتعرض له الرجل نفسه، وقد أكد الباحثون على أن فيرس الثآليل الإنساني (HPV) يتسبب فى سرطان عنق الرحم عند زوجاتهم إذ أنهن يتعرضن لنفس العامل المسرطن الذي يتعرض له الزوج.
ب- الوقاية من سرطان القضيب: نشرت المجلة الطبية البريطانيةB.M.J عام 1987 مقالًا عن هذا المرض جاء فيه " إن سرطان القضيب نادر جدًا عند اليهود وفى البلدان الإسلامية حيث يجرى الختان أثناء فترة الطفولة ". وسرطان القضيب مشكلة هامة فى عدد من بلدان العالم فهو يشكل 12- 22% من كل سرطانات الرجال فى الصين وأوغندا وبورتوريكو.
ونشرت مجلة المعهد الوطني للسرطان أكدت فيها أن سرطان القضيب ينتقل عبر الاتصال الجنسي، وأشارت إلى أن الاتصال الجنسي بالبغايا يؤدى إلى حدوث هذا السرطان.
يقول د/ كلوردي ( Clodry ): يمكن القول وبدون مبالغة بأن الختان الذى يجرى للذكور فى سن مبكرة يخفض كثيرًا من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم، مما يجعل الختان عملية ضرورية لابد منها للوقاية من حدوث الأورام الخبيثة.
وفى بحث نشره د/ هيلبرغ وزملاؤه ( Helberg ) أكدوا فيه أن سرطان القضيب نادر جدًا عند اليهود، وعند المسلمين حيث يجرى الختان أيام الطفولة الأولى.
وهناك أبحاث كثيرة جدًا أكدت أن الختان يقي من سرطان القضيب، وتذكر هذه الأبحاث أن التهاب الحشفة وتضييق القلفة هما من أهم مسببات سرطان القضيب، ولما كان الختان يزيل القلفة من أساسها، فإن المختونين لا يمكن أن يحدث عندهم تضييق القلفة، ويندر جدًا حدوث التهاب الحشفة.
- وقد ثبت أن مادة اللخن التي تفرزها بطانة القلفة عند غير المختونين والتي تتجمع تحت القلفة لها فعل مسرطن أيضًا. فقد أثبتت الأبحاث أن هذه المادة تشجع على نمو فيرس الثآليل الإنساني HPV) )
الذي ثبت بشكل قاطع أثر المسرطن.
ويؤكد د/ رافيتش (Ravich): أن الختان يقي من أورام البروستاتا، وفى مؤتمر عقد فى مدينة روسلدورف الألمانية عن السرطان والبنية، وأشار د/ رافيتش إلى العلاقة السلبية بين سرطان البروستاتا الذي يصيب الرجال وبين الختان، وبيّن أن الرجال المختونين أقل تعرضًا للإصابة بهذا السرطان من غير المختونين.
ونشرت المجلة الطبية لأمراض الأطفال.M.J DISCHILD حديثًا مقالًا جاء فيه:" إن الرجل غير المختون يعتبر معرضًا للإصابة بسرطان القضيب، ويمكن منع حدوثه إذا ما اتبع مبدأ الختان عند الوليدين "
نعم هذا ما قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا!!!
وكذلك الختان وقاية من الالتهابات الموضوعية فى القضيب: فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفًا ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها إذ تتجمع فيها مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرزه سطح القلفة الداخلي من مواد بيضاء ثخينة تدعى (اللخن Smegma) وبقايا البول الخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن، والتي يصبح معها الختان أمرًا علاجيًا لا مفر منه، وقد يؤدى إلى التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين.
وتؤكد دراسة د/ شوبن: أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية، ويمنع تجمع الجراثيم تحت القلفة فى فترة الطفولة.
وأكد د/ فرغسون: أن الأطفال غير المختونين هم أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الحشفة وتضيق القلفة Phemosis من المختونين.
جـ - الوقاية من مرض الإيدز:
أقرت منظمة الصحة العالمية وخبراء صحة دوليين اعتبار ختان الذكور وسيلة لمقاومة مرض الإيدز، وقالت المنظمة إنها ستضيف الختان إلى قائمة الوسائل التى تستخدم لمقاومة المرض بعد أن أثبتت أبحاث أجريت فى إفريقيا أن الختان بين الرجال يقلل من خطر إصابتهم بفيروس الـ Hpv بنسبة 50 %.
