أنواع الصدقات وفضلها

 أنواع الصدقات وفضلها  إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله ُفلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولُه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران: 102)

 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70-71)

 

أما بعد....

فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى -، وخير الهدي، هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

 

 

 

 

نبض الرسالة

أنواع الصدقات وفضلها

1- من الصدقات: سقيا الماء:                        2- من الصدقات: إطعام الطعام:

3- من الصدقات: القرض الحسن:                    4- من الصدقات: منيحة اللبن:

5- من الصدقات: صدقة المقل:                      6- من الصدقات: اقراض الدراهم (منيحة الفضة):

7- من الصدقات: ظل فسطاط أو منحة خادم أو طروقة فحل:

8- من الصدقات: زراعة الزرع أو غرس الشجر المثمر بنيه طيبة:

9- من الصدقات: صدقة السر:                      10- من الصدقات: صدقة الصحيح الشحيح:

11- من الصدقات: الصدقة عن ظهر غنى:

12- من الصدقات: الصدقة على الزوج:

13- من الصدقات: الصدقة والأنفاق على الزوجة:

14- من الصدقات: الصدقة والأنفاق على الأولاد:

15- من الصدقات: الصدقة والأنفاق على الآباء:

16- من الصدقات: الصدقة على الأقارب:

17- من الصدقات: الصدقة على ذي الرحم الذي يغمر العداوة في باطنه:

18- من الصدقات: الصدقة على العصاة ليستغنوا بها عن الحرام:

 19- من الصدقات: الصدقة على النفس:

20- من الصدقات: أنظار المعسر والتجاوز عن المُوسرِ:

21 - من الصدقات: قضاء الدين عن الميت:

22- من الصدقات: عتق الرقاب:

 23- من أفضل الصدقات: الصدقة الجارية:

24- من الصدقات: الإعانة على العبادة:

25- من الصدقات: أداء الأمانة، والمحافظة على أموال الغير:

26- صدقات لا تغفل عنها:

27- من الصدقات: بذل المعروف:

  28- من الصدقات: المؤازرة بالجاه:

29- من الصدقات: أن يعفو الإنسان عمن أذاه في جسده بجرح أو غيره:

30- من الصدقات: المسامحةُ في الحقوق، والتصدُّقُ بالعِرضْ:

  31- من الصدقات: إمساك الشر عن الناس:

أنواع الصدقات وفضلها

1- من الصدقات: سقيا الماء:

- فقد أخرج البيهقي في" الشعب" بإسناده عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال:

 " ليس صدقةٌ أعْظَم أجْرًا من مَاءٍ ". (صحيح الترغيب والترهيب:960)

- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث سعد بن عبادة t قال: قلت: يا رسول الله ﷺ إن أمي ماتتْ أفأ تصدقُ عنها؟ قال:" نعم"، قلت: فأيُّ الصدقةِ أفضل؟ قال: "سُقي الماء^([1])". فتلك سقاية سعد بالمدينة.  (صحيح الجامع: 1113)

- وعند أبي داود بلفظ:" قلت: يا رسول الله إنَّ أمي ماتتْ فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: " الماء "، فحفر بئرًا، وقال هذا لأم سعد ".

- وعند أبي داود أيضًا بلفظ: " أيُّ الصدقة أعجب إليك؟ قال: " الماء ".  (صحيح أبي داود: 1473)

- وأخرجه الطبراني بلفظ:" إنَّ أمي توفيت، ولم توصِ أفينفعُها أن أتصدَّقَ عنها؟ قال: "نعم، وعليك بالماء". (صحيح الترغيب والترهيب:961)

 

أ - فضل سقاية الحاج:

أخرج البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: إن رسول الله ﷺ جاء إلى السقاية، فاستسقى، فقال العباسُ: يا فضلُ، اذهب إلى أمِّك، فائتِ رسول الله ﷺ بشراب من عندها. فقال "اسقني". قال يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: "اسقِني". فشربَ منهم. ثُمَّ أَتَى زمزمَ، وهم يستقون ويعملون فيها، فقال: "اعملوا، فإنكم على عملٍ صالح"، ثم قال ﷺ:" لولا أن تُغلَبوا، لنزلتُ حتى أضَعَ الحبلَ على هذِهِ"- وأشار إلى عاتقه-.

 

ب - فضل من سقى مسلًما على ظمأ:

من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله- تعالى- يوم القيامة من نهر الجنة:

فقد أخرج الإمام أحمدُ وأبو داودَ والترمذي من حديث أبي سعيدٍ الخُدريt  قال: قال رسول الله ﷺ:

" أيما مسلمٍ كسا مُسلمًا ثوبًا على عُريٍ، كساه الله- تعالى- من خُضْرِ الجنة، وأيُّما مسلم أطعمَ مسلمًا على جوعٍ، أطعمه الله- تعالى- يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا على ظمأٍ، سقاه الله- تعالى- يوم القيامة من الرحيقِ المختوم".

 

جـ - فضل سقيا البهائم:

قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقره:110)

وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ "وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة:7-8)

- وأخرج ابن حبان من حديث جابر t قال: قال رسول الله ﷺ: " من حفر ماءً لم تشرب منه كَبِدٌ حَرَّي^([2]) من جنٍّ، ولا إنسٍ، ولا طائرٍ، إلا آجَرَهُ اللهُ يومَ القيامة ".  (صحيح الترغيب والترهيب:963)

 

- وأخرج ابن حبان وابن ماجه عن محمود بن الربيع أن سراقة بن جُعْشُمٍ t قال: يا رسول الله! الضالة ترد على حَوْضِي فهل فيها أجْرٌ إن سقيتها؟ قال: " اسقها فإن في كل ذاتِ كبد حَرَّي أجْرًا ".

                                                                     (صحيح الترغيب والترهيب:957)

 

- وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما -: أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: إني أنزعُ في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد عليّ البعيرُ لغيري فسقيتهُ فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله ﷺ: "في كل ذات كَبِدٍ حَرَّي أجر".  (صحيح الترغيب والترهيب:956)

 

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t: قال: قال رسول الله ﷺ: "بينما رجلٌ يمشي بطريق أشتد عليه الحَرُّ فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهثُ^([3]) يأكل الثرى من العطش، فقال الرجُل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان مني، فنزل البئر فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمسكهُ بفيه حتى رَقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر لهُ". قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرًا؟ قال:" في كل كبد رَطْبَةٍ أجْرٌ" وفي لفظ للبخاري: " فشكر الله له فأدخله الجنة ".

 

وأخرج البخاريُّ ومسلم من حديث أبي هريرةَ t قال: قال رسول الله ﷺ: " بينما كلبٌ يُطيفُ^([4]) بِرَكيَّةٍ^([5]) كاد يقتلهُ العطشُ، إذ رأته بَغيٌ من بغايا بني إسرائيلَ فنزعتْ مُوقها^([6]) فاستقت له به فغُفر لها

- وفي لفظ للبخاري: غُفر لامرأة مومسة مرت بكلبٍ على رأس رَكيٍّ  كاد يقتلُهُ العطشُ، فنزعتْ خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت^([7]) له من الماء، فغُفر لها بذلك

 

د - سقيا الماء من الصدقة الجارية التي تلحق العبد بعد موته:

- وأخرج ابنُ ماجهَ وابنُ خزيمةَ من حديث أبي هريرةt  قال: قال رسول الله ﷺ:" إنَّ مما يلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناته، بعد موته، علمًا علمه ونشره، وولدًا صالحًا تركهُ، أو مصحفًا وَرَّثَهُ، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه - وفي رواية: أو نهرًا كَرَاه^([8])، وصدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته ". (صحيح الجامع: 2231)

                                       

وأخرج البزار وابن خزيمة وأبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ:

 "سَبعٌ يجري للعبد أجرُهنَّ، وهو في قبره بعد موته: من علم علمًا، أو أجري نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّثَ مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته".

                                                                     (صحيح الترغيب والترهيب: 958) (صحيح الجامع: 3602)

        

هـ - فضل من حفر بئًرا لسقيا الماء، أو أجرى نهًرا يبتغي به وجه الله:

أخرج ابن خزيمة وابن ماجه من حديث جابر t قال: قال رسول الله ﷺ :" من حفَرَ بئرَ ماءٍ لم يشرب منه كَبِدٌ حَرَّى من جِنٍّ، ولا إنسٍ، ولا طائرٍ، إلا آجره اللهُ يوم القيامة، ومن بنى مسجدًا كمفحص قطاةٍ، أو أصغرَ، بنى اللهُ له بيتًا في الجنة ".   (صحيح الترغيب والترهيب:271)

   

 و - سقيا الماء سبيل لدخول الجنة: 

 أخرج الإمامُ أحمدُ وابنُ حبان والبيهقي عن البراء بن عازب t قال: جاء أعرابيُّ إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، علمني عملاً يدخلُني الجنة، قال ﷺ:" إن كُنتَ اقصرت الخُطبة، لقد أعرضتَ المسألة؛ أعتق النسمة، وفكَّ الرقبة، فإن لم تُطِقْ، فأطعم الجائعَ، واسْقِ الظمآن، وأمر بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، فإن لم تُطق ذلك، فَكُفَّ لسانَكَ إلَّا عَنْ خَيْرٍ".   (صحيح الترغيب والترهيب: 2853)          

 

 

 

 

 

 

 

2- من الصدقات: إطعام الطعام:

قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴿8﴾   إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴿9﴾ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴿10﴾   فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} (الإنسان:8-11)

 أ - إطعام الطعام سبب في اقتحام العقبة:

قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿11﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿12﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿13﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿14﴾ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿15﴾ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} (البلد:11-16)

ب - إطعام الطعام من أفضل الأعمال عند الله- تعالى-:

فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن عمرَ بنِ الخطابِ t قال: "سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: إدخالك السرور على مؤمن^([9])؛ أشبعتَ جوعتَه، أو كسوتَ عورتَه، أو قضيت له حاجةً ".   

                                                                           (صحيح الترغيب والترهيب:954)

- وأخرج أبن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والطبراني في الكبير من حديث ابنِ عمرَ-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله U سرورٌ تدخلُهُ على مسلمٍ، أو تكشفُ عنه كُربةً، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطردُ عنه جوعًا، ولأنَ أمشِيَ مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في المسجد شهرًا، ومن كَفَّ غضَبه، ستر اللهُ عورَتَهُ، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أنْ يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشي مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتَها له، أثبت اللهُ- تعالى- قدمه، يوم تزلُ الأقدامُ، وإن سوءَ الخُلُق ليفسدُ العمل، كما يُفسد الخلُّ العسل".                    

                                                                                         (الصحيحة:906) (صحيح الجامع:176)

- وأخرج ابنُ أبي الدنيا في " قضاء الحوائج"، والبيهقي في "شُعب الإيمان" من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" أحبُ العباد إلى الله- تعالى- أنفعهم لعياله ". (صحيح الجامع:172)

- وأخرج ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال:" أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينًا أو تطعمه خُبزًا ".

                                                                                 (صحيح الجامع:1096)

وهذا يرفع الوحشة، ويؤلف بين المسلمين، وتزداد المحبة بينهم، ويحصل الود والرحمة والتراحم، وكل هذا سبيله دخول الجنة، كما ثبت في الصحيحين:" لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا".

 وأخرج الإمام أحمد والطبراني من حديث عبادةَ بن الصامتِ t قال: بينما أنا عندَ رسولِ اللهِ ﷺ إذ جاءه رجلٌ، فقال يا رسول الله! أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، وحج مبرور"، فلما وَلَّى الرجل، قال: وأهْوَنُ عليك من ذلك: إطعام الطعام، ولين الكلام، وحسن الخلق، فلما وَلَّى الرجل، قال: "وأهون عليك من ذلك: لا تتهم الله على شيء قضاه عليك ". (صحيح الترغيب والترهيب:1307)                               

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما - أن رجلاً سأل النبيَّ ﷺ أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: "تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ".

جـ - خير الناس من يطعم الطعام:

فكما أن إطعام الطعام من أفضل الأعمال، ففاعله من أفضل الناس وأحسنهم؛

- فقد أخرج أبو يعلى والحاكم عن صُهيب t قال: قال رسول الله ﷺ:

" خيرُكُم من أطعمَ الطعامَ، وردَّ السلام ". (صحيح الجامع:3318) (الصحيحة:1480)

- وفي رواية ابن حبان عن حمزةَ بنِ صُهيب عن أبيه t قال: قال عمُرt لصهيب: فيك سَرَفٌ في الطعام! فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول:" خِيارُكم من أطعم الطعام ".(صحيح الترغيب والترهيب:948)

 

هـ - إطعام الطعام أجرُه كبيرٌ، وهو مدخورٌ عندَ ربِّ العالمين:

- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ:

 " إذا انفقت المرأةُ من طعامِ بيتِها غيرَ مفسدةٍ، كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجرُه بما أكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا ".     

- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:"إنَّ اللهَ U يقول يومَ القيامة: يا ابنَ آدمَ مرضتُ فلم تَعُدْنِي، قال: يا رَبّ كيف أعُودُكَ وأنت رَبُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مَرِضَ فلم تَعُدْهُ، أما علمتَ أنك لو عُدْتَهُ لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم أستطعمتك فلم تُطْعمني، قال يا ربُّ وكيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين؟ قال أما علمت أنه أستطعمكَ عبدي فلان فلم تُطْعِمْه، أما علمتَ أنك لو أطعمتَهُ لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابْنَ آدم اسْتَسْقَيْتُكَ فلم تُسْقني، قال يا ربُّ كيف أسْقيك وأنت رَبُّ العالمين؟ قال اسْتَسْقَاكَ عبدي فلانٌ فلم تُسْقِهِ أما إِنك لو سَقَيْتَهُ لوجدتَ ذلك عندي ".

 

 

 و - إطعام الطعام يلين القلب القاسي:

- فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني في "مكارم الأخلاق" عن أبي هريرة t قال: إن رجلًا شكا إلى رسول الله ﷺ قسوةَ قلبِهِ، فقال له:" إن أردت تليين قلبك، فأطعمْ المسكينَ، وأمسحْ رأسَ اليتيم ".

                                                                    (الصحيحه:845) (صحيح الجامع:1410)

- وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء t قال: قال رسول الله ﷺ:" أتحبُّ أن يلينَ قلبُك وتدرِكَ حاجتَكَ؟ أرحَمِ اليتيمَ، وأمسحْ على رأسه، وأطعمْه من طعامك، يَلِنْ قلبُك، وتُدْرِكْ حاجتك ".

