برامج مجانية

تحميلات نداء الابمان تحت الصورة

تحميلات : برنامج الذاكرالقرآن مع الترجمةبرنامج القرآن مع التفسيربرنامج القرآن مع التلاوةبرنامج المكتبة الالكترونية.

*********** 9 مصاحف في الوسط جاهزة جديدة

/ /   /

Translate الترجمة

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

// التحذير من عقوق الوالدين عاقبة عقوق الوالدين



1/
أساليب ومهارات وقصص في بر الوالدين
(المجموعة الأولى)
د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أما بعد:
فلما كان بر الوالدين بالمنزلة العظيمة في الشرائع الإلهية كافة، وبخاصة في الشريعة الإسلامية الخاتمة، فإن من المهم أن يتكرر التواصي به والحث عليه، إقتداء بالكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة.
ولما كان كثيرٌ منا قد يفقد الأساليب والمهارات في بره بوالديه فقد تأسس مشروع بر الوالدين لتحقيق هذا المطلب العزيز، ومنها عبر رسائل الجوال sms و mms عبر الرقم 5552 بالتعاون مع شركة الاتصالات السعودية ، وسيتم بين فينة وأخرى عرض طائفة من محتوى هذه الأساليب والقصص بمقالات مختصرة بعون الله.
1/ بر الوالدين فريضة ربانية :
قال الله جل وعلا: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا).
دلت الآية الكريمة على تعظيم بر الوالدين من وجوه، منها:
عظمة الموصي وهو الله تعالى خالق الإنسان، وأن الوصية وجهت للإنسان مطلقا، وشمول كلمة الإحسان الجامعة لكل خير.
2/ عناية الشرائع ببر الوالدين:
بر الوالدين مما أوحاه الله لرسله، فكل الأنبياء أمروا به ودعوا إليه. لكنه في الشريعة الإسلامية أجلى مظهراً وأوضح تفصيلاً ، فكان من بركات أهلها بحيث لم يبلغ بر الوالدين مبلغا في أمة مبلغه في المسلمين ، ويوضحه تكرر الوصايا ببر الوالدين في القرآن وعناية النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه في مواطن عديدة.
3/ بره بها أدخله الجنة:
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذاك البر، كذاك البر، وكان أبر الناس بأمه.
حارثة بن النعمان النجاري الأنصاري، أبو عبد الله. شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة.
وهذه البشارة له تأكيد لما جاءت به النصوص أن بر الوالدين باب للجنة وطريق موصل إليها.
4/ بر الوالدين فريضة محكمة:
أخبر الله عن نبيه عيسى عليه السلام أن مما أوصي به: (وبرا بوالدتي):
قال الحافظ القرطبي: دلت هذه الآية على أن الصلاة والزكاة وبر الوالدين كان واجبا على الأمم السالفة، والقرون الخالية الماضية، فهو من الثابت المحكم في كل الشرائع.
وفي شريعة الإسلام جاء تأكيد هذه الفريضة أوضح مما كان في الشرائع السابقة وعظم أجره وثوابه.
5/ نداؤهما والتحدث عنهما بأفضل وأحب الأسماء:
الأصل أن ينادي الولد والديه بهذا الوصف الجليل: يا أبي ، يا أمي، وإذا تحدث عنهما يقول: والدتي، والدي، كما أخبر الله في القرآن عن أنبيائه: إبراهيم : (يا أبت) وعيسى: (وبرا بوالدتي) وغيرهما.
وبهذا يعلم الخطأ في وصف الوالدين بـ الشايب أو العجوز ونحوهما بما يشعر بتنقصهما.
6/ بر الوالدين في حياة السلف:
بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان ألف درهم،فعمد أسامة رضي الله عنه إلى نخلة فنقرها وأخرج جمارها (الجمار قلب النخلة) فأطعمها أمه،فقالوا له:ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتنيه،ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها.
كم نحن بحاجة لمراجعة أنفسنا في أساليب إدخال السرور على آبائنا وأمهاتنتا،ومنها الهدايا المناسبة والمفرحة.
7/ من البر أن تطعم مع والديك:
قال هشام بن حسان: قلت للحسن البصري: إني أتعلم القرآن وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: لأن تتعشى العشاء مع أمك وتقر بذلك عينها، أحب إلي من حجة تحجها تطوعاً.
فإذا أردت أن تنال هذا الأجر فاجعل لوالديك من أوقات الغداء أو العشاء أو القهوة ما تؤنسهما به.
8/ من صور البر النادرة:
قال عامر بن عبدالله بن الزبير رحمه الله: مات أبي فما سألت الله حولاً كاملاً إلا العفو عنه.
إنها صورة عزيزة من صور الإخلاص للآباء والبر بهم ، والتي يلازمها الأبناء والبنات ليس في حياة الوالدين فحسب بل حتى بعد موتهما.