فقد جاء فى جريدة الأخبار بتاريخ 10/11/1994 ص5 تحت عنوان: " الختان وقاية من الإيدز"
أن الختان يقلل من خطورة الإصابة بفيروس الإيدز، ويمكن أن يشكل وقاية منه، أكد ذلك فريق من العلماء والباحثين بينهم العالم البلجيكي بيتر بيوت ـ المسئول عن برنامج مكافحة الإيدز فى الأمم المتحدة ـ الذي قال: إن فيروس الإيدز لا يتسلل كما كان سائدًا لفترة طويلة عبر قناة البول ن وإنما عبر إفرازات الغدد. وجاء فى تقرير وصفه هؤلاء العلماء أن جلدة العضو التناسلي توفر بيئة حارة ورطبة مثالية لاحتضان الفيروس الذي لا يعود أمامه سوى إيجاد ثغرة لتفشى العدوى. وأكد هؤلاء العلماء: أن الأطفال غير المختونين معرضون خمس عشر مرة للالتهابات البولية أكثر من الأطفال المختونين. أ هـ
وجاء فى مجلة البيان العدد 51 ذو القعدة1412هـ مايو 1991:
" الختان يقي من مرض الإيدز " ذاك هو موضوع مقال نشر حديثًا (1989) فى مجلة Science الأمريكية. فقد أورد المقال ثلاث دراسات علمية أجريت فى أمريكا وأفريقيا، وأكدت هذه الدراسات انخفاض نسبة الإصابة بمرض الإيدز عند المختونين.
أليس هذا بالأمر العجيب!!
فحتى أولئك الذين يتجرؤون على معصية الله بالشذوذ الجنسي يجدون خصلة من خصال الفطرة يمكن أن تدفع عنهم غائلة هذا المرض الخبيث، ولكن لا يظن أحد أنه إن كان مختونًا فهو فى مأمن من داء الإيدز.. فهو يحدث عند المختونين وغير المختونين وإن كانت نسبة حدوثه أقل عند المختونين، وهكذا تثبت الأحداث العلمية أن ما جاء به المصطفى ﷺ هو الحق، وأنه لا تبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها.
د - الختان يقي من التهاب المجاري البولية:
أكد عدد من الدراسات العلمية الحديثة التي نشرت عام 1989 أن احتمال حدوث التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين يبلغ 39 ضعف ما هو عليه عند المختونين.
ففي دراسة أجريت على أكثر من 400 ألف طفل وطفلة
وجد البروفسور " ويزويل " ارتفاع نسبة التهاب المجاري البولية عند الأطفال الذكور، نتيجة لحدوث الالتهاب عند الأطفال غير المختونين.
وقدر الباحثون أنه لو لم يجر الختان فى الولايات المتحدة، فستكون هناك عشرون ألف حالة أخرى من التهاب الحويصلة والكلية.
وتقول مجلة (اللانست) البريطانية الشهيرة فى مقال نشر عام 1989:
" إن ختان الأطفال فى الفترة الأولى من العمر يمكن أن يخفض نسبة التهاب المجاري البولية عند الاطفال بنسبة 90% ".
وجاء فى مجلةpediatrics عام 2000 م وأجريت على 50.000 طفل وأظهرت الدراسة أن 86% من التهاب المجاري البولية عند الأطفال فى سنتهم الأولى من العمر قد حدثت عند غير المختونين.
ـ فالختان يقى الأطفال من الإصابة بالتهاب المجاري البولية
وقد وجد الطبيب جنزبرغ: أن 95% من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين. ويؤكد أن جعل الختان أمرًا روتينيًا – يجرى لكل مولود فى الولايات المتحدة ـ منع من حدوث أكثر من خمسين ألف حالة من التهاب الحويصلة والكلية سنويًا عند الأطفال،
وتؤكد مصادر د/ محمد على البار: الخطورة البالغة لالتهاب المجاري البولية عند الأطفال وأنها تؤدى فى 35% إلى تجرثم الدم، وقد تؤدى إلى الالتهاب السحائي والفشل الكلوي.