                                                                      (الصحيحة:854) (صحيح الجامع:80)

ز - من صور إطعام الطعام: إطعام الصائمين:

وإطعام الصائمين فيه فضل كبير، وأجر عظيم، حيث له مثل أجر الصائم؛

فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن زيد بن خالد t عن النبي ﷺ قال:" مَنْ فَطَّرَ صائمًا كان له مثلُ أجرِهِ، غير أنه لا ينتقصُ من أجرِ الصائمِ شيئًا ".  (صحيح الجامع:6415)

- وفي حديث أخر أخرجه البيهقي من حديث زيد بن خالد t قال: قال رسول الله ﷺ:" من فَطَّر صائمًا، أو جهَّز غازيًا، فله مثلُ أجرِه ". (صحيح الجامع: 6414)

نصيحة:

على الزوجةِ أن تصحِّح النيةَ عندَ إعدادِ الطعامِ للزوجِ والأولادِ في رمضانَ وفي غيره من أيامِ الصيام؛ وهذا فيه من الأجر العظيم، والذي تستطيع أن تتحصل عليه الزوجةُ عند إعداد الطعام للزوج والأولاد؛

ويدل على هذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أنس t قال: كنا مع رسولِ اللهِ ﷺ في السفر فمنا الصائمُ ومنا المفطرُ، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حار، أكثرنا ظلًا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُّوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله ﷺ: ذهبُ المفطرون اليوم بالأجر".

فهؤلاء مفطرون وذهبوا بالأجر، فما نقول في كون القائم على خدمة الصائم صائمًا مثله، فمما لا شك فيه أن أجره مضاعف، بل لا نبالغ إن قلنا: إن كثيرًا من الرجال حرموا هذا الأجر، وخص الله به النساء، فعلى النساء أن يحتسبن نية تفطير الصائمين عند إعدادهن الطعام، فيأخذن أجر من تُفطِّر.

 وقد مر بنا في الحديث:" من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائم شيئًا ".

 

حـ - إطعام الطعام يقبله الله- تعالى- وينميه لصاحبه حتى يكون مثل الجبل:

- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ :" من تصدق بعدل تمرة^([10]) من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدُكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل ".

- وفي رواية عند الترمذي بلفظ:" أن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم مهره حتى إنَّ اللقمة لتصير مثل أُحُد ". (صحيح الترغيب والترهيب: 856) (صحيح الجامع: 1902)

- وفي رواية عند الطبراني وابن حبان من حديث عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ:

" إن الله ليُربِّي لأحدِكم التمرة واللقمة كما يربى أحدكم فَلُوَّه أو فصيله حتى تكونَ مثل أُحُد ".

                                                                           (صحيح الترغيب والترهيب: 857)

أخي الحبيب: ما قدر كسرة تعطيها، أوَ ما سمعت أن الرب يربيها، فيراها صاحبها كجبل أُحُد؟! 

ما قدر لقمة لا يبالي بها أحد، حتى تصيرَ كجبلِ أُحُد؟! واعجبًا للقمة كانت قليلة فكثرت؛ وفانية فبقيت؛ إن اللقمةَ إذا أُكِلَتْ صارت أذىً وقبائحَ في الحُشِ، وإذا تصدق بها صارت مدائح عند العرش.

                                                                      (نداء الريان للعفاني – حفظه الله-:1/232)

قال أحد الزهاد: يتزوج أحدُكم فلانةً بنت فلان بالمال الكثير، ولا يتزوج الحور العين بلقمة، أو تمرة، هذا من العجب العجاب!!

ط - إطعام الطعام من وصايا الرسول-صلى الله عليه وسلم-:

إطعام الطعام فضله عظيم وأجره كبير، فهو من أفضل الأعمال عند الملك الدَّيان– سبحانه-، وفاعله من خير الناس وأفضلهم، وأجر الإطعام مدخور عند رب العالمين يجازي عليه يوم القيامة أجرًا عظيمًا، وهو يلين القلب القاسي، ومن فطر صائمًا فله مثل أجره، بالإضافة إلى أنه حرز من النار، ويثقل الموازين يوم القيامة، وسبيل لدخول الجنة وسكنى الغرف التي أعدها الله لمن أطعم الطعام، وكذلك يطعمه الله من ثمار الجنة، وغير ذلك من الفضائل، مما جعل النبي ﷺ يوصي أمته بإطعام الطعام، لعلمه ﷺ ما في ذلك من فضل عظيم، وأجر كبير؛

- فقد أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله ﷺ :" أطعموا الجائع، وعُودوا المريض، وفكُوا العاني^([11]) ".

- وأخرج الطبراني في الكبير عن الحسن بن عليّ-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ

" أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام ". (الصحيحة:1465) (صحيح الجامع:1021)

وأخرج ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" عن جميل بن مُرَّة قال: من اهتبل جوعةَ مسلمٍ فأطعمه غُفِرَ له ".

وكان بعض السلف يقول: إذا كان الله- تعالى- قد غفر لمن سقى كلبًا على شدة ظمئه، فكيف بمن سقى العِطاش، وأشبع الجِياع، وكسا العراة من المسلمين.

بشرى وتحذير: 

من أطعم الطعام وكان في حاجةِ الناسِ زادَهُ اللهُ مِنْ فضلِه، وأقرهم على ما هم فيه من النعم، ومن بخل وتولى نُزعَتْ منه هذه النعمةُ وتحولت إلى غيره؛

- ففي الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" إن لله أقوامًا يختصَّهم بالنِّعمِ لمنافعِ العباد، ويُقرُّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها، نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم ".

                                                                  (الصحيحة:1692) (صحيح الجامع: 2164)

- وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:

" ما مِنْ عبدٍ أنعمَ اللهُ عليهِ نعمةً فأسبغها عليه، ثم جَعل مِن حوائج الناسِ إليه فتبرَّمَ فقد عرَّض تلك النِّعمةَ للزوال ".  (صحيح الترغيب والترهيب:2618)

- وأخرج الطبراني أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:

" إن لله عند أقوامٍ نعمًا أقرَّها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين- مالم يملُّوها-، فإذا ملُّوهم نقلها إلى غيرهم ". (صحيح الترغيب والترهيب:2616)

 

وصدق القائل حيث قال:

                           ليسَ في كلِ حالةٍ وأوانٍ            تتهيــأُ صنائـــعُ الإحســـانِ

                           فــإذا أَمْكَنَتْ فبادِرْ إليها            حذرًا من تَعَذُّر الإمكانِ⁽[12]⁾

وقال فيضُ بن إسحاق-رحمه الله-: " كنت عند الفضيل بن عياض- رحمه الله- فجاء رجلٌ فسأله حاجةً، فألحَّ في السؤال عليه، فقلت: لا تؤذِ الشيخ، فزجرني الفضيل، وصاح عليَّ، وقال: أما علمتَ أن حوائج الناس إليكم نِعمٌ من الناس عليكم؟! فاحذروا أن تملَّوا النعم فتُحوَّل نقمًا، ألا تحمد ربَّك أن جعلك موضعًا تُسْأل ولم يجعلْكَ تَسْأل". (كتاب "الحدائق" لابن الجوزي)

                       وما المرء إلا حيثُ يجعلُ نفسَه    ففي صالح الأعمال نفسَك فَاجْعَلِ⁽[13]⁾

 

ك - إطعام الطعام حرز من النار:

فقد أخرج البخاري من حديث عدي بن حاتم  t قال: قال رسول الله ﷺ في حديث له:"... أتقوا النار ولو بشق تمرة ".

 

ل - إطعام الطعام يثقل الميزان يوم القيامة:

فقد أخرجَ ابنُ حبان بسند فيه مقال عن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ:

" تعبد عابدٌ من بني إسرائيل، فعبد الله في صومعته ستين عامًا، فأمطرت الأرض فاخضرَّت، فأشرف الراهب من صومعته، فقال: لو نزلتُ فذكرتُ الله فازددت خيرًا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأةٌ فلم يزل يكلِّمها وتكلِّمه حتى غشيها، ثم أغمي عليه، فنزل الغدير يستحم، فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات، فوزنت عبادةُ ستين سنة بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له ". (ضعيف الترغيب والترهيب: 527)

ورواه البيهقي موقوفاً على ابن مسعود t بسند صحيح، وفيه أنه قال:" إن راهبًا عَبَدَ اللهَ في صومعته ستين سنة، فجاءتْ امرأةٌ، فنزلتْ إلى جنبه، فنزل إليها فواقعها ستَ ليالٍ، ثم سُقط في يده فهرب فأتى مسجدًا فأوى إليه فيه ثلاثًا لا يطعم شيئًا، فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلًا عن يمينِه نصفَه وأعطى آخرَ عن يساره نصفَه، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه، فوضعت الستون في كفة ووضعت الستة في كفة فرجحت،- يعني الستة-، ثم وُضع الرغيفُ، فرجح - يعني رجح الرغيف الستة-".                                      

                                                                         (صحيح الترغيب والترهيب: 885)

كان الفضيل بن عياض- رحمه الله- يقول: نعم السائلون، يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجر، حتى يضعوها في الميزان بينَ يدي الله- تعالى-.

م - إطعام الطعام سبيل لدخول الجنة:

- أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن سلام t قال: أول ما قدم رسول الله ﷺ إلى المدينة أنجفل الناس ^([14]) إليه فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واستثبته^([15]) علمت أي وجهه ليس بوجه كَذَّاب . قال: وكان أول، ما سمعت من كلامه أن قال:" أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ". 

                                                      (صحيح الترغيب والترهيب: 949) (صحيح الجامع: 7865)

- وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:

" اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام ".

                                                    (صحيح الترغيب والترهيب: 945) (صحيح الجامع:1041)

- وأخرج الطبراني وابن حبان والحاكم عن أبي شريح t قال: يا رسول الله، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال:" طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام ".

- وأخرجَ الإمامُ أحمدُ وابنُ حِبَّانَ من حديث أبي هريرة t قال: قلت: يا رسولَ الله! أخبرني بشيءٍ إذا عملْتُه دخلتُ الجنة، قال:" أطعمْ الطعامَ، وأفشِ السلامَ، وَصِل الأرحامَ، وَصَلِّ بالليل والناسُ نِيَامٌ، تدخل الجنة بسلام".

- وأخرج الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي في السنن الكبرى من حديث البراء بن عازب t قال:

"جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة، قال:" إن كنت أقصرتَ الخُطْبة لقد أعرضتَ المسألة: أعتق النَّسَمة، وَفُكَّ الرقبة، فإنْ لم تُطقْ ذلك، فأطعم الجائع، واسقِ الظمْآن".          

                                                                            (صحيح الترغيب والترهيب: 951)

- وأخرج الإمام مسلم وابن خزيمة عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ " فقال أبو بكر t: أنا، فقال:" من أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ " فقال أبو بكر: أنا، فقال: " من تَبعَ منكم اليومَ جَنَازَة؟" فقال أبو بكر: أنا، فقال: "من عاد منكم اليوم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله ﷺ:" ما اجتمعت هذه الخصال قَطُّ في رَجُلٍ، إلا دخل الجنة ". - وفي رواية: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".

- وعند البخاري في الأدب المفرد بلفظ:" ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة ".    

                                                                               (صحيح الأدب المفرد: 195)

- وأخرج الطبراني في الكبير عن عبدالله بن الحارث t قال: قال رسول الله ﷺ:" أطِعموا الطعام، وأَفْشوا السلام، تُوَرثَّوا الجنان ". (الصحيحة: 1466) (صحيح الجامع: 1022)

- وأخرج الإمام أحمد عن حذيفة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من خُتِمَ له بإطعام مسكين محتسبًا على الله U دخل الجنة، ومن ختم له بصوم يوم محتسبًا على الله U دخل الجنة، ومن خُتِمَ له بقول: لا إله الا الله محتسبًا على الله U دخل الجنة ". (الصحيحة: 1645)

- وأخرج البخاري في" الأدب المفرد" والحاكم وابن حبان عن هانئٍ بن يزيد t أنه لما وفد على رسول الله ﷺ قال: يا رسول الله، أي شيء يُوجب الجنة؟ قال ﷺ:" عليك بحُسن الكلام، وبذل الطعام ".

                                                                  (الصحيحة: 1939) (صحيح الجامع:4049)

ن - إطعام الطعام رفعة في درجات الجنة:

فقد أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في "الشعب" من حديث أنس t قال: قال رسول الله ﷺ :

" ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. فأما الكفارات: فإسباغ الوضوء في السَّبْرَات، وانتظار الصلاة، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعامُ الطعام، وإفشاءُ السلام، والصلاةُ بالليل والناسُ نِيَام، وأما المنجيات: فالعدلُ في الغضبِ والرضا، والقصدُ في الفقر والغنى، وخشيةُ الله في السر والعلانية، وأما المهلكات: فشحٌ مُطاع، وهوىً مُتَبع، وإعجابُ المرءِ بنفسِه ".

                                                                        (صحيح الترغيب والترهيب: 453)

والشاهد من الحديث أن النبي ﷺ قال:" وأما الدرجات:" فإطعام الطعام ".

- وأخرج الترمذي من حديث ابن العباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: " أَتَاني الليلةَ آتٍ من ربي " - وفي رواية: " رأيتُ ربي في أحسن صورة، فقال لي: يا محمدُ. قُلتُ: لبيك ربِّ وسعديك. قال: هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قُلت لا أعلم، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثَدْيَيَّ، أو قال: في نَحْرِي، فعلمتُ ما في السماوات وما في الأرض "، أو قال: " ما بين المشرق والمغرب. قال: يا محمد أتدري فِيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: نعم في الدرجات، والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وإسباغ الوضوء في السَّبْرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ. قال يا محمد! قلت لبيك وسعديك، فقال: إذا صليتَ قُل: اللهم إني أسألك فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غيرَ مفتون " قال: " والدرجات: إفشاءُ السلام، وإطعامُ الطعام، والصلاةُ بالليل والناس نيام ".

                                                                    (صحيح الترغيب والترهيب: 302) (صحيح الترمذي:2581)

س - إطعام الطعام ليس فقط سبيل لدخول الجنة فقط، بل هو سبيل لسكن غرف الجنة:

فقد أخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعريt : لمن يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناسُ نِيَام ". (صحيح الترغيب والترهيب: 946)

وفي رواية:" أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلي بالليل والناس نيام ".

 

·    وهذه الغرف في أعلى الجنان حيث يتراءها أهل الجنة كما نتراءى نحن الكواكب.

- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد t قال: قال رسول الله ﷺ: " إن في الجنة ليتراءون أهل الغرف في الجنة كما تراءون الكواكب في السماء ".

 

ع - من أطعم مؤمنًا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة:

فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله ﷺ :

" أيُّما مسلمٍ كسا مسلمًا ثوبًا على عُري، كساه الله- تعالى- من خُضْرِ الجنة، وأيُّما مسلمٍ أطعم مسلمًا على جوع، أطعمه الله- تعالى- يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيُّما مسلمٍ سقى مسلمًا على ظمأ، سقاه الله- تعالى- يوم القيامة من الرحيق المختوم ".

قال ابن رجب -رحمه الله -:

فمن جاد على عباد الله؛ جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.

 

وفهم السلف هذا المعنى وعقلوه؛ فكانوا أحرص الناس على هذا الهدي

- فما هو عليّ t يقول كما عند البخاري في" الأدب المفرد": لأن أجمع نفرًا من إخواني على صاعٍ أو صاعين من طعام؛ أحب إلي من أن أدخل إلى سوقكم فأشتري رقبة فأعتقها ".

- وقال الحسن بن علي- رضي الله عنهما-: "لأن أُطْعم أخًا لي في الله لُقْمةً، أحبُّ إليَّ من أن أتصدق على مسكينٍ بدرهم ".