فإن هذا البر والدعاء يصلهم وينفعهم في قبورهم بفضل الله كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
9/ والداك حين تصبح وحين تمسي:
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما من مسلم له أبوان ، فيصبح وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة ، ولا يمسي وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة ، ولا سخط عليه واحد منهما فرضي الله عز وجل عنه حتى يرضى. رواه البيهقي وغيره.
ويؤيده حديث "الوالد أوسط أبواب الجنة".
فهنيئا لمن أصبح وأمسى بارا بوالديه.
10/ رفع الصوت نحو الوالدين:
قال الإمام ابن مهدي رحمه الله: صحبت عبد الله بن عون أربعا وعشرين سنة،وكان بارا بوالديه.
ثم يذكر من مظاهر بره:
أن أمه دعته يوما في حاجة فأجابها برفع الصوت، فأعتق ذلك اليوم رقبتين كفارة لرفع صوته على صوتها.
هكذا كان الأئمة في البر وإجلال الوالدين حتى أسلوب الخطاب، فكيف بنا اليوم ونحن نسمع من ينهر والديه ويصرخ في وجهيهما والله يقول: (فلا تقل لهم أف)؟!
وفَّق الله الجميع لما فيه الخير وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

فضائل ومآثر وقصص ومهارات وأساليب
جوال بر الوالدين
============================================================================
سلسلة :" قُرة العين في برالوالدين" 2-3
المقالة الثالثة :عاقبة عقوق الوالدين
صلاح عامر -مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً : عقوق الوالدين من أكبر الكبائر :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، قَالَ: وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: «وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.(1)
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَالَ: " الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ».(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ» قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ صَبْرٍ، وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ.(3)
ثانيًا : استحقاق لعنة الله لمن سب والديه أو لعنهما :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ، مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ". (4)
وفي رواية ابن حبان: " وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ ".(5)
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ".(7)
ثالثًا : تعجيل عقوبة العاق لوالديه في الدنيا قبل الآخرة :
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ , وَالْعُقُوق " .(6)
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ".(7)
رابعًا : من أسباب دخول النار –أعاذنا الله منها –وأبعده الله وأسحقه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ"، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ" . (8)
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ , أَوْ أَحَدَهُمَا , ثُمَّ لَمْ يَبَرَّهُمَا , فَدَخَلَ النَّارَ , فأَبْعَدَهُ اللهُ وَأَسْحَقَهُ".(9)
وعنه رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ».(10)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «لَا أُقْسِمُ، لَا أُقْسِمُ، لَا أُقْسِمُ» ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا، إِنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَاَجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ» ، قَالَ الْمُطَّلِبُ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُنَّ؟، قَالَ: نَعَمْ: «عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا».(11)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ - الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ - وَالدَّيُّوثُ ".(12)
وفي رواية النسائي وابن حبان : " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ ".
وعَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ".(13)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ».(14)
وفي رواية : " إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ "، قَالَ: قِيلَ : وَمَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؟ قَالَ: " يَسُبُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ " .(15)
خامسًا : استجابة دعوة الوالد على ولده العاق :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ".(16)
وذكر ابن قدامة – رحمه الله- في " كتاب التوابين " عن الحسن بن على –رضي الله عنه - : بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ مَعَ أَبِي حَوْلَ الْبَيْتِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَقَدْ رَقَدَتِ الْعُيُونُ وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ إِذْ سَمِعَ أَبِي هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ شَجِيٍّ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ ... يَا كَاشِفَ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ
قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَانْتَبَهُوا ... وَأَنْتَ عَيْنُكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمِ
هَبْ لِي بِجُودِكَ فَضْلَ الْعَفْوِ عَنْ جُرْمِي ... يَا مَنْ إِلَيْهِ أَشَارَ الْخَلْقُ فِي الْحَرَمِ
إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لا يدركه ذو سرف ... فمن يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالْكَرَمِ
قَالَ: فَقَالَ أَبِي: يَا بُنَيَّ! أَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ النَّادِبِ لِذَنْبِهِ الْمُسْتَقِيلِ لِرَبِّهِ؟ الْحَقْهُ فَلَعَلَّ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ.
فَخَرَجْتُ أَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَقَامِ وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَقُلْتُ: أَجِبِ ابْنَ عَمِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْجَزَ فِي صَلاتِهِ وَاتَّبَعَنِي.
فَأَتَيْتُ أَبِي فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ يَا أَبَتِ.
فَقَالَ لَهُ أَبِي: مِمَّنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ قَالَ: وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُنَازِلُ بْنُ لاحِقٍ.
قَالَ: وَمَا شَأْنُكَ وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: وَمَا قِصَّةُ مَنْ أَسْلَمَتْهُ ذُنُوبُهُ وَأَوْبَقَتْهُ عُيُوبُهُ فَهُوَ مُرْتَطِمٌ فِي بَحْرِ الْخَطَايَا.
فَقَالَ لَهُ أَبِي: عَلَيَّ ذَلِكَ فَاشْرَحْ لِي خَبَرَكَ.