هـ - الختان يقي من الأمراض الجنسية:
جاء فى مجلة New England Journal of Medicineالمنشور عام 1990
(إن الختان قد ساعد على منع حدوث التهابات الحشفة والوقاية من حدوث الأمراض الجنسية عند الجنود الأمريكان إبان الحرب العالمية الثانية وخلال حرب كوريا وفيتنام).
وأكدت دراسة حديثة من أستراليا: وجود ازدياد واضح فى حدوث أربعة أمراض جنسية عند غير المختونين، وهي: الهربس التناسلي Genital Herpes،
وداء المبيضات Candidiasis، والسيلان Gonorrhea، والزهرى Syphilis.
وجاء فى كتاب روائع الطب الإسلامي د/ محمد نزار الدقرـ تحت عنوان الختان والأمراض الجنسية:
أكد البروفسير وليم بيكرز- الذي عمل فى البلاد العربية لأكثر من عشرين عامًا، وفحص أكثر من 30 ألف امرأة – ندرة الأمراض الجنسية عندهن، وخاصة العقبول التناسلي والسيلان والكلاميديا والتريكوموناز وسرطان عنق الرحم، ويرجع ذلك إلى سببين هامين: ندرة الزنا، وختان الرجال
ويرى آريا وزملاؤه: أن للختان دورًا وقائيًا هامًا من الإصابة بكثير من الأمراض الجنسية وخاصة العقبول والتآثيل التناسلية.
كما عدد فنك Fink: أكثر من 60 دراسة علمية أثبتت كلها ازدياد حدوث الأمراض الجنسية عند غير المختونين.
وأورد د /ماركس Maeks.j4 خلاصة ثلاث دراسات تثبت انخفاض نسبة مرض الإيدز عند المختونين.
فى حين وجد سيمونسن وزملاؤه أن احتمال الإصابة بالإيدز بعد التعرض لفيروساته عند غير المختونين، هي تسعة أضعاف ما هو عليه عند المختونين، أليس هذا بالأمر العجيب!!
حتى أولئك الذين يجرؤون على معصية الله يجدون فى التزامهم بخصلة من خصال الفطرة إمكانية أن تدفع عنهم ويلات هذا الداء الخبيث، ولكن لاننكر أن الوقاية من الإيدز تكون بالعفة التامة والامتناع عن الزنا.
فالختان نظافة للأعضاء الجنسية:
كتب الدكتور" شوبن " فى مقالته الرئيسية فى مجلة New England Journal of Medicine عام1990يقول: لا شك أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية على مدى العمر وفى مختلف الظروف البيئية، فالختان يمنع تجمع الجراثيم الممرضة تحت القلفة فى فترة طويلة.
ويقول الدكتور " شوبن " - وهو من أشهر أطباء الأطفال فى العالم - مؤكدًا أهمية نظافة المناطق الجنسية فى الوقاية من سرطان القضيب: إن الحفاظ على النظافة جيدًا فى المناطق الجنسية أمر عسير، ليس فقط فى المناطق المتخلفة من العالم، بل حتى فى دولة كبرى ومتحضرة كالولايات المتحدة، التى تضم العديد من الأعراف مع اختلاف شاسع فى العادات والتقاليد الاجتماعية، وحتى فى بلد متحضر أكثر غالبية سكانه من عرق واحد فإن الأدلة العلمية تشير إلى أن العناية بنظافة الأعضاء التناسلية ماتزال سيئة،
ففي دراسة أجريت على أطفال المدارس البريطانيين غير المختونين: وجد أن العناية بنظافة الأعضاء الجنسية سيئة عند 70 % من هؤلاء الأطفال.
وفى دراسة أخرى فى الدانمارك: يتبين وجود التصاقات فى القلفة عند 63 % من الأطفال غير المختونين فى سن السادسة من العمر. هذا ما يؤكده رئيس فريق علمي كبير فى أمريكا نهض لبحث أمر الختان.
لقد آتى الاسلام بدواء لهذه المشكلة، إنه الختان الذي أرشدنا إليه رسول الإنسانية ﷺ، وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (الروم / 30).