وكان ابن عمر-رضي الله عنهما - يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه للسائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي من الجفنة فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا، وكان يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، والله يعلم أني أحب السكر "

- وقال أبو السِوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلُّون في هذا المسجد ما أفطر أحدٌ منهم على طعام قط وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس، وأكل الناس معه".

- واشتهى بعض الصالحين من السلف طعامًا وكان صائمًا؛ فوُضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلًا يقول: مَن يُقْرض الَمليّ الوفيّ الغني؟ فقال هذا الرجل الصالح: عبده المُعْدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا ".

- وجاء سائل إلى الإمام أحمد فوضع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائمًا "

 

3- من الصدقات: القرض الحسن:

يقول السعدي -رحمه الله- في تفسيره " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان صـــ869":

والقرض الحسن: كل نفقه كانت من الحلال إذا قصد بها العبد وجه الله- تعالى-، وطلب مرضاته، ووضعها في موضعها. أهــ   ولا تأخذ زيادة على أصل المال.

وقد بين النبي ﷺ: أن كل قرض حسن هو صدقة:

- فقد أخرج الطبراني في الصغير عن عبدالله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال: " كُل قرض صدقة ".

                                                      (صحيح الترغيب والترهيب: 899) (صحيح الجامع: 4542)

- وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود t أن النبي ﷺ قال:" ما من مسلمٍ يُقرِضُ مسلمًا قرضًا مرتين، إلا كان كصدقتها مرة ". (صحيح الجامع: 5769)

- وعند الإمام أحمد بلفظ:"إن السَّلفَ يجري مجرى شَطرِ الصَّدقَةِ ". (الصحيحة: 1553) (صحيح الجامع: 1640)

- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال:" لأَنْ أقرض رجلًا دينارًا فيكون عنده، ثم آخذه فأقرضه آخر، أحبُّ إليَّ من أَنْ أتصدق به، فإن الصدقة إنما يكتب لك أجرها حين تَصَدَّقُ بها، وهذا يُكتب لك أجره ما كان عند صاحبه ".

هدية:

في حديث عند الطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة t قال: قال رسول الله ﷺ: " دخل رجل الجنة، فرأى مكتوبًا على بابها: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر ".  (صحيح الترغيب والترهيب: 900)

- وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" من نَفَّسَ على مؤمن كربةً من كرب الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ".

وأخرج الطبراني وابن حبان من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ :" إن ملكًا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض اليوم يُجْزَ غدًا، ومَلَكٌ بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا"             

                                                                                             (صحيح الترغيب والترهيب: 914)

تنبيه وتحذير: من المعلوم أن القرض الحسن من الأعمال الصالحة وفيه من الفضل العظيم والأجر الكبير- كما مر بنا- فمن كان في حاجه أخيه ولم يبخل عليه- زاده الله من فضله، وأقر هذه النعمة فيه، ومن أعرض أو بخل، نزعت هذه النعمة منه وتحولت إلى غيره

وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في" قضاء الحوائج" والطبراني في" الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" إنَّ للهِ أقوامًا يختصُهم بالنعمِ لمنافع العباد، ويقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها، نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم".  (صحيح الجامع: 2164)

4- من الصدقات: منيحة اللبن:

والمنيحة في الأصل: العطية: قال أبو عبيد- رحمه الله-: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما: أن يعطي الرجلُ صاحبه صلةً عن طريق المِلْك فتكون له، والأخر: أن يعطيه ناقةً أو شاةً ينتفع بحلبها ووبرها زمانًا ثم يردهما. والمراد بها في الأحاديث: عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنُها، ثم ترد لصاحبها.

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" ألا رجل يمنح أهلَ بيتٍ ناقة، تغدو بُعسٍّ^([16])، إن أجرها لعظيم ".

- وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ :" من منح منيحةً^([17])، غدت بصدقة، وراحت بصدقة: صَبُوحها^([18]) وغَبُوقها^([19]) ".

- وأخرج البخاري من حديث أبي سعيد t قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فسأله عن الهجرة؟ فقال: " ويحك إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " فتعطي صدقتها؟" قال: نعم، قال: " فهل تمنح منها شيئًا؟" قال: نعم، قال: " فتحلبها يوم وردها؟" قال: نعم، قال: " فاعمل من وراء البحار: فإن الله لن يترك من عملك شيئًا ".

- وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال:" نِعمَ المنيحةُ اللقحةُ - وفي رواية الإمام مالك: نِعمَ الصدقة اللقحة^([20])، الصَّفِيُّ^([21]) منحةً، والشاةُ الصَّفِيُّ تغدو بإناء، وتروحُ بإناء ".

· ومنيحة اللبن أجرها عظيم:

فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال: قال: رسول الله ﷺ :" ألا رجلُ يمنحُ أهل بيت ناقةً، تغدو بعُسٍّ، وتروح بِعُسٍّ؟ إن أجرها لعظيم".

· ومنيحة اللبن كعتق رقبة:

فقد أخرج الترمذي من حديث البراء بن عازب t قال: قال رسول الله ﷺ :" من منيحة لبن، أو وَرِق، أو هدى زقاقًا، كان له مثل رقبةٍ ".

وفي رواية عند الإمام أحمد بلفظ:" من منح منحة وَرِق، أو منحة لبن أو هدى زُقاقًا، فهو كعتق نسمة".

                                                                         (صحيح الترغيب والترهيب:889) (صحيح الجامع:6559)

· ومنيحة اللبن سبيل لدخول الجنة:

- فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: " أربعون خصلةً أعلاهُن منيحةُ العَنْز^([22])؛ ما من عاملٍ يَعملُ بخصلةٍ منها رجاءَ ثوابها، وتصديق موعودها: إلا أدخله الله الجنة".

قال حسان بن عطية -أحد رواة الحديث-:" فَعَدَدْنا ما دون منيحة العنز- من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، ونحوه- فما استطعنا أن نبلغ خمسَ عشرةَ خَصلةً " (رواه البخاري)

قال الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري: 5/290: قال ابن بطال:" وقد بلغني أن بعضهم تطلَّبها، فوجدها تزيدُ على الأربعين، فمما زاده: إعانةُ الصانع، والصَّنْعةُ للأخْرق، وإعطاءُ شِسْعِ النعل، والستر على المسلم، والذبُّ عن عِرضه، وإدخال السرور عليه، والتفسُّح في المجلس، والدلالة على الخير، والكَلمُ الطيب، والغرس، والزرع، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والمحبة في الله، والبُغض لأجله، والمجالسة لله، والتزاور، والنصح، والرحمة، وكلها في الأحاديث الصحيحة، وفيها ما قد يُنازعُ في كونه دون منيحة العنز. أهـ

ثم عقب ابن حجر- رحمه الله- فقال: " بإمكان تتبع أربعين خصلةً من خصالِ الخير أدناها منيحة العنز".

5- من الصدقات: صدقة المقل:

قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9)

وأخرج أبو داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي هريرة t قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ الصدقةِ أفضل؟ قال:" جُهْدُ المُقِلِّ^([23]) وابدأ بمن تعول ".   (صحيح الترغيب والترهيب: 882) (صحيح الجامع:1112) (الصحيحة:566)

- وأخرج أبو داود والنسائي واللفظ له من حديث عبدالله بن حبشي الخثعمي t أن النبي ﷺ سُئل أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة"، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: " طول القنوت "، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد المقلِّ "، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: " من هجر ما حرم الله U "، قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: " من جاهد المشركين بماله ونفسه "، قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال:" من أهريق دمه وعُقر جواده ". (صححه الألباني في صحيح النسائي)

- وأخرج أبو داود والترمذي عن أم بُجيدٍ-رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله! إن المسكين لَيَقُومُ على بابي، فما أجد شيئًا أعطيه إياه، فقال لها النبي ﷺ:" إنْ لم تَجِدي له شيئًا تعطينَهُ إيَّاه إلا ظِلفًا^([24]) مُحرقًا فادفعيه إليه في يده". - وفي رواية:" لا تَرُدّي سائلك ولو بظلفٍ مُحَرقٍ ". (صحيح الترغيب والترهيب: 884)

وصدق النبي ﷺ حيث قال: " لا تحقرن من المعروف شيئًا ".   (رواه مسلم)

- وأخرج ابن عدي في الكامل عن جابر t قال: قال رسول الله ﷺ:" إذا أتاكم السائل، فضعوا في يده ولو ظِلفًا مُحَرقًا". (صحيح الجامع: 267)

- وأخرج الإمام مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منها تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد ان تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ فقال:" إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أعتقها بها من النار ".

- وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله t قال:" كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال فجاء قوم حُفاةٌ عراةٌ مجتابي النمار^([25]) أو العباء، .... وفي الحديث: أن النبي ﷺ دعا الناس إلى الصدقة، فقال:" تصدق رجل من ديناره، ومن درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة ..... ". الحديث

وقد مر بنا قول أحد الزهاد: يتزوج أحدكم فلانة بنت فلان بالمال الكثير، ولا يتزوج الحور العين بلقمة أو تمرة، هذا من العجب العجاب.

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود t قال: لما أُنزِلَتْ آيةُ الصدقات كنا نُحامل^([26])، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مُرَاءٍ، وجاء رجل فتصدق بصاعٍ، فقالوا: إن الله لغنيٌّ عن صدقة هذا، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. (التوبة: 79)

- وفي رواية: أُمِرْنا بالصدقة، قال: كنا نحامل على ظهورنا، قال: فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، قال: وجاء انسانُ بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ^([27]) الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ 

وفي الحديث: أنه لا ينبغي أن تحتقر الصدقة ولو كانت قليلة، ولا يعاب على من تصدق بما يستطيع ولو كان قليلًا، وأن من عاب عليه فأنه يتصف بصفة من صفات المنافقين" (الزكاة في الإسلام صــ 328)

- وأخرج البخاري ومسلم واللفظ من حديث أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: إني مجهود، فأرسل النبي ﷺ إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء، ثم أرسل إلى الأخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلنَّ كلهنَّ مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله ﷺ: من يضيَّفه هذه الليلة رحمه الله. فقال رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة: أنا يا رسول الله، فأنطلق به إلى رَحْله فقال لامرأته هل عندكِ من شيء ؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج وأريه أنَّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي ﷺ فقال: قد عجب الله U من صنيعكما بضيفكما الليلة. قال: فنزلت هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(الحشر:9)

 

وهذا القليل الذي يتصدق به الإنسان يقبله منه الرحمن وينميه له حتى يكون كالجبل:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال:" من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل".

يقول الحافظ ابن حجر-رحمه الله - كما في فتح الباري: 11/405:" " وفي الحديث الحث على الصدقة، وقبول الصدقة، ولو قلَّت، وقد قُيِّدت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها. أهــ

- وفي رواية عند ابن خزيمة بلفظ: " إن العبد إذا تصدق من طيب، تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه فرباها كما يربى أحدكم مُهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله"، أو قال: في كف الله، حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا ".

- وأخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمنُ بيمينه وإن كانت تمرة، فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله ".

- وعند الترمذي بلفظ: " إن الله تعالى يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحُد، وتصديق ذلك في كتاب الله، قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة:104) وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (البقرة: 276)     (صحيح الترغيب والترهيب:856) (صحيح الجامع:102)

- وأخرج الطبراني وابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: " إن الله ليُربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فَلُوَّه، أو فصيلهُ حتى تكون مثل أُحُد ". (صحيح الترغيب والترهيب:857)

وهذا القليل ربما يكون سبب لنجاة الإنسان من النار:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

" ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيْمَن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أَشْأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة"

وفي رواية: " من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل".

وفي رواية: ذكر لنا رسول الله ﷺ النار، فأعرض، وأشاح بوجهه^([28])، ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض وأشاح بوجهه حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.

قال النووي- رحمه الله - كما في" شرحه على مسلم:7/106": وشق التمرة: يعني نصفها، وجانبها، وفي حديث الحث على الصدقة، وأنه لا يُمتنع منها لقلتها، وأن قليلها سبب للنجاة من النار، وأن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب الإنسان إذا كانت مباحة أو ظالمة. أهـ

بشرى للمتصدق الفقير:

جاء في حديث أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" سبق دِرْهَمٌ مئة ألف دِرْهَم، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: رجل له مالٌ كثير، أخذَ من عُرضه مئة ألف درهم، فتصدَّق بها، ورجلٌ ليس له إلَّا درهمان، فأخذَ أحدَهما، فتصدَّقَ به ".

                                                      (صحيح الترغيب والترهيب: 883) (صحيح الجامع: 3606)

جاء في حاشية السندي على سنن النسائي: 5/58:

ظاهر الحديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المُعْطَى، فصاحب الدرهمين أعطى نصف ماله، في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء، يكون أجره على قدر همته بخلاف الغنى، فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطى فيها عادة". أهـ

 

6- من الصدقات: إقراض الدراهم (منيحة الفضة):

مر بنا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي واللفظ له من حديث البراء بن عازب t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

" من منح مَنِيحةَ لبن، أو وَرِق^([29])، أو هَدَى زُقاقًا^([30])؛ كان له مثلُ رقبةٍ ". (صحيح الترغيب والترهيب: 898)

- وفي رواية: " من منح مِنحة وَرِق، أو منحة لبنٍ، أو هَدَى زُقاقًا: فهو كعتق نسمة".

                                                                                  (صحيح الجامع:6559)

- قال أبو عيسى الترمذي-رحمه الله-: " ومعنى قوله:" من منح منيحة وَرِق " إنما يعني به: قرض الدراهم، وقوله: " أو هَدَى زُقاقًا " قال: إنما يعني به هدايةَ الطريق، وهو إرشاد السبيل ". أهــ

وقال الإمام أحمد-رحمه الله-: منحة الوَرِق: هو القرض، والمنحة قد تكون صلةً على طريق المِلْك، وقد تكون عارية. (شرح السنة للبغوي:6/146)

 

7- من الصدقات: ظل فسطاط أو منحة خادم أو طروقة فحل:

فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي أمامة t  قال: قال رسول الله ﷺ :" أفضل الصدقات ظِلُّ فسطاط في سبيل الله U، أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقةُ فحل في سبيل الله" .

                                                                                  (صحيح الجامع :1109)

 

 

 

8- من الصدقات: زراعة الزرع أو غرس الشجر المثمر بنية طيبة:

قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة:215)

وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} (المزمل:20)

وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة:7- 8)

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس t أن رسول الله ﷺ قال:

" ما من مسلمٌ يَغْرِسُ غَرْسًا، أو يزرعُ زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ، إلا كان له به صدقة ".

 

- وأخرج الإمام مسلم من حديث جابر t قال: قال رسول الله ﷺ :" ما مِنْ مسلمٌ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كان ما أُكِلَ منه له صدقةٌ، وما سُرِقَ منه له صدقةٌ، وما أكل السَّبُعُ منه فهو له صدقة، وما أكلت الطيورُ فهو له صدقةٌ، ولا يَرْزَؤهُ^([31]) أَحَدٌ إلا كان له صدقة ".  (صحيح الجامع: 5768)

- وفي رواية:" لا يَغرسُ مسلمٌ غَرْسًا، ولا يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسانٌ ولا دآبةٌ ولا شيءٌ، إلا كانت له صدقة ".