قَالَ: كُنْتُ شَابًّا عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ لا أُفِيقُ عَنْهُ وَكَانَ لِي وَالِدٌ يَعِظُنِي كَثِيرًا وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْذَرْ هَفَوَاتِ الشَّبَابِ وَعَثَرَاتِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وَكَانَ إِذَا أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ مُجْتَهِدًا لَيَأْتِيَنَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَدْعُو عَلَيَّ فَخَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا مَنْ إِلَيْهِ أَتَى الْحُجَّاجُ قَدْ قَطَعُوا ... عُرْضَ الْمَهَامِهِ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدِ
إِنِّي أَتَيْتُكَ يَا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ ... يَدْعُوهُ مُبْتَهِلا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ
هَذَا مُنَازِلٌ لا يَرْتَدُّ عَنْ عُقَقِي ... فَخُذْ بِحَقِّي يَا رَحْمَانُ مِنْ وَلَدِي
وشِلَّ مِنْهُ بِحَوْلٍ مِنْكَ جَانِبَهُ ... يَا مَنْ تَقَدَّسَ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَلِدِ
قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى نَزَلَ بِي مَا تَرَى ثُمَّ كَشَفَ عَنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَإِذَا هُوَ يَابِسٌ.
قَالَ: فَأُبْتُ وَرَجَعْتُ وَلَمْ أَزَلْ أَتَرَضَّاهُ وَأَخْضَعُ لَهُ وَأَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِّي إِلَى أَنْ أَجَابَنِي أَنْ يَدْعُوَ لِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي دَعَا عَلَيَّ.
قَالَ: فَحَمَلْتُهُ عَلَى نَاقَةٍ عُشَرَاءَ وَخَرَجْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتَّى إِذَا صِرْنَا بِوَادِي الأَرَاكِ طَارَ طَائِرٌ مِنْ شَجَرَةٍ فَنَفَرَتِ النَّاقَةُ فَرَمَتْ بِهِ بَيْنَ أَحْجَارٍ فَرَضَخَتْ رأسه فمات فدفتنه هُنَاكَ وَأَقْبَلْتُ آيِسًا وَأَعْظَمُ مَا بِي مَا أَلْقَاهُ مِنَ التَّعْيِيرِ أَنِّي لا أُعْرَفُ إِلا بِالْمَأْخُوذِ بِعُقُوقِ وَالِدَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَكَشَفَ عَنْ شِقِّهِ بِيَدِهِ وَدَعَا لَهُ مَرَّاتٍ يُرَدِّدُهُنَّ فَعَادَ صَحِيحًا كَمَا كَانَ.
وَقَالَ لَهُ أَبِي: لَوْلا أَنَّهُ قَدْ كَانَ سَبَقْتَ إِلَيْكَ مِنْ أَبِيكَ فِي الدُّعَاءِ لَكَ بِحَيْثُ دَعَا عَلَيْكَ لَمَا دَعَوْتُ لَكَ.
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: احْذَرُوا دُعَاءَ الْوَالِدَيْنِ! فَإِنَّ فِي دُعَائِهِمَا النَّمَاءُ وَالانْجِبَارُ وَالاسْتِئْصَالُ وَالْبَوَارُ.(17)
النهي عن الدعاء على الأبناء :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ».(18)
ولفظه عند مسلم وابن حبان بعد ذكر القصة :" لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ"
النهي عن طاعة الوالدين أو غيرهما في معصية الله :
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].(19)
وهذا آخر ما وفقني الله تبارك وتعالى لجمعه من موضوع بر الوالدين.
و"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
تم بحمد الله وتوفيقه
جمع وترتيب
صلاح عامر –مصر.
------------------------------
1-البخاري(2654)،ومسلم (87)،وأحمد(20385)،والترمذي(1901).
2-البخاري(5977)،ومسلم 144 - (88)،وأحمد(12371)،والترمذي
(1207)،والنسائي(4010).
3-البخاري (6675،6920).
4-حسن : رواه أحمد في" المسند"(1875،2914)،وابن حبان(4417).
5-مسلم44 - (1978).
6-صحيح : رواه الحاكم في"المستدرك"(7350), وانظر "صَحِيح الْجَامِع" (2810).
7-رواه البخاري في"التاريخ"(494), و" كنز العمال" (45458), وانظر "صَحِيح الْجَامِع" (137).
8-مسلم9 - (2551)،وأحمد(8557).
9- صحيح : رواه أحمد(20328)وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط
10-حسن صحيح : رواه ابن حبان(907)وقال الألباني : حسن صحيح.
11-رواه الطبراني في " الكبير" (13/8-9/3)وحسن إسناده الألباني في" الصحيحة"(3451).
12-رواه أحمد في " المسند"(6180)،والنسائي(2562)،وابن حبان
(7340)،وانظر" السلسلة الصحيحة"( 674).
13-البخاري(2408)،ومسلم 12 - (593)،وأحمد(18147)،وابن حبان(5555).
14-البخاري(5973)،ومسلم146 - (90)،وأحمد(6529)،وأبو داود
(5141)،والترمذي(1902).