و- الختان يقي من الإصابة بنقص المناعة المكتسبة: تحت عنوان " التجارب فى أوغندا أثبتت جدوى الختان " نشرت إلـ بى بى سي وهو على موقعها " بى بى سي أونلاين " التالي:
" قال باحثون: إن الرجل الذي لم يسبق له الختان يكون أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب نتيجة علاقات جنسية طبيعية مقارنة بالرجل المختون "
ووجد هؤلاء أن الرجل المختون أقل عرضة للإصابة بهذا المرض وبمعدل ثمان مرات قياسًا بغير المختون من علاقات جنسية عادية أو طبيعية، وجاءت هذه النتيجة عقب قيام هؤلاء الباحثين- وهم من أستراليا - بتحليل معطيات أكثر من أربعين دراسة أجريت حول الموضوع.
ـ كما تبين لهم أيضًا أن فيروس المرض، الذي يتحول فى حالات كثيرة إلى مرحلة الإيدز بعد أعوام يستهدف خلايا معينة موجودة فى النسيج الداخلي لمقدمة عضو الرجل الغير مختون
ويقول العلماء: إن فى هذه الخلايا بالذات دون غيرها مجسات تستقبل الفيروس مما يجعل تلك المنطقة من عضو الرجل أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
- ويؤكد الباحثون الأستراليون أن ختان الرجل وسيلة ممتازة للوقاية من مرض نقص المناعة المكتسبة من خلال التخلص من تلك الخلايا الحاملة لمجسات استقبال الفيروس.
ويضيف الباحثون أن الختان يقلل من إمكانية الإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق ممارسة الجنس مثل (السيلان، والسفلس) وهي أمراض تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب.
ـ وجاءت هذه النتيجة فى دراسة حديثة أجريت فى أوغندا على عدد من المتزوجين حيث المرأة مصابة بالمرض فى حين ظل الزوج بعيدًا عنه حتى مع المعاشرة الجنسية غير المحمية
فعلى مدى 30 شهرًا ظهر عدم وجود أية إصابات فى 50 من الرجال المختونين، فى حين تعرض 40 رجلًا غير مختونين من مجموع 137 رجلًا غير مختونين للإصابة بالمرض على الرغم من استخدامهم للواقيات الجنسية.
ويقول رئيس البحث البروفسور روجر شورت: إن البديل للختان فى الثقافات التي لا تميل إلى هذا النوع من الحلول الوقائية لاعتبارات دينية أو بسبب تقاليد قديمة، وهو ابتكار واق كيمائي للرجل والمرأة قادرًا على إبعاد شبح هذا المرض المخيف ([69]).
الحكمة من خفض النساء (ختان النساء)
يقول ابن القيم – رحمه الله ـ كما فى تحفة المودود صـ144:
وقد ذكر فى حكمة خفض النساء حديث رواه البيهقي فى الشعب (ح 8644): (إن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم، أصابها فحملت منه، فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء، فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنها، فأمرها بثقب أذنيها وختانها، وصار ذلك سنة فى النساء بعد.
ولا ينكر هذا كما كان مبدأ السعي – سعى هاجر بين الجبلين تبتغى لابنها القوت – وكما كان مبدأ الجمار – حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه – فشرع الله سبحانه لعباده تذكرة وإحياء لسنه خليله، وإقامة لذكره، وعلامة على عبوديته ـ سبحانه وتعالى ـ.فإنك تجد قطع طرف الأذن وكى الجبهة ونحو ذلك فى كثير من الرقيق علامة لرقهم وعبوديتهم، حتى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة، فما ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علمًا على عبودية صاحبه لله سبحانه، وحتى يعرف الناس أن من كان كذلك فهو من عبيد الله الحنفاء، فيكون الختان علمًا لهذه النسبة التي لا أشرف منها، مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل الشهوة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في" الفتاوى الكبرى :1/274":" وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة فى القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها. فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، ولهذا يقال فى المشاتمة:" يا ابن القلفاء " فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا من الفواحش فى نساء التتر ونساء الإفرنج مالا يوجد فى نساء المسلمين ".
يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق -رحمه الله - (شيخ الأزهر سابقًا) معلقًا على قول النبي ﷺ فى الختان:" فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج " وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء، والابقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر الحس واستئصاله، وبذلك يكون الاعتدال، فلم يعْدِم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم فى نفسها عند الإثارة.