- وفي رواية أخرى: فلا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسان، ولا دآبَّةٌ، ولا طيرُ، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".

 

- وأخرج الإمام أحمد وابن خزيمة من حديث خَلاد بنْ السَّائب عن أبيه t قال: قال رسول الله ﷺ:

" من زَرَعَ زَرْعًا، فأكل منهُ الطيرُ أو العافيةُ كان لهُ صدقة ".  (صحيح الجامع:6273)

 

- وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء t: أنَّ رجلاً مر به وهو يغرس غرسًا بدمشق فقال لهُ: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله ﷺ؟ قال: لا تعجل عَلَيّ، سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من غرس غرسًا، لم يأكل منه آدمِيٌّ ولا خَلْقٌ من خلق الله، إلا كان له صدقة ". (صحيح الجامع: 6400)

 

- وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث جابر t قال:" دخل النبي ﷺ على أم مُبشر الأنصارية في نخل لها، فقال لها النبي ﷺ:" من غرس هذا النخل؟ مسلمٌ أم كافرٌ ؟، فقالت: بل مسلم، فقال ﷺ: لا يغرس رجلٌ مسلمٌ غرسًا ولا زرعًا، فيأكل منه سبعٌ أو طائرٌ أو شيءٌ، إلا كان له فيه أجر".

 

- وأخرج الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:

" لا يَغْرِسُ مُسلمٌ غرسًا، ولا يزرع زرعًا، فيأكل منهً إنسانٌ ولا طائرٌ ولا شيءٌ، إلا كان له أجر ".

                                                                         

 

9- من الصدقات: صدقة السر:

قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}           

                                                                                            (البقرة:274)

 وقال تعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} (إبراهيم:31)

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ   يُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر:29-30)

أ - صدقة السر من أسباب رحمة الله- تعالى-:

أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: " صنائعُ المعروف تقي مصارعَ السُّوء، والصدقة خُفْيًا تطفئُ غضب الربِّ، وصلة الرحم تزيد في العُمْر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، [وأول من يدخل الجنة أهل المعروف] ". والحديث حسن دون قوله:" وأول من يدخل الجنة ...."

                                                                             (صحيح الترغيب والترهيب: 890)

وأخرج الطبراني والضياء عن مُعَاويَةَ بن حَيْدَةَ t عن النبي ﷺ، قال: " إنَّ صدقَةَ السر تُطفئُ غضب الربِّ تبارك وتعالى". (صحيح الترغيب والترهيب: 888) (صحيح الجامع: 3759)

وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان" عن أبي سعيد الخدري t بلفظ: " صدقة السرِّ تُطفئُ غضب الربِّ، وصلةُ الرحم تزيد في العُمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء ". (صحيح الجامع: 3760)

- وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة t قال: قال رسول الله ﷺ: " صنائعُ المعروف تقي مَصارعَ السُّوء، وصدقة السرِّ تطفئُ غَضَبَ الربِّ، وصلة الرحم تزيدُ في العُمْر".

                                                                    (صحيح الترغيب والترهيب: 889) (صحيح الجامع: 3797)

وقفة:

هل هناك تعارض بين قول النبي ﷺ في الحديث السابق " وصلة الرحم تزيد في العمر" وبين قوله تعالى " ﴿

فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ - والجواب: ليس هناك تعارض.

فقد نقل الحافظ ابن حجر في" الفتح: 10/430" عن ابن التين-رحمه الله-أنه قال: والجمع بينهما من وجهين: أحُدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضيعه في غير ذلك، ومثل ذلك ما جاء عن النبي ﷺ أنه تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة، والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت، ومن جملة، ما يحصل له من التوفيق الذي ينتفع له من بعده، والصدقة الجارية، والخلف الصالح

ثانيهُما: أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، كأن يقال للمَلَك مثلاً، إن عمر فلان مائة عام [مثلاً] إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى " يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " فالمحو والأثبات بالنسبة لما في عِلم المَلَك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له " القضاء المُبْرَم" ويقال للأول " القضاء المعلق ".أهــ

وهناك وجه ثالث في معنى زيادة العمر وهي: أن يُرْزَق العبد ولدٌ صالحٌ يدعو له بعد موته ويستغفر له ويؤيد هذا الرأي ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" تُرْفَعُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ دَرَجَتُهُ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: وَلَدُكَ اسْتَغْفَرَ لَكَ".

وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني t قال: قال رسول الله ﷺ:

" إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر: ذرية صالحة، يرزقها اللهُ- تعالى- العبد، فيدعون له بعد موته، فيلحقه دُعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر".  (ضعيف)

وإن كان الحديث ضعيف إلا أن هناك من الأحاديث الصحيحة والتي تغني عنه ومنها:

ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: 

" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم يُنتفع به، وولد صالح يدعو له ".

قال الإمام النووي- رحمه الله- في " شرح مسلم: 11/87": قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجديد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف". أهـ

 

ب - صدقة السر سبيل لمحبة الله- تعالى-:

ودليل ذلك ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له عن أبي ذر t عن النبي ﷺ قال:

" ثلاثةٌ يحبُهم الله، وثلاثةٌ يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قومًا، فسألهم بالله، ولم يسألهم بقرابة بينهم وبينه فمنعوه، فتخلَّفَ رجل بأعقابهم، فأعطاه سرًا لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه، وقومٌ ساروا ليلتهم حتى إذا كان النومُ أحبَّ إليهم مما يعدل به نزلوا، فوضعوا رؤوسهم فقام أحدهم يتملَّقُني ويتلو آياتي، ورجل كان في سَرَّيةٍ، فلقِيَ العدو فهُزموا، وأقبل بصدره حتى يُقتل أو يُفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخُ الزاني، والفقيرُ المُختال، والغني الظلوم ".

 

 

جـ - صدقة السر تقي حر يوم القيامة:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " سبعةٌ يظلهُمُ الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلهُ: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله U، ورجل قلبهُ معلق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُهُ ما تنفق يمينهُ، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ".

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في" فتح الباري: 2/172": المقصود منه المبالغةُ في إخفاء الصدقة، بحيث أن شِمالَه مع قُربها من يمينه وتلازُمهما لو تُصوِّر أنها تَعَلمُ لما علمت ما فعلت اليمنى لشدة إخفائها.

وقال الإمام النووي-رحمه الله-: " وفي هذا الحديث فضلُ صدقة السرِّ، قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع، فالسرُّ فيها أفضلُ لأنه أقربُ إلى الإخلاص وأبعدُ من الرياء، وأما الزكاةُ الواجبة فإعلانها أفضل".

صدقة السر ونماذج من السلف

زين العابدين علي بن الحسين- رضي الله عنهما-:

- قال عنه أبو حمزة الثُمالي: " كان علي بن الحسين يحملُ جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به، ويقول: إنَّ صدقةَ السرَّ تُطفئُ غضبَ الرب ".

- وقال عمرو بن ثابت: لما مات عليّ بن الحسين فغَسّلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحملُ جرب الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة"

- وعن محمد بن إسحاق: " كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهُم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يُؤتَون به في الليل".  (حلية الأولياء:" 3/135-136)

شيخ الإسلام ابن المبارك من الكرماء الأخفياء:

قال عنه محمد بن عيسى: " كان ابنُ المبارك كثير الاختلاف إلى " طرسوس " وكان ينزلُ " الرَّقَّة" في خانٍ، فكان شابٌ يختلفُ إليه، ويقوم بحوائجه ويسمع‘ منه الحديث، فقدم عبد الله مرة فلم يره، فخرج في النفير مستعجلًا، فلما رجع سأل عن الشاب، فقيل: محبوسٌ على عشرة ألاف درهم، فاستدل على الغريم، ووزن له عشرة ألاف، وحَلَّفه ألا يُخبر أحدًا ما عاش، فأُخرج الشاب، وسَرى ابنُ المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من " الرَّقة"، فقال له: يا فتى، أين ما كنت، لم أرَك؟ قال: يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوساً بدَيْن، قال: وكيف خَلَصت؟ قال: جاء رجل فقضى ديني ولم أدر، قال: فاحمد الله، ولم يعلم الرجلُ إلا بعد موت عبدالله " (تاريخ بغداد:10/109)

عبد الرحمن بن الحارث فقيه الأخرة:

ورث عبد الرحمن بن الحارث خمسين ألفًا، فبعث بها سرًا إلى إخوانه وقال: " قد كُنت أسأل لهم الجنة في صلاتي، أفأبخل عليهم بالدنيا!! "

شمس الدين بن المُنيِّر وإخفاؤه للصدقة:

هو الإمام العالمُ العاملُ الزاهد شمس الدين بن المنيِّر البَعْليُّ الشافعي.

قال عنه نجم الدين الغَزِّي " كان يجلس في حانوته ببَعْلُبَكٍّ، وفي كل يوم يضعُ من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة، ويضعُ الأوراق في مكان عنده، وإذا وقف عليه الفقراء ُ أعطاهم من تلك الأوراق ما يخرج من يده، لا ينظرُ في الورقة المدفوعة، ولا في الفقير المدفوع إليه "

                                                              (الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة " لنجم الدين الغزي:2/39-40)

 شيخ الإسلام زكريا الأنصاري واعتقاد الناس قِلَّةَ صدقته لخفائها:

قال عنه صاحب " الكواكب السائرة ": " كان t كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعةٌ يُرتِّبُ لهم من صدقته ما يكفيهم إلى يوم، وإلى جمعة، وإلى شهر، وكان يبالغُ في إخفاء ذلك، حتى كان غالبُ الناس يعتقدون في الشيخ قلةَ الصدقة، وكان إذا جاءه سائلٌ بعد أن كُفَّ بصرُه يقول لمن عنده من جماعته: هل هنا أحدٌ ؟ فإن قال له: لا، أعطاه، وإن قال له: نعم، قال له: قُل له يأتينا في غير هذا الوقت ".

 

تنبيه: تبين من خلال ما سبق أن صدقة السر من أفضل الصدقات وأجرها عظيم وفضلها كبير إلا أن الإعلان بالصدقة لمن أراد أن يُقتدى به جائز، إذا كانت هذه نيته قال تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (البقرة:271)

- فإخفاء الصدقة أقرب إلى الاخلاص، وإذا أظهرها بنية أن يُقتدى به فهو مأجور على ذلك

ودليل ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله t قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله ﷺ فجاءه قوم غُزاة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر بل كلهم من مًضر فتَمعرَّ وجه^([32]) رسول الله ﷺ لما رأى ما بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ (النساء:1) وتلا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحشر: 18)

ثم قال النبي ﷺ: " تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُرِّة من صاع تمره ".

حتى قال: " ولو بشق تمرة " قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفه ان تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت وجهَ رسولِ الله ﷺ يتهلل كأنه مذهبة. فقال رسول الله ﷺ: " من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عملِ بها من بعدِه من غير أن يُنقصَ من أجرهم شيء، ومن سن في الإسلام سُنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن يُنقصَ من أوزارهم شيء".

10- من الصدقات: صدقة الصحيح الشحيح:

قال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} (البقرة:177)

قال ابن مسعود t:" أي: يُؤتيه وهو صحيحٌ شحيحٌ، يأمل الغنى، ويخشى الفقر".

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول اللهّ ! أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال:" أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان ".

الشُح عام غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره، فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر، وهو يطمع في الغنى، وهو في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً، لما يخوفه به الشيطان، ويُزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال، ولهذا قال بعض السلف عن بعض أهل الترف: يعصون الله في أموالهم مرتين: يبخلون بها وهي في أيديهم( يعني في الحياة)  ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم (يعني عند الموت) (فتح الباري:5/374) (شرح النووي على مسلم: 7/129)

ويقول الشيخ ابن باز-رحمه الله- تعليقاً على الحديث السابق: " وهذا يدل على أن الصدقة في حال الصحة والشح أفضل، وهذا يدل على قوة الرغبة فيما عند الله، أما المريض فإنه يجود في حال مرضه، لأنه أيس من حياته، وصدقته مقبولة، لكن الأفضل أن تكون في حال الصحة ".

·     فعلى الإنسان أن يغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل مرضه، فينفق ولا يبخل. قال تعالى:

{قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} (إبراهيم:31)                                                                                                                    

- قال العلامة السعدى- رحمه الله- في تفسيره: وقوله: ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ﴾⁽[33]⁾ أي: لا ينفع فيه شيء، ولا سبيل إلى استدراك ما فات، لا بمعاوضة ببيع وشراء، ولا بهبة خليل وصديق، فكل امرئ له شأن يغنيه، فليقدِّم العبد لنفسه، ولينظر ما قدمه لغدٍ، وليتفقدَّ أعماله، ويحاسب نفسه قبل الحساب الأكبر، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة:254) وهذا من فضل الله ولطفه بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم، ليكون لهم ذخرًا وأجرًا في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه، ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهبًا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق: لا بوجاهة، ولا بشفاعة ". (تفسير السعدي صـــ 110) وقال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون:10)

11- من الصدقات: الصدقة عن ظهر غنى:

فقد أخرج الإمام مسلم عن حكيم بن حزام t قال: قال رسول الله ﷺ:

" أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".

- وفي رواية عند البخاري:" اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعففْ يعفه الله، ومن يستغنِ يُغنهِ اللهُ ".

ومعنى قوله ﷺ: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ". أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقدير: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها، ويستظهر به على مصالحه، وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله، لأن من تصدق بالجميع يندم غالبًا، أو قد يندم إذا احتاج، ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنيًا، فإنه لا يندم عليها بل يُسر بها.  (شرح النووي على مسلم:7/131)

وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في "فتح الباري:3/296": " والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية.

 

- وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال:" خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. تقول امرأتُك: انفق عليّ أو طلقني! ويقول مملوكك أنفق عليّ أو بِعْني! ويقول ولدك إلى من تَكِلنا؟! ".

 

- وأخرج البخاري من حديث أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ:" أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ "، تَقُولُ المَرْأَةُ : إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي ، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ العَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي ، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ؟ قَالَ: " لاَ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ ".

فقوله t: " لاَ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ " يقصد به آخر الحديث ، وهو قوله : " تَقُولُ المَرْأَةُ : إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي ، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي⁽[34]⁾ ... " .الحديث

وأخرج الإمام مسلم من حديث جابر tأنه قال: أعتق رجل من بني عُذْرة- في الأنصار-عبدًا له عن دُبر، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال:" ألك مال غيره"؟ قال: لا، فقال: من يشتريه منى؟ فاشتراه نُعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله ﷺ فدفعها إليه، ثم قال له النبي ﷺ:" أبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا ". يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك".

 

فائدة: اختلف العلماء- رحمهم الله تعالى- في الصدقة بجميع المال:

 فقال الإمام البخاري-رحمه الله-: " باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج، أو أهله محتاج، أو عليه دين، فالدين أحق أن يقضي من الصدقة، والعتق، والهبة، وهو ردٌّ عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس، وقال النبي ﷺ:" من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله " إلا أن يكون معروفًا بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر t حين تصدق بماله، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي ﷺ عن إضاعة المال، فليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة.