15-صحيح : رواه أحمد(7004)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
16-حسن : رواه أحمد(2699)وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره ،وأبو داود
(1536)،والترمذي(1905، 3448)،وابن حبان(3862)وحسنه شعيب الأرنؤوط والألباني .
17-"التوابين"لابن قدامة(1/237).
18-رواه مسلم(3009) ،وأبوداود(1532)واللفظ له ،وابن حبان(5742) بلفظ مسلم
19- مسلم 43 - (1748)،وأحمد(1567)،والترمذي(1567)،وابن حبان
(6992).
==================================================
خطبة التحذير من عقوق الوالدين
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول والآخر ، والباطن والظاهر ، القوي القاهر ، الرحيم الغافر ، أحمده سبحانه على نعيمه الوافر ، وأشكره على فضله المتكاثر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم مكنونات الصدور ، ومخفيات الضمائر ، خلق الخلق وكلهم إليه صائر ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المطهّر الطاهر ، كريم الأصل زكي المآثر ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر ، والتابعين ومن تبعهم من أولي البصائر ، ومن كان على درب الحق سائر . أما بعد : فأوصيكم _ عباد الله _ ونفسي بتقوى الله الملك العلام ، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام ، وجذوة تنير القلوب والأفهام،{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } .
عباد الله : جاء رجل إلى المحكمة العامة شاكياً باكياً قائلاً : أذن المؤذن لصلاة الفجر ، فذهبت لإيقاظ ولدي للصلاة ، فقام وصفعني على وجهي ، وانفجر باكياً خذوا بحقي من ولدي ، أنصفوني من فلذة كبدي ، آمره فيعصاني ، وأزجره فينهرني ، كرهت ولدي ، إني أبغضه ، لا أحبه ، لا أريده في بيتي ، ووجدت أمٌ مقتولة ، قتلها ولدها بأداة حديدية ، فيا ويحهم من ربهم وخالقهم ، يا ويلهم من الواحد القهار ، القوي الجبار ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " . . . لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ . . . " [ رواه مسلم ] ، فمن لعن والديه ، لعنه الله وغضب عليه ، وطرده من رحمته ، وأوقع به عقوبته ، فما بالنا بمن ضرب والديه أو قتل أحدهما أو كلاهما ، لهو للعنة أحق ، وللطرد مستحق ، قال جبار الأرض والسماء ، في سورة الإسراء : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ ، مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " [ رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وهل هناك أعظم رحماً من الوالدين ، اللهم اغفر لوالدينا كما ربونا صغاراً ، اللهم أسبغ عليهم لباس العافية والتقوى ، اللهم ارفع لهما الدرجات ، واغفر لهما الزلات والهفوات ، واجمعنا بهم في أعلى الجنات ، يا غفور يا رحيم ، يا ودود يا كريم .
عباد الله : كان هناك شاب مكب على اللهو واللعب ، لا يفيق عنه ، وكان له والد صاحب دين ، كثيراً ما يعظ ولده ويقول له : يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته ، فإن لله سطوات ونقمات ، ما هي من الظالمين ببعيد ، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق ، وأنكر الحقوق ، وجار على أبيه ، ولما كان يوم من الأيام ألح على ابنه بالنصح على عادته ، فمد الولد يده على أبيه ، فحلف الأب مجتهداً ، ليأتين بيت الله الحرام ، فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده ، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام ، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد من عققي فخذ بحقي يا رحمن من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فقيل أنه ما استتم كلامه ، حتى يبس شق ولده الأيمن ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ] ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " [ رواه الترمذي ] ، وأحسن من قال :
والوالد الأصل لا تنكر له تربية واحفظ لاسيمـا إن أدرك الكبرَ
فما تؤدي له حقاً عليك ولو على عيونك حج البيت واعتمرا
نعوذ بالله من العقوق ، ومن فساد القلوب ، ومن جميع المعاصي والذنوب .
عباد الله : هذا عاق رمى أمه في دار العجزة ، ولم يزرها لعدة سنوات، وزمن طويل لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل عليها، حرم نفسه برها، واكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها ، ولحظات احتضارها بكت ، بكت يا عباد الله ، لأنها الأم الحنون ، الأم الرءوم ، بكت ونادت المسؤولين وقالت لهم : اتصلوا على ولدي ، أريد أن أضمه قبل أن أموت ، أريد أن أقبله ، أريد أن أعانقه ، يا الله يالها من رحمة جعلها الله في قلوب الآباء والأمهات ، تريد أن تراه بعد ذلك العقوق ، إن حنانها وعطفها وحبها لوليدها ، أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه ! فماذا عساه يفعل ؟ أيهرع لزيارتها ؟ أينكب عليها مقبلاً ومتسامحاً ؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه ؟ لا هذا ولا ذاك ، فاتصلوا على ولدها ، وقالوا له : إن أمك تحتضر وتريد أن تراك وتقبلك ، وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت ، فقال العاق : ما عندي وقت ، وقتي ضيق ، عندي أعمال ، لدي تجارات ثم أغلق الهاتف ، ثم ماتت هذه الأم ، ولم تر ولدها ، ماتت ساخطة عليه ، ومن سخط عليه والديه ، سخط الله عليه ، فاتصل المسؤولون على الولد فقالوا : لقد ماتت أمك ، فرد قائلاً : أكملوا الإجراءات وادفنوها ، ياله من عقوق وأي عقوق ، أترمى الأم في دار المسنين ، أترمى قرة العين ، ومهجة الفؤاد دور الرعاية ، أترمى من جعلت بطنها لك وعاءً ، وصدرها لك طعاماً ، وحجرها لك مجلساً ، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام ، أتعق من قاست لأجلك المتاعب والآلام ، وتركت الشراب والطعام ، من أجل راحتك وخدمتك ، قال تعالى سبحانه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً } ، وأخرج النسائي والبزار والحاكم وقال صحيح الإسناد ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى " ، فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن العقوق دين ، وفاؤه الأبناء ، فمن بر والديه بر بنوه ، ومن عقهم عقوه ، فرحماك ربنا رحماك : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } .
أيها المسلمون : إن نظرةً دقيقة لما تعيشه المجتمعات الغربية ، لتؤكّد أن أقسى ما تعانيه تلك المجتمعات اليوم ، هو التفكك الأسري ، والفردية المقيتة ، التي ضاقت بها بيوتهم ، بعد أن ضاقت بها قلوبهم ، ولا عجب أن يطلبَ أهل الحي فيهم الجهةَ الأمنية ، لأنَّ مسِنًّا قد مات فأزكمت رائحتُه الأنوف بعد تعفّنه ، دون أن يعلم بموته أحد ، فسبحان الله عباد الله ، إنها الماديات ، والمراتب والثقافات ، حينما تغلب على القيم والأخلاقيات ، والأعجب من ذلك ، سريان هذا الداء إلى بعض المجتمعات الإسلامية ، وهي ترى بأمِّ عينها ، كيف أوشكت الأسرة الغربية على الانقراض ، فكم نسمع من مظاهر التفكك ، وصور الخلل والعقوق في بعض مجتمعاتنا ، فهذا أب لما كبرت سنّه ووهن عظمه ، واحتاج لأولاده ، لم يجدوا ما يكافئوه به ، إلا بالتخلص منه في دور الرعاية ، ذلكم هو الأب ، الذي من أجلك يكدّ ويتعب ، ويشقى وينصب ، لراحتك يسعى ، ويدفع عنك الأذى ، ينتقل في الأسفار ، يجوب الفيافي والقفار ، ويتحمّل الأخطار ، بحثًا عن لقمة تعيش بها ، والد طاعنٌ في السن يدخل المستشفى وهو على فراش المرض ، ويعاني مرارة العقوق والحرمان ، ويقول : " لقد دخلتُ هنا منذ أكثر من شهر ، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي " ، بل يا عباد الله ، تعدَّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك وأشنع ، فهذا مأفون لمَّا بلغت أمّه من الكبر عتياً ، تبرّم وضاق بها ذرعاً ، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارجَ المنزل ، لتبيت المسكينة على عتبة الباب ، وهذا آخر يطلق النارَ على أبيه فيرديه قتيلاً ، من أجل مشادّة كلامية ، يا الله ، رحماك يا إلهي ، أيُّ جريمة ارتكبها هؤلاء العاقون ، في حق أعزّ وأقرب الناس إليهم ؟ ويحهم على قبيح فعالهم ، وويل لهم لفساد حالهم ، ألا وإن نماذج العقوق والقطعية ، في زمننا هذا كثيرة فظيعة ، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة ؟ بل أين المروءة والإنسانية ؟ ، عباد الله ، إن الجنة والنار في بيوتكم ، رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه بسند فيه مقال ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه ، مَا حَقّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدهمَا ؟ قَالَ : " هُمَا جَنَّتك وَنَارك " ، فويل لمن عق والديه ، وويل لمن قطع رحمه ، فعقوق الوالدين أعظم قطيعة للرحم ، ومن أشد الظلم ، بل هو تفتيت للقيم ، وذهاب للشيم ، وسقوط من هام القمم ، قال الجبار المنتقم : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } ، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ، وأنت خير الغافرين ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين ، من كل ذنب ومعصية وخطيئة ، فاستغفروا الله وتوبوا إليه ، فيا فوز المستغفرين ، ويا بشرى التائبين .
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وأمرنا بصلة الأرحام ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بدر التمام ، ومسك الختام ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام ، وصحابته الأئمة الأعلام ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .
أيها المؤمنون : إن حق الوالدين هو آكد الحقوق بعد حق الله تعالى ، وحقهما يكون في الطاعة والاحترام ، والبر والإكرام ، والإنفاق عليهما ، والقيام برعايتهما ، وكان حقهما بعد حق الله مباشرة ، لأنهما سبب الوجود بعد الله عز وجل ، ولأنهما بذلا في سبيل التربية من الجهد ، ولقيا في ذلك من المشقة مالا يعلمه إلا الله ، فلهذا قال جلا وعلا : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا } ، وهذا حق تنادي به الفطرة السليمة ، ويوجبه العرفان بالجميل ، ويتأكد ذلك في حق الأم ، فهي التي قاست من آلام الحمل والوضع والإرضاع والتربية ما قاست ، في الصحيحين ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ، بل جعل مرتبته بعد الشرك بالله تعالى ، ففي الصحيحين أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .
معاشر المسلمين : بعد أن أوردنا هذه القصص والنقول ، فحري بأصحاب الفهم والعقول ، أن يبادروا ببر والديهم ، فبرهما سبيل للجنة ، روى الطبراني بإسناد جيد ، أن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في الجهاد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألك والدان " ، قلت : نعم ، قال : " الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما " ، ألا فاعلموا عباد الله ، أن بر الوالدين ، وصلة الرحم ، بركة العمر ، وزيادة الرزق ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " [ رواه أحمد وحسنه الألباني ] ، ثم اعلموا أيها الأبناء ، أنكم مهما عملتم من أعمال تبرون بها آباؤكم وأمهاتكم ، فلن تبلغوا بها شيئاً من الإحسان إليهما ، لأن فضلهما لا يجارى ، وبرهما لا يبارى ، وكيف تبلغون برهما وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " [ رواه مسلم ] ، بل كيف تبلغون برهما ، وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ من طلقاتها ، وَلَكِنَّك أَحْسَنْت ، وَاَللَّهُ يُثِيبُ عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .
أيها الأخوة في الله : عقوق الوالدين ، داء استشرى في مجتمعات المسلمين ، ولابد للداء من دواء ، ولأسبابه من استقصاء ، إن من أسباب العقوق ، عقوق الآباء لآبائهم ، فالعقوق دين ، ولابد للدين من قضاء ووفاء ، ومن أسبابه يا رعاكم الله ، سوء التربية ، فالله الله بالتربية السليمة الصحيحة ، مروا أبناءكم بالصلاة ، وألزموهم كتاب الله ، لينشأ لنا جيل ، يمتثل قول الله تعالى : { وبالوالدين إحساناً } ، ألا وإن من أسباب العقوق والفساد ، عدم العدل بين الأولاد ، ومن أسبابه أيضاً ، أصدقاء السوء ، وأصحاب الشر ، ومن أسبابه إغداق الأموال ، التي بسببها يتعاطى الأبناء الدخان والمخدرات ، فيصبحوا شبحاً مخيفاً على الآباء والأمهات ، ألا وإن من أسباب العقوق ، فقدان القدوة الحسنة من قبل الآباء والأمهات ، وختاماً تأملوا قول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " ، فكيف يكون ولد صالح ، ما لم تكن هناك تربية صالحة ، فيا عباد الله ، إن يكن صدَر منكم للأبوين عقوقٌ ، وسوء معاملة ، فتدارَكوا أعمارَكم وأوقاتَكم ، واغتنِموا حياتهما ، واسألوهما الصفح والتجاوزَ ، قبل أن تلقوا ربكم بهذه السيئة العظيمة ، والمعصية الجسيمة ، ومن كان عاقاً لهما حال حياتهما ، فليبرهما بعد موتهما ، فقد جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : هل بقيَ من برّ أبويَّ شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الدعاءُ لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما مِن بعدهما، وصِلة رحمِك التي لا رحمَ لك إلاّ من قِبَلهما " ، هذا وصلوا وسلموا على النبي محمداً ،صلاة أبداً ، وسلاماً سرمداً ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين ، وعن الصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم ، فنور قبره، واغفر خطأه وزلـله، اللهم اجزهما عنا خير الجزاء ، وأفضل الثواب ، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، برحمتك ومنتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أصلح الأبناء والبنات ، ووفقهم للطاعات ، وجنبهم الفواحش والمنكرات ، يا مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
=================================================
4.
عقوق الوالدين (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري  الالوكة 
عقوق الوالدين
إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعد:
فيا أيها الناسُ، اتقوا الله تعالى واحذروا من كبائرِ الذنوب، ألاَ وإنَّ من أكبرِ الكبائرِ عقوق الوالدين، والمُرادُ بالعقوقِ كما قالَ ابنُ حَجَر: (صُدُورُ ما يَتأذَّى بهِ الوالدُ مِن وَلَدِهِ مِن قولٍ أو فعلٍ إلاَّ في شِركٍ أو مَعصيةٍ) انتهى.
عباد الله: لقد نهى الله تعالى عن عُقوق الوالدين في أعظم حالٍ يَشُقُّ على الولد برُّهما فيها، فقال تعالى: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾.