ويقول الدكتور / محمد البار كما فى كتاب (خلق الإنسان بين الطب والقرآن صـ44):
وختان المرأة من المسائل التي تبدو هيّنة بسيطة، ولكن فى طياته خيرٌ كثير، وفى تركه أذى وشر مستطير، فإنه أدعى لتقليل الغلمة والشبق ودواعي الزنا، وخاصة إذا لم يقدر للمرأة أن تتزوج أو تأيمت بعد زواج بموت أو طلاق.
ثانيًا: فضل وفـوائـد خـتــان الـبـنــات
أخرج الدولابي والخطيب في " التاريخ " من حديث أنس قال: قال رسول الله لأم عطية:" إذا خَفَضْتِ فأشمِّي، ولا تُنْهِكِي، فإنَّهُ أسرى للوجه، وأحْظى للزَّوجِ ". (الصحيحة:722) (صحيح الجامع:509)
وعند الطبراني بلفظ: " وأحظى عند الزوج ".
والختان بالنسبة للبنات فيه فضائل وفوائد عظيمة، منها:
1- الختان علمًا لمن يضاف إلى ملة إبراهيم – عليه السلام-.
2- الختان طهارة ونظافة وتزين وتحسين للخلقة.
3- الختان تعديل للشهوة وتنظيم لها وجعلها متوسطة بين الحيوانية والجمادية، فالشهوة إذا أفرطت ألحقت البنت بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقتها بالجمادات فالختان يعدلها، ولهذا تجد القلفاء من النساء لا تشبع من الجماع مما يكدر صفو حياتها الزوجية، وربما آلت إلى الضياع بسبب هذا الأمر، فلا تتساوى إمراة قلفاء وأخرى مختونة، إذ تلح الشهوة على الأولى فأما أن تخسر دينها بالوقوع في الزنا، وإما أن تقمع شهوتها، فيظهر ذلك على صحتها وعلى نضارة وجهها وفي الكبت النفسي الذي تعانيه.
4- الختان زينة، وأي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة والإبط والشارب وما طال من الظفر.
5- الختان بهاء للوجه وضياء يظهر عليه وتخلص من الكسفة التي ترى عليه.
6- هذا القطع يقلل الحساسية للبنت، حيث لا شيء لديها ينشأ عنه احتكاك جالب للاشتهاء، وحينئذ لا تصير البنت عصبية في صغرها.
7- يساعد على الحد من السحاق وهو مباشرة المرأة للمرأة.
قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه" أحكام النساء": وأكثر ما يدعو النساء إلى السحاق، أنهم إذا ألزقن موضع حز الختان بموضع حز الختان، وجدت هناك لذة عجيبة، وكلما كان ذلك منها أوفر (البظر) كان السحاق ألذ، والختان يمنع هذا.
وقال الجاحظ في" كتابه الحيوان: 6/27": إنما صار الزنا وطلب الرجال في نساء الهند والروم أتم؛ لأن شهوتهن للرجل أشد، وليس لذلك علة إلا وفارة القلفة، وأكثر ما يدعو النساء إلى السحاق – الشذوذ – هو توفر تلك القلفة.
8- الختان أحب للبعل أي للزوج وائدم للحب بين الزوجين، فهو سبب للمحبة والإلف بين الزوج والزوجة.
يقول شمس الحق أبادي ـ رحمه الله ـ كما في" عون المعبود شرح سنن أبى داود :8/125":
في قول النبي ﷺ للخاتنة: " لا تنهكي فإن ذلك أحظي للمرأة وأحب إلى البعل ".
أي إذا دلك البظر دائما دلكا ملائما بالإصبع أو بالحك من الذكر، تلتذ كمال اللذة حتى لا تملك نفسها وتنزل بلا جماع، وذلك في حالة عدم ختانها لأن هذا الموضع كثير الأعصاب، فيكون حسه أقوى ولذة الحكة هناك أشد، ولهذا أمرت المرأة في ختانها لإبقاء بعض النواة والغدة لتلتذ بها بالحك، ويحبها زوجها بالملاعبة معها؛ ليتحرك مني المرأة ويذوب؛ لأن منيها بارد بطيء الحركة، فإذا ذاب وتحرك قبل الجماع بسبب الملاعبة، يسرع إنزالها فيوافق إنزالها إنزال الرجل، فإن مني الرجل لحرارته أسرع إنزالًا، وهذا كله سبب لازدياد المحبة والألفة بين الزوج والزوجة وصدق النبي ﷺ حيث قال:" فإنه أحسن للوجه وأرضى للزوج ".