 يقول كعب بن مالك t: قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ﷺ قال" أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ". قلت" فإني أمسك سهمي الذي بخيبر".

                                                                     (البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى)

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-كما في فتح الباري،3/295:" قال الطبري وغيره: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله، حيث لا دين عليه، وكان صبورًا على الإضاقة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضًا فهو جائز، فإن فُقد شيء من هذه الشروط كره. وقال بعضهم: هو مردود، وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله، ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر السابق ذكرها: فإنه ﷺ باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره، لكونه كان محتاجًا. وقال أخرون: يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان، وهو قول: الأوزاعي، ومكحول. وعن مكحول أيضاً يرد ما زاد على النصف. وقال الطبري-رحمه الله-: والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعًا بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم".                                    

وقال النووي-رحمه الله-: " وقد أختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه، ولا له عيال لا يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضاقة، والفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه".  (شرح النووي على صحيح مسلم،7/131)

 

 

 

12- من الصدقات: الصدقة على الزوج:

فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ له من حديث زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود-رضي الله عنهما - قالت: قال رسول الله ﷺ: " تصدَّقنَّ يا معشر النساء ولو من حُليِّكُنَّ " قالت: فرجعتُ إلى عبدالله ابن مسعود فقُلتُ: إنك رجل خفيف ذات اليد⁽[35]⁾ وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني⁽[36]⁾ وإلا صرفتُها إلى غيركم، فقال عبد الله: بل ائتيهِ أنت، فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتها حاجتي، وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال فقُلنا له: ائتِ رسولَ الله ﷺ فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتُجزئ الصدقةُ عنهما على أزواجهما؟ وعلى أيتام في جُحُورهما⁽[37]⁾؟ ولا تُخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله ﷺ فسأله فقال له رسول الله ﷺ: " من هما؟ " فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله ﷺ: " أيُّ الزيانبُ؟ " قال: امرأةُ عبد الله ابن مسعود، فقال رسول الله ﷺ:" [نعم] ولهُما أجران: أجرُ القرابة وأجر الصدقة ".

- وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم عن أبي سعيد أن زينب امرأة ابن مسعود: قالت: يا نبي الله إنك أمرتَ اليومَ بالصدقةِ وكان عندي حُلِّيٌّ لي فأردت أن أتصدق بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي ﷺ: " صدق ابنُ مسعود: زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ".

قال الإمام النووي-رحمه الله- تعليقًا على الحديث السابق: " فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام، وأن فيها أجرين". (شرح النووي على صحيح مسلم:7/92)  

 

 

13- من الصدقات: الصدقة والأنفاق على الزوجة:

- أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي مسعود البدري t عن النبي ﷺ قال:" إذا أنفق الرجُلُ على أهلِه نفقةً وهو يحتسبها⁽[38]⁾، كانت له صدقة ".

- وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أنفق على نفسِه نفقةً يستعفُّ بها فهي صدقة، ومن أنفق على أمراته وولده وأهل بيته فهي صدقة ".

 

- وفي مسند الإمام أحمد عن المقدام بن مَعْدي كرب t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما أطعمت نفسك فهُو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة".   (الصحيحة: 452) (صحيح الجامع:5535)

 

- وأخرج البخاري عن سعد بن أبي  وقاص t قال: كان رسول الله ﷺ يَعُودُني عام حجة الوداع من وجع أشتد بي، ثم قال: " وإنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعل فِي فِيِّ أمرأتك ".

 

 

- وأخرج الإمام أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث العرباض بن سارية t قال سمعت رسول الله ﷺ يقول:" إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجِر " قال: فأتيتها، فسقيتها، وحدثتها بما سمعت من رسول الله ﷺ".  (صحيح الترغيب والترهيب: 1963)

 

- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" دينار أنفقتهُ في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقتهُ على أهلك ".

 

- وأخرج الطبراني وأبو يعلى من حديث عمرو بن أمية قال: مر عثمان بنُ عفان أو عبدُ الرحمن ابنُ عوف بِمِرْطٍ⁽[39]⁾واستغلاه، قال: فَمرَّ به على عمرو بن أمية فاشتراهُ فكساه امرأته سُخَيْلَةَ بنت عُبيدة بن الحارث، فمر به عُثمان أو عبد الرحمن بن عوف، فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت؟ قال عمرو: تصدقت به على سُخيلة بنت عبيدة، فقال: أو كُلُّ ما صنعت إلى أهلك صدقة؟ فقال عمرو: سمعت رسول الله ﷺ يقول ذاك، فَذُكر ما قال عمرٌو لرسول الله ﷺ فقال: " صدق عَمْرٌو كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم ".

 

- وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامه t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أنفق على نفسه نفقة يستعف بها فهي صدقة، ومن أنفق على أمرأته وولده، وأهل بيته فهي صدقة ".  (صحيح الترغيب والترهيب:1957)

 

- وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال يومًا لأصحابه:

" تصدقوا"، فقال رجل: يا رسول الله! عندي دينار، قال: أنفقه على نفسك" قال إن عندي آخَرَ، قال، أنفقه على زوجتك، قال: إن عندي آخَرَ؟ قال: " أنفقه على ولدك" قال: أن عندي آخَرَ، قال " أنفقه على خادمك" قال: عندي آخَرَ، قال: " أنت أبصر به". (صحيح الترغيب والترهيب: 1958)

- في راويه ابن حبان: " تصدق" بدل " أنفق" في الكُل

 

 

            

14- من الصدقات: الصدقة والإنفاق على الأولاد:

- أخرج الإمام مسلم من حديث ثوبان t قال: قال رسول الله ﷺ:" أفضل دينار يُنفقه الرجل دينار ينفقهُ على عياله، ودينار يُنفقه على دابَّته في سبيل الله، ودينار يُنفقه على أصحابه في سبيل الله " قال أبو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرًا من رجل يُنفق على عيال صغار، يُعِفُّهُمُ الله أو ينفعهُم الله به ويُغنيهم؟

- وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة، لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ فقال:" إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار".

- وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليّ امرأة معها ابنتان لها تسأل؟ فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت وخرجت، فدخل النبي ﷺ فأخبرته فقال:" من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار".

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- كما في "فتح الباري:10/428"عند الحديثين السابقين:

" ويمكن الجمع بينهما: بأن مرادها بقولها: فلم تجد عندي غير تمرة واحدة: أي أخصها بها، ويحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى واحدة، فأعطتها، ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة ".

- وأخرج الإمام أحمد والطبراني في الكبير من حديث المُطلب بن عبد الله المخزومي قال: دخلت على أم سلمة زوج النبي ﷺ فقالت: يا بُني إلا أحدثُك بما سمعت من رسول الله ﷺ؟ قلت بلى يا أمَّه، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله، أو يكفيهما كانتا له سترًا من النار".  (صحيح الترغيب والترهيب: 1974)

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة، أنفق عليهم ولست بتاركتهم، هكذا وهكذا، إنما هم بني؟ فقال ﷺ:" نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم ".

- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي أمامة t قال: قال رسول الله ﷺ: " يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خيرٌ لك، وأن تمسكه شرٌ لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى".

- وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول أمراتك: أنفق عليّ أو طلقني، ويقول مملوكك: أنفق عليّ أو بعني، ويقول ولدك إلى من تكلنا؟ ". (صحيح الترغيب والترهيب:880)

- وأخرج أبو داود وابن خزيمة عن أبي هريرة t قال: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال جَهْدُ المُقِلِّ، وابدأ بمن تعول ". (صحيح الترغيب والترهيب:881)

15- من الصدقات: الصدقة والإنفاق على الآباء:

قال تعالى: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة:215)

فأولى الناس بالإنفاق من الخير وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقا عليك، هم الولدان الواجب برهما، والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما النفقة عليهما، ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما؛ ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين: الأقربون على اختلاف طبقاتهم: الأقرب، فالأقرب، على حسب القرب أو الحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة.

                                 (أنظر تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن للشيخ السعدي- رحمه الله- صـــ96)

- وأخرج الطبراني من حديث عبدالله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ:" اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، وأدناك فأدناك ". (صحيح الترغيب والترهيب: 1956)

 وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: إن أمي أفتلتت⁽[40]⁾ نفسها ولم تُوصي، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ فقال النبي ﷺ: " نعم". [فتصدق عنها].

- وأخرج البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن سعد بن عُبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله، إن أمي تُوفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعُها إن تصدقتُ بشيء عنها؟ قال: " نعم" قال: فإني أُشهدُك أن حائطي المخراف⁽[41]⁾ صدقةٌ عنها ".

- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث سعد بن عبادة t قال: قلت يا رسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال " سقي الماء". فتلك سقاية سعد بالمدينة.

- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: أن رجلاً قال للنبي ﷺ: إن أبي مات وترك مالاً ولم يُوصي فهل يُكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال:" نعم".

السعي على الأولاد والآباء جهاد في سبيل الله:

- فقد أخرج الطبراني في معاجمه الثلاثة عن كعب بن عُجرة t قال: مر على النبي ﷺ رجُل فرأى أصحابُ رسول الله ﷺ من جَلَدِه ونشاطه، فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله ﷺ: " إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومُفاخرة فهو في سبيل الشيطان ".  (صحيح الترغيب والترهيب: 1959)

- وأخرج البيهقي في السنه الكبرى عن أبي هريرة t قال: بينما نحن جلوس مع رسول الله ﷺ إذ طلع علينا شاب من الثنية فلما رأينه بأبصارنا قلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله؟ قال: فسمع مقالتنا رسول الله ﷺ فقال: وما السبيلُ إليه إلا من قتل؟ من سعى على والديه ففي سبيل الله، ومن سعى على عياله ففي سبيل الله، ومن سعى على نفسه ليُعفها ففي سبيل الله، ومن سعى على التكاثر فهو في سبيل الشيطان". (قال الألباني: إسناده جيد)

 

16- من الصدقات: الصدقة على الأقارب:

قال تعالى: {فَـآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}    

                                                                                              (الروم:38)

وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177)

وقال تعالى: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة: 215)

- وأخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث سلمان بن عامر t قال: قال رسول الله ﷺ:

" الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة". (صحيح الجامع: 3858)

- وأخرج ابن خزيمة من حديث عامر الضبي t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:" الصدقة على المسكين صدقة، وعلى القريب صدقتان: صدقة وصلة ". (صحيح الترغيب والترهيب: 892)

- وأخرج النسائي من حديث طارق المحاربي t قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله ﷺ قائم على المنبر يخطب الناس ويقول:" يد المعطى العليا، ابدأ بمن تعول، أمك، وأباك، وأختك، ثم أدناك فأدناك ".

- وأخرج البخاري ومسلم عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث-رضي الله عنها- أنها أعتقت وليدة⁽[42]⁾ ولم تستأذن النبي ﷺ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشَعَرْت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال:" أو فعلتِ؟" قالت: نعم. قال:" أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجركِ ".

قال الإمام النووي-رحمه الله-: " فيه فضيلة صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وأنه أفضل العتق ... وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكراماً بحقها، وهو زيادة في برها، وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها "

                                                                   (شرح النووي على صحيح مسلم:7/91)

- وأخرج البخاري ومسلم عن أنس t قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان

أحب أمواله إليه بَيْرُحَاءُ⁽[43]⁾ وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يدخُل ويشربُ من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران:92) قام أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾؛ وإنَّ أحبَّ أموالي [إليّ] بَيْرُحَاءُ وإنها صدقةٌ أرجو برَّها وذخرها عند الله. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله ﷺ: " بَخٍ⁽[44]⁾ ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة: أَفْعَل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". - وفي لفظ: " فجعلها في حسانَ بنِ ثابتٍ وأبيّ بن كعب ".

قال الإمام النووي-رحمه الله-: " وفي هذا الحديث من الفوائد.. أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام، وإن لم يجتمعوا إلا في أب بعيد؛ لأن النبي ﷺ أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين، فجعلها في أبي بن كعب، وحسان بن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع " (شرح النووي على صحيح مسلم:7/91)

 

- وأخرج الطبراني عن طلحة بن يحيى عن جدته سُعْدَى قالت: دخلت يومًا على طلحة- تعنى ابن عبيد الله - فرأيت منه ثِقَلا، فقلت له: مالك لعله رابك منا شيء فنعتبك؟ قال: لا، ولنِعْمَ حليلةُ المرءِ المسلم أنتِ، ولكن اجتمع عندي مال، ولا أدري كيف أصنع به. قالت، وما يَغُمَّكَ منه، ادع قومك فاقسمه بينهم، فقال: يا غلام عليّ بقومي، فسألت ُالخازن كم قسم؟ قال: أربعمائة ألف ". (صحيح الترغيب والترهيب:925)

- وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر t قال: قال النبي ﷺ لرجل من بني عُذرة من الأنصار.. ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا". يقول فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك ".

 

قال الإمام النووي-رحمه الله- في شرحه على مسلم 7/78": في هذا الحديث فوائد منها:

الابتداء بالنفقة بالمذكور على هذا الترتيب، ومنها: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قُدم الأوكد فالأوكد، ومنها: أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير، ووجوه البر بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهة بعينها.. "

- وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر t قال: قال رسول الله ﷺ:

" ما أنفق المرءُ على نفسه وولده وأهله، وذي رحمه وقرابته، فهو له صدقة ".  

                                                                         (صحيح الترغيب والترهيب:1960)

· ومما يدلك على فضل الصدقة على الأقارب أن النبي ﷺ رهب من البخل على الأقارب أو منع الفضل عنهم.

- ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير بسند جيد من حديث جرير بن عبد الله البجلي t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه، فيسأله فضلًا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج اللهُ له من جهنم حيةً يقال لها شجاعٌ يتلمظ⁽[45]⁾ فيطوف به".   (صحيح الترغيب والترهيب:896)

 

- وأخرج الطبراني أيضا في الأوسط الصغير من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:" أيُّما رجل أتاه ابنُ عمه يسألهُ من فضله فمنعه، منعه اللهُ فضلهَ يومَ القيامة".

                                               (صحيح الترغيب والترهيب:897)

 

17- من الصدقات: الصدقة على ذي الرحم الذي يظهر العداوة في باطنه:

- فقد أخرج ابن خزيمة والطبراني في الكبير من حديث أم كلثوم بنت عُقبة -رضي الله عنها - أن النبي ﷺ قال:" أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشِحِ⁽[46]⁾ ". (صحيح الترغيب والترهيب: 894)

- وأخرج الإمام أحمد والطبراني في الكبير من حديث حكيم بن حزام t أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ عن الصدقات أيها أفضل؟ قال: الصدقة على ذي الرحم الكاشح ".