قال الطبري: (عن مُجاهدٍ: إمَّا يَبلُغانِ عندكَ الكِبَرَ فلا تَقُل لهما أُفٍّ حينَ تَرى الأذى، وتُميطُ عنهما الخَلاءَ والبولَ، كمَا كانا يُميطانِه عنكَ صغيراً، ولا تُؤْذِهِما.. وعن عَطَاءِ بنِ أبي رَباحٍ في قولِه: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ قالَ: لا تَنْفُضْ يَدَكَ على والديكَ، وعنِ ابنِ جُرَيْجٍ: ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ ، قالَ: أَحسَنُ ما تَجِدُ من القولِ.. وعن عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه: ﴿ قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ قالا: لا تَمتَنِع من شيءٍ يُريدانهِ.. وعن قَتادةَ: ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ أي: قولاً لَيِّناً سَهلاً.. وعن هشامِ بنِ عُروَةَ عن أبيهِ في قولِهِ: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ قالَ: لا تَمتنع من شيءٍ يُحِبَّانهِ.. وأمَّا قولُه:﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ فإنهُ يَقولُ: ادْعُ اللهَ لوالديكَ بالرحمةِ، وقُل رَبِّ ارحَمْهُما وتَعَطَّفْ عليهما بمغفرتكَ ورحمَتِكَ كما تَعَطَّفا عليَّ في صِغَرِي، فرَحِماني وربَّياني صغيراً، حتى استقلَلْتُ بنفسي، واستغنيتُ عنهُما) انتهى.
أيها المسلمون: ولقد حذَّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عُقوق الوالدين أشدَّ التحذير، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ حرَّمَ عليكُم عُقُوقَ الأُمهاتِ، ومَنْعاً وهاتِ، ووَأْدَ البناتِ) رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: (لأنَّ أكثرَ العُقُوقِ يَقَعُ للأُمَّهاتِ، ويَطْمَعُ الأولادُ فيهِنَّ) انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبرُكُم بأكبرِ الكبائرِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: الإشراكُ باللهِ، وعُقُوقُ الوالدينِ) رواه البخاري.
العاقُّ لوالديه يُفتح له بابان إلى النارِ: قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مُسلمٍ يُصبحُ ووالداهُ عنهُ راضيانِ إلا كان له بابانِ منَ الجنَّةِ، وإن كان واحداً فواحدٌ، وما مِن مُسلمٍ يُصبحُ ووالداهُ عليهِ ساخطانِ إلا كانَ لهُ بابانِ من النارِ، وإن كان واحداً فواحدٌ، فقالَ رجُلٌ يا رسولَ اللهِ: فإِنْ ظَلَمَاهُ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: وإِنْ ظَلَمَاهُ، وإِنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ، ثلاثَ مرَّاتٍ) رواه أبو يعلى وحسنه ابن حجر.
العاقُّ لوالديه مُتوعَّدٌ بعدم دخول الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَدخُلُ الجنَّةَ عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدْمِنُ خَمْرٍ) رواه الدارمي وحسنه الألباني.
العاقُّ لوالديه تُصيبه العُقوبة في الدنيا قبل الآخرة: قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن ذنبٍ أَجدَرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبهِ العُقُوبةَ في الدُّنيا، مَعَ ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخِرَةِ، مِن البَغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
العاقُّ لوالديه محرومٌ من نظرِ اللهِ إليه يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إليهِم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ، ومُدمِنُ الخَمرِ، والمنّانُ بما أَعطَى) رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.
من لَعَن والديه لعنه الله: قال صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ والديهِ) رواه مسلم.
من العقوق أن يتسبب الإنسانُ في لعن والديه: قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أكبرِ الكبائرِ أن يَلْعَنَ الرَّجُلُ والديهِ، قيلَ: يا رسولَ اللهِ كيفَ يَلعنُ الرَّجُلُ والديهِ؟.
قالَ: يَلْعَنُ أبا الرَّجُلِ فيَلْعَنُ أباهُ، ويَلْعَنُ أُمَّهُ فيَلْعَنُ أُمَّهُ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال ابنُ تيمية رحمه الله: (فقد جَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ سابّاً لاعناً لأبويهِ إذا سَبَّ سَبّاً يجزِيهِ الناسُ عليهِ بالسَّبِّ لهُمَا وإِن لَمْ يَقصِدْهُ) انتهى.
العاقُّ لوالديه متوعَّدٌ بأن لا يغفرَ الله له مع المؤمنين: قال صلى الله عليه وسلم: (تُفتحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ، فيُغفَرُ لكُلِّ عبدٍ لا يُشركُ باللهِ شيئاً، إلا رجُلاً كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شَحنَاءُ، فيُقالُ: أَنظرُوا هذينِ حتى يَصطَلِحَا، أنظرُوا هذينِ حتى يَصطلحَا، أنظرُوا هذينِ حتى يَصطلحَا) رواه مسلم.
العاقُّ لوالديه محرومٌ من صحبة النبيين والصديقين والشهداء: (جاءَ رَجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسولُ الله، وصليتُ الخمسَ، وأدَّيتُ زكاةَ مالي، وصُمتُ شهر رمضانَ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَن ماتَ على هذا كان معَ النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ يومَ القيامة هكذا -ونصبَ إصبعيه- ما لَمْ يَعُقَّ والديه) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
العاقُّ لوالديه: يُضيَّق عليه في رزقه، ولا يُنسأ له في أجله، لا تفتح أبواب السماء لعمله. يبغضه الله. يُخشى عليه من ميتة السوء. يلعنه الله وملائكته والمؤمنون. لا يستجاب دعاؤه. يَعُقه أبناؤه وأحفاده.