وقفة:
- من رحمة الله U بخلقه أن فرق بين مني المرأة ومني الرجل، فجعل مني المرأة بطيء الحركة، وشرع لها الختان لتبقي مطلوبة لا طالبة، وبذلك يتحقق الصلاح لنفسها ولمجتمعها، فتصبر على العنوسة ([70]) والأيومة([71])، وسبحان الخالق العظيم والحمد لله على شرعه القويم.
- بالنسبة للبنت لا تترك هذه الجلدة بالكلية (عدم الختان) وكذلك لا تؤخذ بالكلية، لكن ينبغي أن يتبع هنا الهدى النبوي فإنه خير الهدى فقد قال النبي ﷺ للخاتنة: " لا تنهكي ".
قال ابن الجوزي-رحمه الله- كما في أحكام النساء: فإذا تم الإنهاك فهذا ينقص من شهوة المرأة، وإذا قلت شهوتها ذهب التمتع ونقص حب الأزواج، وقد كان بعض الأشراف (يقصد عمر) يقول للخاتنة لا تتعرضي إلا لما يظهر فقط. أ هـ
9- وذكر الدكتور أبو بكر عبد الرازق في كتاب" رأي العلم والدين في ختان الأولاد والبنات":
إن من فوائد ختان البنات أن الإفرازات الدهنية المنفرزة من الشفرين الصغيرين إن لم يقطعها مع جزء من البظر في الختان، تتجمع وتترنخ ويكون لها رائحة غير مقبولة، وتحدث التهابات قد تمتد إلى المهبل بل إلى قناة مجرى البول.
ويقول الأستاذ محمد محمد اللبان: في حالة عدم ختان الإناث ما تزال تلك الزائدة التي تمنع وصول المياه إلى الداخل، فيصعب نقاء دماء الحيض والبول مما يؤدي إلى روائح كريهة.
10- وقد قدم الدكتور الباز إلي المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بحثًا جاء فيه:
إن ختان الأنثى أو خفضها الذي ورد في السنة له محاسن وفوائد كثيرة ذكرها الباحثون في المؤتمر الطبي الإسلامي – عن الشريعة والقضايا الطبية المعاصرة – هذه الفوائد يمكن أن تتلخص في:
- ذهاب الغلمة والشبق (وتعني شدة الشهوة والانشغال بها والإفراط فيها) وذهابهما يعني تعديل الشهوة عند المختونين من الرجال والنساء.
- منع الروائح الكريهة الناتجة عن تراكم اللخن تحت القلفة.
- انخفاض معدل التهابات المجاري البولية.
- انخفاض معدل التهابات المجاري التناسلية.
وبعد...
فهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة.
وأسأل الله– تعالى- أن يكتب لها القبول، وأن يتقبَّلها منّي بقبول حسن، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بها مؤلفها وقارئها، ومَن أعان على إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا شأن أي عمل بشري فإنه يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صوابًا فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا جلّ من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحًا ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا والله – تعالى– أعلى وأعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

[1] ـ تـخط: أي لم يقدر على تمكينهما من الأرض.
-[2] ناقِهٌ: بالقاف المكسورة ، يقال : نقه المريض ينقه فهو ناقه إذا برأ وأفاق فكان قريب العهد من المرض لم يرجع إليه كمال صحته وقوته.
[3]- دوالي معلقة: جمع دالية وهي العذق من البسر يعلق فإذا أرطب أكل.
[4]- فطفق: أي أخذ وشرع.
-[5] مه : اسم فعل بمعنى كف وانته وهو مبني على السكون.
[6]ـ الحمة: سم ذوات السموم وقد تسمي إبرة العقرب والزنبور حمة، وذلك لأنها مجري السم
وليس في هذا نفي جواز الرقية من غيرها.