                                          (صحيح الترغيب والترهيب:893) (صحيح الجامع:1110)

 

18- من الصدقات: الصدقة على العصاة ليستغنوا بها عن الحرام:

فقد أخرج البخاري ومسلم في "كتاب الزكاة - باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في غير يد أهلها" عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال:" قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ ! لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ!، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلَى غَنِيٍّ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، وَعَلَى سَارِقٍ!، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَد قُبِلَت، أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَستَعِفٌّ بِهَا عَن زِنَاهَا، وَلَعَلَّ الغَنِيَّ يَعتَبِرُ فَيُنفِقُ مِمَّا أَعطَاهُ اللَّهُ، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَستَعِفٌّ بِهَا عَن سَرِقَتِهِ". وزاد في رواية:" فأُتِيَ فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت^([47])".

 

 

19- من الصدقات: الصدقة على النفس:

فقد أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند صحيح عن أبي قتادة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ابْتَاعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَإِنْ بَخِلَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ لِلنَّاسِ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، وَلْيَتَصَدَّقْ عَلَى نَفْسِهِ، فَلْيَأْكُلْ وَلْيَكْتَسِ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-".  (السلسلة الصحيحة: 1096)

والصدقة على النفس هي الصدقة على الفقراء، لأن ثوابها راجع إلى المتصدق، قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾.   (المزمل: 20)

وإذا بخل على الفقراء فإنما يبخل على نفسه، قال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾.  (محمد: 38)

وكان معاذ النَّسْفَيِ -رحمه الله- يقول: "من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب صدقته من الفقير فهو ممن أبطل صدقته بالمنّ، لأنه رأى نفسه على الفقير".

 

20- من الصدقات: أنظار المعسر والتجاوز عن المُوسرِ:

فقد أخرج الإمام أحمد من حديث بريدة t قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : من أنظَرَ معسرًا، فله كل يوم مثلُه صدقة "، ثم سمعته يقول: من أنظر معسرًا فله مثليه صدقة "، فقلت: يا رسول الله، سمعتك تقول: من أنظر معسر معسرًا فله كل يوم مثله صدقة "، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرًا فله كل يوم مثليه صدقة "، قال له: كل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدَّين، فإذا حل فأنظره، فله كل يوم مثليه صدقة". (صحيح الترغيب والترهيب:907) (الصحيحة:86) (صحيح الجامع:6108)

·     الله –عز وجل– يتجاوز عمن أنظر المعسر، وتجاوز عن الموسر:

فقد أخرج الإمام مسلم عن حذيفة t قال : قال رسول الله ﷺ:" تلقَّت الملائكةُ رُوحَ رجلٍ ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكر قال كنت أدين الناس فامر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر قال: قال U تجوزوا عنه".

·      الله –عز وجل– يظل من أنظر المعسر، وتجاوز عن الموسر في ظله يوم لا ظل إلا ظله:

- فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

" مَن أنظر معسرًا، أو تصدَّق عليه، أظلَّه الله في ظله يوم القيامة ". (صحيح الترغيب والترهيب:913)

وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي اليسر tقال: قال رسول الله ﷺ:" من أنْظَرَ مُعْسِرًا، أو وَضَع عنه، أظلَّه الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه ".

وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أَنْظَر مُعْسِرًا، أو وَضَع له، أظلَّه اللهُ يوم القيامة  تحت ظِلِّ عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه ".

                                                                         (صحيح الترغيب والترهيب:900) (صحيح الجامع: 6107)

21- من الصدقات: قضاء الدين عن الميت:

مما لا شك فيه أن أمر الدَّين خطير، ويدلك على خطورته: ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" نفسُ المؤمن معلقة⁽[48]⁾ بِدَيْنهِ حتى يُقضَى عنه ".  (صحيح الجامع: 6779)

وقال النبي ﷺ:" القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين ". (رواه مسلم)

وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث سعد بن الأطول t قال: إن أخاه مات، وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي ﷺ:" إن أخاك محبوسٌ بدَيْنه⁽[49]⁾، فاذهب فاقض عنه....".الحديث  (صحيح الجامع: 1550)

- وأخرج الحاكم في المستدرك عن سمرة بن جندب t قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال:" ها هُنا أحدٌ من بني فلان؟ " فلم يجبهُ أحدٌ. ثم قال: " ها هُنا أحدٌ من بني فلان؟ " فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: " ها هُنا أحدٌ من بني فلان؟" فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، فقال: " ما منعك أن تُجيبني في المرتين الأوليين؟ إنِّي لم أنوِّه بكم إلا خيرًا، إن صاحبكم حُبِسَ على باب الجنة بدين كان عليه، فإن شئتُم فافدوه، وإن شئتُم فأسِلموه إلى عذاب الله ". فقال رجلٌ: عليّ دينه، فَقَضَاهُ ". (صحيح الترغيب والترهيب: 1810)

- وأخرج الإمام أحمد والحاكم والدراقطني عن جابر t قال: تُوفيِّ رجلٌ، فغسلناهُ وكفناهُ وحنطناهُ، ثم أتينا به رسول الله ﷺ ليصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خُطوةً ثم قال: " أعليه دَينٌ؟" قلنا: ديناران. فانصرف، فتحملها أبو قتادة t فأتيناهُ، فقال أبو قتادة: الديناران عليّ . فقال رسول الله ﷺ: " قد أوفى حقُّ الغريم، وبرئ منهُما الميت؟ " قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم:" ما فعل الديناران؟ " قلتُ: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد؛ فقال: قد قضيتُهما، فقال رسول الله ﷺ:" الآن قد بَردت جلدتُهُ⁽[50]⁾ ". (صحيح الترغيب والترهيب: 1812)

وعند الحاكم بلفظ:" مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله ﷺ حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله ﷺ بالصلاة عليه، فجاء معنا فتخطى خطى، ثم قال: لعل على صاحبكم دَينًا، قالوا: نعم. ديناران، فتخلف ثم قال: صلوا على صاحبكم، فقال له رجل منا: يقال له أبو قتادة يا رسول الله! هما عليَّ، فجعل رسول الله ﷺ يقول: هما عليك وفي مالك، والميت منهما برئ، فقال: نعم. فصلّى عليه، فجعل رسول الله ﷺ إذا لقي أبا قتادة يقول: - وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال: ـ ما صنعت الديناران، قال: يا رسول الله إنما مات أمس - حتى كان آخر ذلك - وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال: قد قضيتُها يا رسول الله، قال: الآن حين بَرَدَتْ عليه جلده ".

وجاء في" سير أعلام النبلاء: 15/50"عن الحسن البصري-رحمه الله- قال: " إنَّ أزهدَ الناس في عَالمٍ جيرانُه، وشرُّ الناسِ لميتٍ أهله؛ يبكونَ عليه، ولا يقضَون دينه ".

 

أداء ما على الميت من نذر سوء كان نذر مالي أو صيام:

·                       بالنسبة للنذر المالي:

فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-:" أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي ﷺ في نذر كان على أمه، فتوفيت أمه قبل أن تقضيه، فأفتاه أن يقضيه عنها، فكانت سنةٌ بعد ".

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- كما في" فتح الباري:10/585" عند هذا الحديث: ومعنى: " فكانت سنةٌ بَعد" أي صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبًا أو ندبًا، ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن الزهري وأظنها من كلام الزهري ويحتمل من شيخه. أهـ باختصار

·                       بالنسبة لصيام النذر:

- فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ:

 " من مات وعليه صيامٌ، صام عنهُ وليهُ ".

وقد اختلف أهل العلم هل يصوم عنه وليه مطلق الصيام فرضًا كان أو نذرًا، أو يصوم عنه صيام النذر فقط. والراجح أنه يُصام عنه النذر فقط. وهو قول عائشة وابن عباس- رضي الله عنهم – وإلى هذا ذهب المالكية والحنابلة والحنفية ورجحه الشيخ الألباني-رحمه الله- ودليلهم:

 ما رواه الإمام مسلم في كتاب الصيام -باب قضاء الصيام عن الميت-عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها، قالت: نعم، قال: فصومي عن أمك ".

- وأخرج الطحاوي في مُشكل الآثار وابن حزم في المُحلي:" عن عُمرة أن أمها ماتت وعليها من رمضان، فقالت لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت عائشة-رضي الله عنها-: لا. بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين ".

 - وأخرج أبو داود من حديث ابن عباس- رضي الله عنها- أنه قال:" إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضي عنه وليه ".

 

- وفي رواية النسائي في الكبرى، والطحاوي في مشكل الآثار عنه:" لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة ". (قال الألباني: موقوف صحيح عن ابن عباس).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفيها مشروعية صيام الولي عن الميت صوم النذر فقط.

 

قال الإمام أحمد-رحمه الله-: لا يصام عن الميت إلا في النذر.

 

وقال الألباني -رحمه الله- كما في أحكام الجنائز صـ 170- 171:

فها هما عائشة وابن عباس-رضي الله عنهما- راويا الحديث المتقدم، فهما أعلم بمراد الحديث، وأنه خاص بصوم النذر؛ لأن راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، وهذا التفصيل الذي ذهبت إليه أم المؤمنين وحبر الأمة ابن عباس وتابعهما إمام السنة أحمد بن حنبل هو الذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوَال وأوسطها، وفيه إعمال لجميع الأحاديث دون رد لأي واحد منها مع الفهم الصحيح لها.

 

الحج والعمرة عن الميت:

فقد أخرج ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: أحج عن أبي؟ قال: " نعم، حُج عن أبيك، فإنك إن لم تزدهُ خيرًا لم تزدهُ شرًا ".  (صحيح ابن ماجه:2348)

 

الصدقة عن الميت:

- فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن رجلاً قال للنبي ﷺ: إن أمي أفتلتت نفسُها، وإني أظنها لو تكلمت تصدقت، فلي أجرٌ إن أتصدق عنها؟ قال: " نعم ".

- وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: إن سعد بن عبادة أخا بنى ساعدة - رضي الله عنه- توفُيت أُمهٌ، وهو غائب، فأتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن أمي تُوفيت، وأنا غائٌب عنها، فهل ينفعُها شيءٌ إن تصدَّقتُ بها عنها؟ فقال النبي ﷺ: " نعم "، قال: فإني أُشهدُك أن حائطي المخراف صدقةٌ عليها. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                    

                                                                                                   

22- من الصدقات: عتق الرقاب:

قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿11﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿12﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿13﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿14﴾ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿15﴾ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} (البلد:11-16)

نقل ابن كثير في تفسيره:4/513 "عن قتادة- رحمه الله- أنه قال عند قوله تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾: أنها عقبة شديدة فاقتحموها بطاعة الله- تعالى-، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ ثم أخبر تعالى عن اقتحامها، فقال: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾. أهــ

- وقال السعدي-رحمه الله- في تفسيره عن الآية السابقة:

أي لم يقتحمها ويعبر عليها، لأنه متبع لشهواته، وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر هذه العقبة بقوله ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ أي فكها من الرق، بعتقها، أو مساعدتها على أداء كتابتها، من باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار ". أهــ

أ - عتق الرقبة نجاة من النار:

قد ورد في ثواب الإعتاق، وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضو عضوًا من معتقها، حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا، لأن الجزاء من حيث العمل، ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الصافات: 39)

ومن الأدلة التي ترغب في الإعتاق وتبين فضلة:

- ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من أعتق رقبةً مُسلمة أعتق اللهُ له بكل عضُو عضواً من النار، حتى فرجهُ بفرجُه ".

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" أيما رجل أعتق امرًأ مسلمًا استنقذ الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار". قال سعيد بن مرجانه: فانطلقت به (أي بالحديث) إلى علي بن الحسين، فعمد علي بن الحسين إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه.

- وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عمرو بن عبسة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" من أعتق رقبة مؤمنة، كانت فداءه من النار ".  (صحيح الجامع: 6050)

ب - عتق الرقبة سبيل لدخول الجنة:

أخرج الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن البراء بن عازب t قال:

" جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله علمني عملاً يُدخلني الجنة، فقال ﷺ " إن كنت أقصرت الخُطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة، فإن لم تُطق، فأطعم الجائع، وأسق الظمأن، وأمر بالمعروف، وأنَّه عن المنكر، فإن لم تُطق ذلك، فكُف لسانك إلا عن خير ".

                                                                   (صحيح الترغيب والترهيب:2853)

23- من أفضل الصدقات: الصدقة الجارية:

والصدقة الجارية: هي الباقي أجرها بعد موت المتسبب فيها ما دامت قائمة ويعمل بها، فأجرها دائم لا ينقطع.

- ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة  t قال: قال رسول الله ﷺ:" إذا مات الانسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".

- وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته، بعد موته، علمًا علمهُ ونشرهُ، وولدًا صالحًا تركه، أو مصحفًا ورثهُ أو مسجدًا بناهُ، أو بيتًا لابن السبيل بناهُ، أو نهرًا أجراهُ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، لحقهُ من بعد موته ".  

                                                                                  (صحيح الجامع: 2231)

وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان t قال: قال رسول الله ﷺ:

" أربعٌ منْ عمل الأحياءِ تجري للأمواتِ: رجلٌ ترك عقبًا⁽[51]⁾ صالحًا يدعُو له ينفعُهُ دعاؤهمْ، ورجلٌ تصدقَ بصدقةٍ جاريةٍ منْ بعده لهُ أجرُها ما جرتْ بعدهُ، ورجلٌ علَّمَ علمًا فعُمِلَ به من بعده له مثلُ أجرِ من عملَ به، من غير أنْ ينقُصَ من أجرِ من يعملُ به شيءٌ ".  (صحيح الجامع: 888)

 

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال: أصاب عمرُ بخيبر أرضًا: فأتى النبي ﷺ فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالاً قط أنفس⁽[52]⁾ منه فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها⁽[53]⁾، وتصدقت بها " فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يُوهب، ولا يُورث، ولكن ينفق ثمره على الفقراء والمساكين والقربى، والرقاب، في سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جُناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يُطعم صديقًا غير متموّل فيه ".

والصدقة الجارية عشر خصال نظمها السيوطي رحمه الله - في قوله:

إذا مات ابنُ آدمَ ليس يجري              عليه من خصال غيرُ عشر

علوم بثها ودعاء نجل                     وغرس النخل والصدقات تجري

وراثة مصحف ورباط ثغر               وحفر البئر أو أجراء نهر

وبيت للغريب بناه يأوي                   إليه، أو بناء محل ذكر

وتعليم لقرآن كريم                          فخذها من أحاديث بحصر

 

 

تنبيه: عمارة المساجد وبناءها من أفضل الصدقات الجارية

وعمارة المساجد من شعائر الدين، والعناية بها من أوصاف المتدينين، الذين يسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السمواتُ والأرض، وهم الذين ينفقون في السراء والضراء، فطوبى من رزقه الله مالاً فأنفقه في بناء المساجد، وما تحتاج إليه من العلم والإمامة والتأذين، ويسهل ماء الوضوء والغسل فيها للمتطهرين،

وهذا لا يفعله إلا الأغنياءُ الذين يصدقون بيوم الدين، وكذلك الفقراء والمساكين، الذين يجودون باليسير وهو عند الله كثير، وقد جعل الله بناء المساجد من الصدقة الجارية إلى يوم الدين، تجري على صاحبها الحسنات بعد موته حتى يلقى الله رب العالمين.