من العقوق: إبكاء الوالدين وتحزينهما، نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول، التأفف والتضجر من أوامرهما، العبوس وتقطيب الجبين أمامهما، النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق والنظر إليهما بازدراء واحتقار، (عن عُروةَ قالَ: ما بَرَّ والدَهُ مَن شَدَّ الطَّرَفَ إليهِ) انتهى، من العقوق: الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة، ترك مساعدتهما في عمل المنزل، الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا، قلة الاعتداد برأيهما، ترك الاستئذان حال الدخول عليهما، إثارة المشكلات أمامهما، ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما، إدخال المنكرات للمنزل، مزاولة المنكرات أمام الوالدين، تشويه سمعة الوالدين، إيقاعهما في الحرج مع الناس، المكث طويلا خارج المنزل وهما ينتظرانه، الإثقال عليهما بكثرة الطلبات، إيثار الزوجة على الوالدين، التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر، التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، التعدي عليهما بالضرب:، إيداعهم دور العجزة والملاحظة:، هجرهما، وترك برهما ونصحهما، البخل والتقتير عليهما، المنة وتعداد الأيادي على الوالدين، السرقة من الوالدين، الأنين وإظهار التوجع أمامهما، التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة، تمني زوالهما، قتلهما والتخلص منهما.
اللهمَّ وفِّقنا وذريَّاتنا لبرِّ أُمَّهاتنا وآبائنا، وارزقنا الإخلاصَ وحُسنَ القصدِ والسداد، يا جواد يا كريم.
••••
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
قال الذهبيُّ رحمه الله مُوجَّهاً موعظة للمفرِّط في حقِّ والديه: (أيها الْمُضيعُ لآكدِ الحُقُوقِ، المعتاضُ من برِّ الوالدين بالعُقوقِ، الناسي لما يَجبُ عَلَيْهِ، الغافلُ عمَّا بين يديهِ، برُّ الوالدينِ عليكَ دَيْنٌ، وأنتَ تتعاطاهُ باتِّباع الشَّيْنِ، تطلبُ الجنَّةَ بزعمكَ، وهيَ تحتَ أقدام أُمِّكَ، حَمَلَتكَ في بطنها تسعةَ أشهرٍ، كأنها تسعُ حِجَجٍ، وكابدَت عندَ وَضعكَ ما يُذيبُ الْمُهَجَ، وأرضعتكَ من ثديها لَبَناً، وأطارت لأجلِكَ وَسَناً، وغَسَلَت بيمينِها عنكَ الأذى، وآثرتكَ على نفسها بالغِذاءِ، وصيَّرت حِجرَها لكَ مَهداً، وأنالتك إحساناً ورَفْداً، فإن أصابكَ مَرَضٌ أو شكايةٌ، أظهَرت من الأَسَف فوقَ النهايةِ، وأطالت الحُزنَ والنحيبَ، وبذلت مالها للطبيبِ، ولو خُيِّرَتْ بين حياتكَ وموتها، لطلَبت حياتَكَ بأعلَى صَوتِها، هذا وكم عامَلْتَها بسوءِ الخُلُقِ مراراً، فدَعَتْ لَكَ بالتوفيق سرَّاً وجهاراً، فلَمَّا احتاجَت عندَ الْكِبَرِ إليكَ، جعلتهَا من أهونِ الأشياءِ عليكَ، فشبعتَ وهيَ جائعةٌ، وَرُوِيتَ وهيَ قانعةٌ، وقدَّمتَ عليها أهلكَ وأولادكَ بالإحسانِ، وقابلتَ أياديها بالنسيانِ، وصَعُبَ لديكَ أمرها وهُوَ يسيرٌ، وطالَ عليكَ عُمُرُها وهو قصيرٌ، وهجرتها ومالها من الخلقِ سواكَ نصيرٌ، هذا، ومولاكَ جلَّ جلالُه قد نهاكَ عن التأفيفِ، وعاتبكَ في حقِّها بعتابٍ لطيفٍ، سَتُعاقبُ في دُنياك بعُقُوقِ البنينَ، وفي أُخراكَ بالبُعدِ من ربِّ العالمين، يُناديكَ بلسانِ التوبيخ والتهديدِ ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ ) انتهى.
اللهم ارحم أمهاتنا وآبائنا، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، واجعلهم يوم القيامة فوق كثير من خلقك، اللهم ارزقنا البرَّ بهما، وأعاذنا من العقوق.
=========================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج5.معاني القران للنحاس

ج5.معاني القران للنحاس ج5. الكتاب : معاني القرآن الكريم المؤلف : ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس أي والحافظاتها ونظيره ... ...