[7] ـ النملة: قروح تخرج من الجنب وغيره من الجسد
[8] ـ بكلمات الله: قيل المراد بها: كلامه على الإطلاق، وقيل: أقضيته، وقيل ما وعد به؛ كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} (الأعراف:137) والمراد بها قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} (القصص:5)
[9] ـ التامة: الكاملة، وقيل: النافعة، وقيل: الشافية، وقيل: المباركة، وقيل: القاضية.
[10] ـ هامة: الهوام ذات السموم.
[11] ـ لامة: جامعة للشر.
-[12] وفي رواية: إن أباكما. ـ يريد إبراهيم u- كما صرح في الحديث وسماه أبًا لكونه جد أعلى.
[13]ـ الخرّار: وهو واد من أودية المدينة.
[14] ـ مخبأة عذراء: أي فتاة مختبئة في خدرها.
[15] ـ وعك: أي أصيب بمغص شديد.
-[16]لبط به: أي: سقط.
[17]- سفعة: أي بها نظرة، وقيل أخذة من الشيطان. والسَفْعَة سواد في الوجه، وقيل: حمرة يعلوها سواد، وقيل: صفرة، وقيل: سواد مع لون آخر، قال ابن قتيبة: هي لون يخالف لون الوجه.
[18]- فإن بها النظرة: قيل: عين من نظر الجن. وقيل: من الإنس. وبه جزم أبو عبيد الهروي.
[19] ـ ضارعة: نحيفة.
[20] - العين: نظر باستحسان يحصل للمنظور منه ضرر.
[21] - تُسرع: بضم التاء وكسر الراء ويفتح أي، تعجل إليهم العين، أي: تؤثر فيهم سريعًا لكمال حسنهم الصوري والمعنوي.
(أفاده المباركفوري – رحمه الله – كما في" تحفة الأحوذي :6/219")
-[22] وقال النووي - رحمه الله-: " ومعنى " لا يُغادر سَقَمًا" أي: لا يترك، (صحيح مسلم بشرح النووي:13/351).
[23]- العلاج بالرقى من الكتاب والسنة لسعيد بن علي القحطاني- رحمه الله – بتصرف.
[24] - مطبوب: مسحور، ومعني طبَّ: أي سحر.
[25] - المشط: معروف.
[26] - المشاطة: هي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه.
[27] - جف: وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه: ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بقوله:" طلْعةٍ ذكر".
[28] - رَعُوفةٍ: حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون في أسفل البئر
[29]- انظر" فتاوي ابن باز :3/279"، وفتح المجيد ص346،" والصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار للشيخ/ وحيد عبد السلام بالي ص109- 117" فهناك رقية مفيدة ومطولة نافعة إن شاء الله، وانظر كذلك" مصنف عبد الرزاق :11/13"،" وفتح الباري:10/233".
[30]- انظر زاد المعاد:4/125)، (مصنف ابن أبي شيبة:7/386) (ومصنف عبد الرزاق:11/13) (وفتح الباري:10/233)، (والصارم البتار ص194-200)
[31]- قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسيره:2/174" بعد أن ذكره عن عبد الرزاق وابن أبي حاتم، وابن جرير: فهذه طرق لهذا الحديث مرسله ومتصلة يشد بعضها بعضًا
[32]- لا يَفْرَك: أي لا يكرهها ولا يبغضها، والفِرك: هو بغض أحد الزوجين الآخر، والفارك هو المبغض لزوجته.
[33] - تجم فؤاد المريض: أي تريح فؤاد المريض، وتزيل عنه الهم وتنشطه.
[34] - وهي تذهب ببعض الحزن كما أخبر النبي ﷺ.
[35]- يرتو أو يرتق: أي يشد ويقوي.
[36] - يسرو: يكشف ويزيل.
[37]- النون: يعني: الحوت. وذو النون: المقصود به يونس بن مَتَّى-عليه السلام- (تفسير ابن كثير:5/ 360)
[38] - صنفه إزاره: بحاشية إزاره.
[39] - آوانا: أي جعل لنا مسكنًا نأوي إليه.
[40] - اللذع: هو الخفيف من حرق النار، وهذا خلاف اللدغ: فهو ضرب أو عض ذات السم.
[41]- رضض الشيء: إذا فتته وجعله جريشًا.
[42] ـ ثريد: خبز يفتت ثم يبل بمرق.
[43]ـ الوَثْء: وجع يصيب العضو من غير كسر.