- فقد أخرج البزار وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس t قال: قال رسول الله ﷺ:" سبع يجري للعبد أجورهن وهو في قبره بعد موته: من تعلم علمًا، أو أجرى نهرًا أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته ".

 

فيا من ساهمت في بناء مسجدٍ تريد بذلك وجه الله، أعلم أن لك من الأجر مثل أجر من تَعبَّد فيه بالاعتكاف، والصلاة، وتلاوة القرآن، إلى أن يشاء الله، وسيبني لك بيت في الجنة.

 

- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عثمان بن عفان t أنه سمع النبي ﷺ يقول:" من بنى مسجدًا لله تعالى، يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنة ".

وعند النسائي بلفظ:" من بنى مسجدًا يذكر الله فيه، بنى الله U له بيتًا في الجنة ".

وما جعل الله U هذا الأجر إلا للمسارعة والمنافسة في بناء هذه المساجد حتى يذكر فيها اسمه ويُسبح له فيها بالغدو والآصال

 قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (النور: 36)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

24- من الصدقات: الإعانة على العبادة:

- فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد t أن رجلًا جاء وقد صلى النبي ﷺ، فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ؟

وعن أبي داود بلفظ:" أن رسول الله ﷺ أبصر رجُلاً يُصلي وحده، فقال: ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه ". (صححه الألباني في صحيح أبي داود:537)

 

وأخرج الدولابي في "الأسماء والكنى" عن أبي طُليق t إنَّ امرأته أتته، فقالت له: حضر الحج يا أبا طُليق، وكان له جملٌ وناقة، يحج علي الناقة، ويغزو علي الجمل، فسألته أن يعطيها الجمل تحج عليه،  فقال: ألم تعلمي أني حبستُه في سبيل الله؟! قالت: إن الحج من سبيل الله، فأعطينه، يرحمك الله! قال: ما أريد أن أعطيِك. قالت: فأعطني ناقتك، وحُجَّ أنت علي الجمل: قال: لا أوثركِ بها علي نفسي. قالت: فأعطني من نفقتك. قال: ما عندي فضلٌ عني وعن عيالي ما أخرج به، وما أترك لكم، قالت: إنك لو أعطيتني أخلفكها الله. قال: فلما أبَيْتُ عليها، قالت: فإذا أتيتَ رسول الله ﷺ فأقرئه مني السلام، وأخبره بالذي قلت لك. قال: فأتيتُ رسول الله ﷺ فأقرأته منها السلام، وأخبرته بالذي قالت أم طليق، قال:" صدقت أمُّ طُليق، لو أعطيتها الجمل كأنه في سبيل الله، ولو أعطيتها ناقتك كانت وكنتَ في سبيل الله، ولو أعطيتها من نفقتك أخلفكها الله". (الصحيحة:3069)

 

25- من الصدقات: أداء الأمانة، والمحافظة على أموال الغير:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله ﷺ: "الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبة بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ: أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ".

 

·                       والعامل على الصدقة الأمين، كالمجاهد في سبيل الله:

فقد أخرج الطبراني بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف t قال: قال رسول الله ﷺ:" العَامِلُ إِذَاَ اسْتُعْمِلَ فَأَخَذَ الحَقَّ، وَأَعْطَىَ الحَقَّ لَّمْ يَزَلْ كَالمُجَاهِدِ فِيِ سَبِيِلِ اللهِ حَتَّىَ يَرْجِعَ إِلىَ بَيْتِهِ". 

                                                                                            (صحيح الترغيب والترهيب: 774)

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن رافع بن خديج t قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "العَامِلُ بِالَحَقِ عَلَىَ الصَّدَقَةِ كَاَلَغَاَزْيِ فِيِ سَبِيِلِ اللهِ -عزَّ وجلّ- حَتَّىَ يَرْجِعَ إِلىَ أَهْلِهِ".، وفي رواية: "حَتَّىَ يَرْجِعَ إِلىَ بَيْتِهِ".  (صحيح أبي داود: 2545) (صحيح الجامع: 4117)

 

 

26- صدقات لا تغفل عنها:

هناك أنواع من الصدقات ليست ماليه شرعها رب البرية:

وقد ذكر ابن حبان بابًا بعنوان " ذكر الخصال التي تقومُ لُمعدم المال مقام الصدقة لباذلها ":

ثم أخرج بسنده عن أبي ذر t أن رسول الله ﷺ قال:" ليس من نفسِ ابنِ آدمَ إلا عليها صدقةٌ في كل يوم طلعت فيه الشمس " قيل: يا رسول الله، ومن أين لنا صدقةٌ نتصدق بها؟ فقال: " إن أبواب الخير لكثيرةٌ: التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتُميطُ الأذى عن الطريق، وتُسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتَدُلُّ المُسْتَدلَّ على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المُستغيث، وتحملُ بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كلهٌ صدقةٌ منك على نفسك ".

ومن الصدقات: إماطة الأذى عن الطريق، وهداية الطريق، والتعبير عن الأرتَم (الذي لا يفصح عن الكلام)، وغير ذلك:

- فقد أخرج أبو يعلى والبزار عن أنس t قال: حدث نبي الله ﷺ بحديث، فما فرحنا بشيء منذ عرفنا الإسلام أشد من فرحنا به، قال:" إنَّ المؤمنَ ليؤجرُ في إماطةِ الأذى عن الطريق، وفي هدايةِ السبيلِ، وفي تعبيرهِ عن الأرتمِ⁽[54]⁾، وفي منحةِ اللبنِ، حتى إنه ليؤجرُ في السلعِةِ تكون مصرورةً  فيلمسُها، فتُخطئها يده " - زاد البزار في روايته:" إنه ليؤجر في إتيانه أهله، حتى إنه ليؤجر في السَّلْعة تكون في طرف ثوبه فيلمسُها فيفقدُ مكانها فيخفقُ فؤادُه، فيردُّها اللهُ عليه ويكتبُ له أجرَها ".

- وأخرج الترمذي عن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ:" تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمْرُك بالمعروف صدقة، ونهيُك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة، وبصرُك للرجل الرديء البصر: لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوك والعظم عن الطريق صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ".

 

 ومن الصدقات: إعانةُ الرجل في دابته، والعدلُ بين اثنين، والكلمة الطيبة، والسعي إلى الصلاة المكتوبة وغير ذلك:

 فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" كل سُلامى⁽[55]⁾ من الناس عليه صدقة كل يوم تطلُع فيه الشمس؛ يعدلُ بين اثنين: صدقة، ويُعين الرجل في دابَّته فيحملُهُ عليها أو يرفع له عليها متاعه: صدقة، والكلمةُ الطيبة: صدقة، وبكل خُطوة يمشيها إلى الصلاة: صدقة، ويُميط الأذى عن الطريق: صدقة ".

فائدة: 

وإماطة الأذى عن الطريق مع كونه صدقة إلا أن جزاءه أيضًا الجنة:

 فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:" مر رجلٌ بغُصن شجرة عن ظهر الطريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة ".

 ومن الصدقات: التبسم في وجه أخيك، وإرشادُ الضال أو الأعمى، وإفراغُك من دلوك في دلو أخيك:

- فقد أخرج الترمذي وابن حبان عن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ:" تبسُّمُكَ في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، وبصرُك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتُك الحجرَ والشوكَ والعَظْمَ عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ". (الصحيحة:572) (صحيح الترمذي:1594)

 

- وأخرج الإمام مسلم والنسائي من حديث أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ:" يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة؛ فكلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تحميدةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكلٌ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويُجزئُ من ذلك: ركعتان تركعهُما من الضحى ".

 

- وأخرج الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: " إنه خُلق كلُّ إنسانٍ من بني آدم على ستين وثلاثمائة مِفصَل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، أو استغفر الله، وعَزَل حجرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عظمًا من طريق الناس، أو أمر بالمعروف أو نهى عن منكر، عدد الستين والثلاثمائة؛ فإنه يُمسي - أو يمشي - يومئذٍ وقد زَحزحَ نفسه عن النار ".

 

- وأخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ:

" ابنُ آدم ستون وثلاثمائة مفصل، على كل واحد منهما في كل يوم صدقة، فالكلمة الطيبة يتكلم بها الرجل صدقة، وعون ُالرجل أخاه على الشيء صدقة، والشربةُ من الماء يسقيها صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ".  (صحيح الجامع:42)

 

- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي ذر t قال: جاء ناس فقراء إلى رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور⁽[56]⁾ بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضل أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليله صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال " أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ".

 

- وأخرج الإمام مسلم وأحمد وأبو داود عن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ:" يُصبح على كل سُلامى من ابن آدم صدقةٌ؛ تسليمهُ على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيهُ عن المنكر صدقة، وإماطةُ الأذى عن الطريق صدقة، وبُضعةُ أهله صدقة، ويُجزئ من ذلك كله: ركعتان من الضحى " قالوا: يا رسول الله، أحدنا يقضي شهوته، أتكون له صدقةٌ؟ قال: " أرأيتَ لو وضَعها في غير حلِّها ألم يكن يأثم؟ ".

- وأخرج الإمام أحمد والنسائي عن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ: على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمسُ صدقةٌ منه على نفسه - وذكر منها:- " وتهدى الأعمى، وتُسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدلَّ على حاجةٍ له قد علمتَ مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماعك زوجتك أجر ".                         

                                                                                   (صحيح الجامع: 4038)

 

 

 

27- من الصدقات: بذل المعروف:

- فقد أخرج البخاري وأحمد من حديث جابرt عن النبي ﷺ قال: " كل معروف صدقة ".

وفي رواية عند البيهقي من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:

" كل معروف صدقة، والدَّالُّ على الخير كفاعلة ". (صحيح الجامع: 4556)

فعلى الأنسان ألا يحقر شيئًا من المعروف:

- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذرt قال: قال رسول الله ﷺ:

" لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ ".

- وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث جابر t قال: قال رسول الله ﷺ:" كلُّ معروف صَدَقَة، وإنَّ من المعروف أن تلقَى أخاك ووجهك إليه مُنبسِطٌ، وأن تَصُبَّ من دَلْوِك في إناءِ جاركَ ". (صحيح الجامع:4557)                                                                                                           

- وأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ:

" كلُّ معروفٍ صنعتَه إلى غَنِيٍّ أوْ فقيرٍ صدقة ".   (الصحيحة:2040) (صحيح الجامع: 4558)

- وأخرج الحاكم عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: " صنائعُ المعروف تَقي مصارعَ السُّوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة ".  (الصحيحة:1908) (صحيح الجامع:3789)

- وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ:

" صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم: زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة ".  (صحيح الجامع:3796) 

                                                                                    

أ - ومن بذل المعروف: دفع الأذى عن المسلمين:

وقد مر بنا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال:

" مر رجل بغُصن شجرة على ظهر طريق فقال، والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة "

وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ:

" لقد رأيتُ رجلاً يتقلب⁽[57]⁾ في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ".

ب - ومن بذل المعروف: إعانة الملهوف:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله ﷺ:

" على كل مسلم صدقة" قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال ﷺ:" يعتملُ بيده فينفعُ نفسه، ويتصدق"، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال ﷺ:" يُعينُ ذا الحاجةِ الملهوف"، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال ﷺ:" يأمر بالمعروف أو الخير، قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال ﷺ: يُمسِكُ عن الشرِّ؛ فإنها صدقة ".

جـ - ومن بذل المعروف: وهب صلة الحبل، ووهب الشسع، وإيناس الوحشان وغير ذلك:

- كما ورد في رواية الإمام أحمد والنسائي عن أبي جُرَيِّ الهُجَيْميِّ t قال: أتيت رسول الله ﷺ، فقلت يا رسول الله، إنَّا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئًا ينفعُنا الله به، قال: " لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا أن تأتيَه؛ ولو أن تَهَبَ صِلَةَ الحَبْلِ⁽[58]⁾، ولو أن تُفرغ من دلوك في إناء المُستَقي، ولو أن تلقى أخاك المُسلم ووجهُك مُنبسطٌ إليه، ولو أن تُؤنس الوحشان⁽[59]⁾ بنفسك، ولو أن تَهَبَ الشسع⁽[60]⁾ ".

 

28- من الصدقات: المؤازرة بالجاه:

جاء رجلٌ إلي الحسن بن سهل-رحمه الله- يستشفعُ به في حاجة، فقضاها، فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: "علام تشكرُنا.؟ ونحن نري أن للجاه زكاةً كما أن للمال زكاة ؟!".

                                                                       (الآداب الشرعية لابن مفلح:2/176)

ونفع المسلمين وإسعافُهم والتصدقُ عليهم قد يكون بالجاه: " فالإسعاف بالجاه من ألطف الصنائع موقعًا، ربما كان أعظم من المال نفعًا؛ قال بعضُ البلغاء: بَذلُ الجاه أحدُ الحِباءْين^([61]) ".

 

 

 

29- من الصدقات: أن يعفو الإنسان عمن أذاه في جسده بجرح أو غيره:

- فقد أخرج الإمام أحمد من حديث عبادة t قال: قال رسول الله ﷺ:" ما من رجل يُجرحُ في جسده جِراحةً، فيتصدق بها، إلا كفَّر اللهُ عنه مثل ما تصدَّق به ". (صحيح الجامع:5712) (الصحيحة:2273)

- وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة t قال: قال رسول الله ﷺ:" من تصدق بشيء من جسده؛ أُعطي بقَدْرِ ما تصدَّق ".    (صحيح الجامع: 6150)

قال المناوي- رحمه الله- في" فيض القدير:6/106": يعني من جنى عليه إنسان، كأن قطع منه عضوًا أو أزال منفعته، فعفا عنه لوجه الله، أثابه اللهُ- تعالى- عليه بقدر الجناية.

ويُحتمل أن المراد بالتصدَّق بذلك أن يباشر بعض الطاعة ببعض بدنه، كأن يُزيلَ الأذى عن الطريق بيده، فيُثابَ بقْدرِ ذلك ". أهـ

 

30- من الصدقات: المسامحةُ في الحقوق، والتصدُّقُ بالعِرضْ:

روى ابن منده بإسناده: " كان عُلبةُ بن زيد بن حارثةَ رجلًا من أصحاب النبي ﷺ، فلما حُضَّ على الصدقة، جاء كلُّ رجل منهم بطاقته وما عنده، فقال عُلبةُ بن زيد: اللَّهم إنه ليس عندي ما أَتصدَّقُ به؛ اللَّهم إني أتصدَّقُ بعِرضي على من ناله من خَلْقِك، فأمر رسولُ الله ﷺ مناديًا فنادى: أين المتصدقُ بعِرضه البارحة، فقام عُلبةُ، فقال: " قد قُبلت صدقتُكَ ". وفي رواية:" أبشر؛ فوالذي نفسُ محمد بيده، كُتبت في الزكاة المتقبلة ".