[44]ـ القسط: عقار معروف في الأدوية طيب الريح، تبخر به النفساء والأطفال.
[45]ـ الغمز: يعنى غمز لهاة الصبي إذا سقطت بالإصبع.
-[46] الأخدع: بخاء معجمة ودال وعين مهملتين، قال أهل اللغة: هو عرق في سالفة العنق.
-[47] الكاهل: ما بين الكتفين
[48]- اكتحل وترًا: أي في العين اليمنى، وأما اليسرى فمرتين، كما جاء مفصلًا في بعض الأحاديث الصحيحة. (قاله الألباني – رحمه الله – كما في "الصحيحة:633").
[49]- لُدِغَ: أي لدغته عقرب كما في رواية الترمذي.
[50]- جُعلًا: أي أجرة، وقد أعطوهم ثلاثين شاة كما في رواية أخرى للبخاري.
[51]- أم القرآن: أي الفاتحة.
[52] ـ ضمدها: الضماد هو العصابة، وهي التي تشد على الجرح.
[53] - تَدْغَرْن: الدغر هو غمز الحلق من الوجع الذي يُدعى العذرة.
[54] ـ بالغمْز: بالعصر برؤوس الأصابع.
-[55] موشي: يعني مزخرف.
[56] - العجوة: قال الجوهري: ضرب من أجود التمر بالمدينة، ونخلتها تسمي لينة۔
[57] - العالية: ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا، والمقصود بها عالية المدينة مما يلي نجد، وجمعها عوالٍ، وهي ما كان في الجهة الجنوبية من المدينة وأدناها إلى المسجد النبوي يبعد ميلا، واختلفوا في أقصاها، فقال بعضهم: يبعد ثلاثة أميال، وقال آخرون: يبعد ثمانية أميال، (انظر وفاء الوفاء للسمهودي: 4/1260) وقال القاضي: وأدني العالية ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية من المدينة۔ أ هـ
[58] – الترياق: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين وهو معرب (النهاية لابن الأثير: 1/188)
[59] - أول البكرة: هو بمعنى من تصبح وجاء في رواية: على ريق النفس"، والمراد أكلها في الصباح قيل أن يأكل أي شيء آخر۔
[60] - مفؤود: هو الذي أصيب فؤاده، كما قالوا لمن أصيب بطنه مبطون
[61]- الدُّوام أو الدُّوار: بضم الدال وتخفيف الواو بمعنى واحد: وهو ألم يصيب الرأس ويسبب دُاور الرأس.
[62] - الكمأة: نوع من الدرينيات والجذور التي لا ورق لها ولا ساق تخرج في الارض بدون زرع، وتكثر أيام الخصب وكثرة المطر والرعد، وقيل: هو نبات يقال له أيضًا: شحم الأرض ويوجد في الربيع تحت الارض وهو أصل مستدير كالقلقاس، لا ساق له ولا عرق، لونه يميل إلى الغبرة، وهو من النوادر
[63] - المنّ: قيل من جنس المنّ الذي نزل علي موسي -عليه السلام- وقومه، وقيل هو ما امتن الله به على عبادة بدون علاج فهو شيبة به، وكونها من المن لأنها تخرج بلا مؤونة ولا كلفة كما أن المن كذلك، وقيل: لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة۔
[64] - شفاء للعين: هذا من طبّه ﷺ ونحن نؤمن بذلك إيمان اليقين، ولكن ينبغي الرجوع في ذلك الي ذوي الاختصاص من أهل الطب النبوي۔
([65] ) التُرس : ما يُتوقى به في الحرب ( المعجم الوسيط ( 1/83 )
[66] ـ الصاع: أربعة أمداد.
[67] ـ يعتلجان: يتصادمان ويتدافعان
[68]ـ والصِفر: الفارغ
[69] - (B.B.C Omline Network B.B.Arabic News.)
[70]- العنوسة: بقاء البنت البالغة طويلا دون زواج.
[71]- الأيومة: المرأة إذا فقدت زوجها (المعجم الوجيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج5.معاني القران للنحاس

ج5.معاني القران للنحاس ج5. الكتاب : معاني القرآن الكريم المؤلف : ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس أي والحافظاتها ونظيره ... ...