                (قال الحافظ في الإصابة:2/493" ورد مسندًا وموصولًا) (صححه الألباني في تحقيق فقه السيرة للغزالي صــ105)

وفي رواية: أن عُلبة بن زيد t قام من الليل يصلي، فتهجد ما شاء الله، ثم بكي، وقال: اللهم، إنَّك أمرتَ بالجهاد، ورغَّبْتَ فيه، ثم لم تجعلْ عندي ما أتقوَّي به، ولم تجعل في يَدِ رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدَّقُ علي كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها؛ في مالٍ أو جسدٍ أو عرضٍ . وأصبح الرجل مع الناس، فقال رسول الله ﷺ: أين المتصدق هذه الليلة؟ فلم يقم أحد، ثم قال: أين المتصدِّقُ؟ فليقم"، فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله ﷺ أبشر، فوالذي نفسي بيده، لقد كُتِبَتْ في الزكاة المتقبَّلة".

يقول قتادة – رحمه الله-: أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضيغم -أو ضمضم– كان إذا أصبح قال: اللهم، إني قد تصدَّقتُ بعرضي على عبادك". (صحيح أبي داود:4087)

وفي هذه الجود من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه. (مدارج السالكين:2/307)

قال أبو الدرداء:" إن ناقدتَ الناسَ ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربتَ منهم أدركوك. قال: يا أبا الدرداء فما تأمرني؟ قال: هّبْ عِرْضَكَ ليوم فقرك ". (حلية الأولياء:1/218)

 

 

31- من الصدقات: إمساك الشر عن الناس:

- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي ذر t قال: سألت النبي ﷺ أي العمل أفضل! قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل ؟ قال: أغلاها ثمنًا وأنفعها عند أهلها، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق.  قال: فإن لم أفعل، قال: فإن تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك". - وفي رواية: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".

-  وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري t عن النبي ﷺ قال:

" على كل مسلم صدقة" قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال ﷺ:" يعتملُ بيده فينفعُ نفسه، ويتصدق"، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال ﷺ:" يُعينُ ذا الحاجةِ الملهوف"، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال ﷺ:" يأمر بالمعروف أو الخير، قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال ﷺ: يُمسِكُ عن الشرِّ؛ فإنها صدقة ".

 

- واخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي ذر t قال: قلت يا رسول الله، ماذا ينجي العبد من النار؟

قال: " الإيمان بالله "، قلت: يا بني الله، إن مع الإيمان عمل؟ قال ﷺ: " يرضخُ مما رزقه الله "، قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال ﷺ: " يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر "، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عييًا لا يستطيع أن يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر؟ قال: " يصنعُ لأخرق⁽[62]⁾" قلت: أرأيت إن كان أخرق؛ لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟! فقال ﷺ: " ما تريدُ أن تترك في صاحبك من خير؟! تمسك الأذى عن الناس "، فقلت: يا رسول الله، إذا فعل ذلك دخل الجنة؟! قال: " ما من مسلم يفعل خصلةً من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ".  (الصحيحة: 2669)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وبعد...

فهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة

وأسأل الله– تعالى- أن يكتب لها القَبول، وأن يتقبَّلها منّي بقبول حسن، كما أسأله- سبحانه وتعالى- أن ينفع بها مؤلفها وقارئها، ومَن أعان على إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا شأن أي عمل بشري فإنه يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي

وإن وجدت العيب فسد الخللا

جلّ من لا عيب فيه وعلا

 

فاللهمَّ اجعلْ عملي كله صالحًا ولوجهك خالصًا، ولا تجعلْ لأحد فيه نصيبٌ

والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا والله – تعالى– أعلى وأعلم.

 

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

---

[1]- سقيا الماء من أفضل الصدقات في حال ما أذا كان الناس أو المكان في حاجة إلى الماء، لكن إذا كان الماء متوفر بكثرة، فلا يعد في هذه الحالة أفضل الصدقات، فأفضل الصدقات تكون بحسب حاجة الناس إليها، كما سيأتي عندما يُسأل النبي ﷺ عن أفضل الصدقة، فتختلف الإجابة بحسب حاجة الناس. والله أعلم

[2] - كبد حَرَّي: قال ابن الأثير-رحمه الله-: يريد أنها لشدة حَرَّها قد عطِشَتْ ويبست من العطش، والمعنى: أن في سَقي كل ذي كبد حَرَّي أجْرًا. وقيل: أراد بالكبد الحَرَّي حياة صاحبها لأنه إنما تكون كِبدُه حَرَّي إذا كان فيه حياة، يعني في سقْي كل ذي روح من الحيوان. أهـ

[3]- يلهث: يعني أخرج لسانه عطشًا، أو تعبًا، أو إعياءً. (القاموس المحيط صـ176)

[4] - يطيف: يدور حوله

[5] - رَكيَّة: البئر

[6] - الموق: الخف- كما جاء مفسرًا في رواية أخرى

[7] - نزعت: أي أخرجت

[8]- كراه: يعني حفره

[9] - قال المناوي- رحمه الله- في" فيض القدير: 1/167": إدخال السرور؛ أي: إدخال الفرح على المسلم، بأن تفعل معه ما يسره من تبشيره بحدوث نعمة، أو اندفاع نقمة، أو كشف غمة، أو إغاثة لهفة، أو نحو ذلك من أنواع المسرّة ". أهـ وقال الزمخشري: " والسرور لذة القلب عند حصول نفع أو توقعه ". أهــ

[10] - بعدل تمرة: أي قيمتها، فإذا فتحت العين: يعني المثل، وبكسر العين: يعني الحمل، وهذا قول الجمهور

وقال الفراء: بالفتح: يعني المثل من جنه، وقيل: بالفتح مثله في القيمة، وبالكسر في النظر (فتح الباري:3/279)

وقال ابن الأثير- رحمه الله- في "النهاية: 3/191": العِدل والعَدل: بالكسر والفتح في الحديث، وهما بمعنى المثل، وقيل: هو بالفتح: ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس ". أهــ

[11]- العاني: الأسير (فتح الباري:10/ 112)

[12]- لمحمد بن طاهر الرقيِّ

[13] - لحزن بن جناب

[14]- أنجفل الناس: بالجيم: أي: أسرعوا، ومضوا كلهم

[15]- استثبته: أي: تحققته وتبينته

[16]- العسُّ: القدح الكبير الفخم (شرح النووي لمسلم:7/106)

[17] - قال البغوي في شرح السنة :6/146والمنيحة: هي أن يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة حتى يحتلبها عامًا أو أقل أو أكثر فينتفع بدرَّها، ثم يردها، كعارية المتاع لينتفع به المستعير مدة، ثم يردها، وكذلك الأفقار، وهو أن يعطي الرجل دابته، ليركبها ما أحب، ثم يردها.

[18]- الصبوح: شرب اللبن أول النهار

[19] - الغبوق: شرب اللبن أول الليل

[20] - اللقحة: الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة

[21] - الصفي: الكريمة الغزيرة اللبن

[22]- منيحة العنز أو اللبن: أن يعطي الرجل أخاه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها، ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا، ثم يردها"(النهاية في غريب الحديث:4/364)

[23]  - جهد المقل: هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، (النهاية في غريب الحديث: 1/ 320) والمراد ما يعطيه المقل على قدر طاقته، ولا ينافيه حديث: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى "؛ لعموم الغنى القلبي، وغنى اليد. (حاشية السندي على سنن النسائي، 5/58)

[24] - الظلف: بكسر الظاء المعجمة: هو ظفر كل ما أجتر من البقر والغنم وهو بمنزلة الحافر للفرس 

والخف للبعير (أنظر النهاية في غريب الحديث لابن الاثير: 3/159)

[25] - مجتابي النمار: والنمار جمع نمرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير، ومجتابي: أي خرقوها وتوروا وسطها، والعباءَ جمع عباءة وعباية (لغتان) (شرح النووي على مسلم:7/107)

[26]- نحامل: أي: نحمل على ظهورنا كما فسرته الرواية الثانية: كنا نحامل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها.  (شرح النووي على مسلم: 7/110) 

[27] - يلمزون: يعيبون

[28]- أشاح بوجهه: قيل نحاه وعدل به، وصد وأنكمش، وصرف وجهه كالخائف أن تناله، وقال الأكثرون: المُشِيح: الحذر والجاد في الأمر، وقيل: المقبل، وقيل: الهارب، وقيل: المقبل إليك، المانع لما وراء ظهره، فأشاح هنا يحتمل هذه المعاني: أي حذر النار كأنه يراها، أو جد في الإيضاح بإيقانها، أو أقبل إليك خطابًا، أو أعرض كالهارب. (انظر شرح النووي على مسلم: 7/106) (فتح الباري: 11/405)

[29] - منيحة وَرِق: يعني يقرض الدراهم

[30] - هَدًى زُقَاقًا: يعني به هداية الطريق. (قاله الترمذي)

[31] - يرزرؤه: بإسكان الراء وفتح الزاي بعدهما همزة أي: ينقصه ويصيب منه. 

[32]- تمعر: يعني تغير

[33] - خلال: يعني لا خلة ولا صداقة

-[34] قوله تقول المرأة... إلى أخر الحديث. مدرج من كلام أبي هريرة t ، وقد نص جمع من أهل العلم على هذا، منهم: ابن القيم في  زاد المعاد:5/ 439 ، والحافظ ابن حجر في  فتح الباري: 9/ 501 ، والألباني في إرواء الغليل:3/ 317 . وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط - رحمه الله - في تعليقه على صحيح ابن حبان:8/ 149: قوله تقول امرأته: أنفق على ... هو من كلام أبي هريرة أدرجه في الحديث. أهـ

- وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله -: قَوْلُهُ: مِنْ كِيسِي: هُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ، أَيْ مِنْ حَاصِلِهِ؛ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مِنَ اسْتِنْبَاطِهِ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مَعَ الْوَاقِعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ: مِنْ فِطْنَتِهِ. أهـ (فتح الباري:9/ 501).

ومما يدل على أن هذا الكلام مدرج من كلام أبي هريرة ما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ،  قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ ،مَنْ تَعُولُ؟  قَالَ: امْرَأَتُكَ، تَقُولُ: أَطْعِمْنِي أَوْ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي، وَخَادمكَ يَقُولُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَابْنَتُكَ تَقُولُ: إِلَى مَنْ تَذَرُنِي؟

 ورواه البيهقي أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ t:  تَقُولُ امْرَأَتُكَ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَطَلِّقْنِي , وَيَقُولُ: خَادمكَ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي ، وَيَقُولُ: وَلَدُكَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ ، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ مِنْ رَأْيِكَ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟ قَالَ: لَا بَلْ هَذَا مِنْ كَيْسِي.

[35] - خفيف ذات اليد: قليل المال

[36] - فإن كان ذلك يجزئ عني: أي إذا دفعتها لكم

[37] - حجورهما: ولايتهما

[38]- وهو يحتسبها: معناه إذا أردا بها وجه الله- تعالى-، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلاً (أفاده النووي في شرحه على مسلم:7/93)

[39] - المِرْطُ: بكسر الميم: كساء من الصوف أو خزّ يؤتزر به.

[40]- أفتلتت: بضم المثناة وكسر اللام، أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، أي ماتت فجأة

[41] - المخراف: أي المثمر، سمي بذلك لما يخرف منه، أي يجني من الثمر

[42]- وليدة: الأمة

[43] - بَيْرُحَاءُ: بكسر الباء وفتحها وبالمد، وهي أسم لحديقة نخل كانت لأبي طلحة t وليس أسم بئر كما ذهب إلى هذا البعض (شرح النووي:7/89)

[44] - بَخٍ: معناه تعظيم الأمر وتفخيمه، وهي كلمة تقال عند الإعجاب " المصدر السابق "

[45]- التلمظ: تطعّم ما يبقى في الفم من آثار الطعام  

[46]- الكاشِحُ: هو الذي يظهر عداوته في كشحه: وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم القاطع المضمر العداوة في باطنه، وقيل: الكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كَشْحَهُ: أي باطنه، والكشح: الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك، وفي حديث سعد: إن أميركم هذا لأهضم الكشحين: أي دقيق الخصرين.  (النهاية لابن الأثير:4/176)

[47]- هذه الزيادة عند الإمام مسلم والنسائي

[48]- معلقة: أي محبوسة عن مقامها الكريم

[49]- محبوس بدينه: أي محبوس عن الجنَّة.

[50]- وقوله: الأن قد بردت جلدتُهُ: أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه، وقد ذهب بعض أهل العلم: إلى أن العذاب لا يرتفع عن المدين حتى يؤدى عنه دينه ليس بمجرد الحمالة عنه. بينما ذهب البعض: إلى أن المقصود بقول النبي ﷺ: الآن حين بردت جلده.  أي: استراح وهذا يدل على أنه مازال قلقاً حتى يقضى الدين عنه، وأن الميت لا يؤاخذ بالدين لتحمل غيره عنه ودليل ذلك قول النبي ﷺ: "والميت منهما برئ" فلا يلزم من قول النبي ﷺ: " الآن بردت عليه جلده" وقوع العذاب. والله أعلم

[51] - الولد غالبًا وتلحق به الذرية والورثة.

[52] - أنفس: والنفيس وهو الكريم على أهله العزيز عندهم

[53] - حبست أصلها: وهو ما يعرف بالوقف، يعني يقف أصل الملك

[54]- والأرتم أو الأرثم: الأرَت: هو الذي لا يفصح الكلام ولا يبينه، فتعبيرك عن مراده، وإفصاحك بمقصوده، تُثاب عليه بالجنة، ومثله الترجمة عمّن لا يحسن العربية أو لا يفهمها. أما الأرثم: كأنه أخذ من قوله: رَثَمْتَ أنفه إذا كسرته، فكأنَّ فمه قد كُسر فلا يُفصح في كلامه.

[55] - السلامي: هي المفاصل، وعدد مفاصل الإنسان: ستون وثلاثمائة، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة وابن عباس- رضي الله عنهما-

[56]- أهل الدثور: أهل الغنى

[57] - يتقلب: يتحول فيها من مكان لآخر يتنعم بملاذها

[58] -  تهب صلة الحبل: أن يكون لأخيك المسلم حبلٌ يستقي به، أو بربطُ به شيئا من متاعه، ويحتاجُ إلى وصُلة لقصره، فوهبته قطعة حبل وصله بها، قاصدًا مساعدته بها، راجيًا ثواب الله.

[59] - تؤنس الوحشان: إذا وجدت أخاك المسلم وحشان، أي مختلياً مهموماً من شيء يخافه، فآنست وحشته بنفسك، وأذهبت عنه همه وفزعه حتى أمن واستأنس وأطمأن. وفي مدينه "فاس" أعيانٌ موقوفة، يُصرفُ منها مرتبٌ شهري لشخص يسمى: "مؤنس الغريب".

[60] - تهب الشسع: الشِّسع: ما يُشد إلى زمامُ النَّعل وهو رباطُ الحذاء.

[61] - الحباءين: أي العطاءين

[62] - الأخرق: هي الذي ليس بصانع، يقال رجلٌ أخرق، وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له، فإن كان صانعًا حازقًا قيل رجل صنع، وقيل: الأخرق: الذي لا يعرف أن يعمل الشيء بيده. (أنظر شرح النووي على مسلم:2/759)